ستون دقيقة ترويج لقرار رفع أسعار الوقود: التلفزيون يخفض جناح الذل للحكومة

الرابط المختصر

تصرفت الحكومة في قرار رفع أسعار المشتقات النفطية كما لو كانت "تتذاكى" على المواطن، وحاول التلفزيون مساعدتها في تقليل الأذى عبر ترويج القرار غير الشعبي وإخراجه بطريقة شبه مسرحية.تثير حكومة الرئيس عدنان بدران منذ تشكيلها في السابع من نيسان الماضي الكثير من الزوابع، فلا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل بأخرى، فمن أزمة التشكيل إلى التعديل وأخيرا "أم القرارات" رفع أسعار المشتقات النفطية، هذا وضع الحكومة في محاولة للتذاكي على المواطن في قرارها غير الشعبي حتى لو كان مبررا.







الحكومة، بمساعدة الإعلام، مهدت الرأي العام للقرار، وأعلنت مرارا وتكررا أنها ستقدم على الخطوة التي باتت منتظرة في أي يوم، وكانت تصريحات رئيسها لصحف الجمعة الفصل ما قبل الأخير في الإعلان عن القرار "المتخذ" أصلا، فالرئيس بدران، أعلن القرار بتفاصيله لوسائل الإعلام، الجمعة، وأبقى يوم اتخاذه عرضة للتكهنات، ولكن الصحف "توقعت" ان يتخذ السبت وهو ما حصل كما لو ان الحكومة نفسها سربت بقية النبأ تسريبا.







أما الفصل الأخير، فكان توقيت إعلان القرار الذي يبدو جاء باستشارات ومداولات كثيرة، فالقرار أعلن كـ"نبأ عاجل" من على شاشة التلفزيون الأردني أثناء بث برنامج "ستون دقيقة"، الجمعة 8 تموز، وفي ذهن الحكومة ان التوقيت سيعفيها من ردود فعل مباشرة، فالإعلان جاء مساءا والسبت عطلة رسمية، والأحد ستكون النفوس قد هدأت ولو قليلا.







لم تكن عملية تمهيد الرأي العام لاستيعاب قرار الرفع وحدها التي جاءت عن طريقة "التسريب"، بل ان إعلان القرار نفسه وطريقة إخراجه تلفزيونيا كانت كذلك، ففيما كان عساف الشوبكي يقدم برنامجه "ستون دقيقة" كالمعتاد، توقف لبث "بيان عاجل صادر عن رئاسة الوزراء".







والغريب ان البيان لم يكن جاهزا بالكامل فاضطر الشوبكي الى قرأته على فقرات، فقرأ في مطلع النشرة جزءا ثم استضاف وزير النقل، سعود نصيرات، متحدثا عن رفع أسعار أجور النقل، وعاد الشوبكي، وقرأ الجزء الثاني، الذي ورده بالفاكس، حسب قوله في النشرة!!.





أسئلة تقع في "باب الشكل الإخراجي"

قبل الدخول في تفاصيل مضمون حلقة "ستون دقيقة" تدور بضعة أسئلة في الذهن تقع في "باب شكل الإشهار التلفزيوني" للقرار.



- إذا كانت الحكومة اجتمعت يوم الجمعة قبل موعد بث الحلقة على الساعة الثامنة، على غير عادتها، لاتخاذ قرار الرفع فلماذا لم يكن بيانها جاهزا؟، ولماذا أرسل للبرنامج على أجزاء وبالفاكس؟ ولماذا كلفت مقدم البرنامج عناء قراءة البيان بدون تحضير مسبق ما جعل أداءه مربكا الى حد ما؟



- اما إذا كانت الحكومة مجتمعة أثناء بث الحلقة فكيف يمكن تفسير وجود خمسة من أعضائها في استوديوهات التلفزيون وهم: نائب الرئيس مروان المعشر، الذي حل ضيفا على حلقة "وجها لوجه" عصرا، ووزراء المالية عادل القضاة، النقل سعود نصيرات، الطاقة والثروة المعدنية عزمي خريسات، ووزير الأوقاف عبدالسلام العبادي، الذي كان ضيف الشوبكي في الحلقة نفسها متحدثا عن المؤتمر الإسلامي.



- كيف يمكن أن يقتنع المشاهد أن الحكومة لم ترتب مع إدارة التلفزيون طريقة إشهار القرار وان البيان ورد "عاجلا" فيما كان الشوبكي يستضيف في الآن نفسه ثلاثة وزراء لـ"شرح" القرار؟.







التلفزيون مؤسسة إعلامية رسمية هامه، ولا اعتراض على حق الحكومة في استخدامه للإعلان عن قراراتها عبره والترويج لها والدفاع عن نفسها فهذا حقها الذي لا يجادل فيه احد، ولكن إلا يحتاج الأمر من الحكومة وإدارة التلفزيون معا، إلى نوع من "احترام ذكاء المشاهدين".





ماذا عن المضمون؟

كان عساف الشوبكي قد أعلن في بداية الحلقة ان قضية رفع أسعار المشتقات النفطية سوف تستحوذ على الجزء الأكبر من وقت البرنامج، هذا قبل ان يرده "البيان العاجل"، أما وقد ورد البيان، فقد استغرقت قرأته ومحاولة شرح القرار والدفاع عنه من قبل الوزراء الحضور "المالية والطاقة والنقل" حوالي ساعة وأربعة دقائق ليمتد زمن الحلقة إلى نحو تسعين دقيقة.







إذا كانت إدارة التلفزيون لم ترتب مع الحكومة طريقة "إخراج" القرار تلفزيونيا، فهي "تواطأت" معها على الأقل، فقد استفردت الحكومة بالحلقة كاملة وتجاهل التلفزيون الرأي الآخر وخاصة رأي النواب الذين رفض أكثرهم القرار أو طالبوا بإعادة النظر فيه. وكان التلفزيون "تعلم" درسه بعد احتجاج الحكومة على الحلقة التي استضاف فيها البرنامج نفسه نائبين من نواب عريضة حجب الثقة ما أثار غضب الحكومة واعتذار رئيس مجلس الإدارة الدكتور مصطفى حمارنة.







في هذه الحلقة حضرت الحكومة بقوة متفردة دون معارض، الدكتور مروان المعشر كان ضيفا على برنامج "وجها لوجه" في اليوم نفسه، وقد قام مخرج ومقدم الحلقة باقتطاع فقرة مطولة من حديث المعشر يدافع فيها عن توجهات الحكومة، وإعادة عرضها في برنامج "ستون دقيقة"، ثم استضاف الشوبكي وزير النقل الذي تحدث لسبع دقائق تقريبا عن رفع أجور النقل محاولا جهده التخفيف من هذا الارتفاع. ثم استضاف وزيري المالية والطاقة والثروة المعدنية وترك لهم المجال مفتوحا لـ"شرح القرار والدفاع عنه".







أما رأي النواب فقد ورد عرضا في تقرير معن الشرايدة من البرلمان حول اجتماع رئيس الوزراء مع اللجنة المالية الاقتصادية للنواب، إذ اقتبس التقرير مقطعا من حديث لرئيس اللجنة هاشم الدباس يؤكد فيه أن قرار رفع الأسعار هو "قرار إداري من حق الحكومة اتخاذه"، وهذه الفقرة اقتبسها أيضا تقرير لوكالة "بترا" فجاء الأمر وكأنه موحد ومقصود ولكنه مجتزأ، حتى لو أضاف المحرر إلى التقرير عبارة ان النواب شددوا على ضرورة مراعاة "شرائح الدخل المحدود والمتدني".







تحدث الوزراء خلال الحلقة بإسهاب واستفاضة دون أي مقاطعة من مقدم البرنامج ودون أي اتصالات خارجية من احد تنغص عليهم تسلسل أفكارهم فالوزير نصيرات تحدث أكثر من سبع دقائق حول رفع أجور النقل دون أي مقاطعة او سؤال كما لو كان حديثه مسجلا على شريط ومعد سلفا.







أما الوزراء خريسات والقضاة فقد استمعوا إلى أسئلة الشوبكي التي وان حاول خلالها طرح بعض تساؤلات الناس الا انه بقي خجولا ومربكا في بعضها ومجاملا في بعضها الآخر، خاصة عندما تساءل مثلا عن جهود الحكومة في البحث عن مساعدات خارجية عوضا عن رفع الأسعار.







وقد اتيح للوزراء كل الوقت للإجابة فخرجت حلقة حكومية ذات لون واحد بامتياز.







في اجتماع ضم عددا من نشطاء الرأي العام ومنهم من غير المحسوبين على المعارضة، شاهد اغلبهم حلقة "ستون دقيقة"، تكون لدينا انطباع ان كل جهود الوزراء لتسويق القرار ذهبت إدراج الرياح فلم تفلح هذه الجهود في إقناع المواطن بضرورة القرار وقد بقيت أسئلة لم يطرحها الشوبكي على ضيوفه من نمط:



ان الأردن كان يأخذ النفط بمنحة مرة من العراق قبل الغزو الاميركي ومرة من الكويت والسعودية بعد الاحتلال الاميركي والسؤال هو أين كانت تذهب إيرادات النفط ولماذا كانت الحكومات المتعاقبة ترفع الأسعار وهي تأخذ النفط مجانا.



ربما لا يكون انطباع الجمهور عن المنحة النفطية دقيقا، وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يثبت عجز الحكومات وبالتالي وسائل الإعلام الرسمية، عن إقناع المواطن بغير هذا الرأي، والأغلب ان الحكومات المتعاقبة لم تتعامل بشفافية كبيرة مع موضوع النفط فبقيت ازمة الثقة قائمة حتى مع كل الستين دقيقة التي صرفها الوزراء في الحلقة محاولين تبرير القرار وتسويقه.



واذا كانت الحكومة قد بدأت فعلا بشراء النفط من السوق بدون أي تفضيل وبالسعر العالمي ومن مال المواطن الأردني الحر، فان وقتا طويلا سيمضي قبل ان يصدق المواطن هذا الأمر ويتقبله والأمر، مرة أخرى، ناجم عن غياب الشفافية.







سؤال آخر يتردد على السنة الناس، لم يطرح خلال الحلقة، وهو اذا كانت الحكومة تشتري النفط وبالسعر العالمي 62 دولارا للبرميل، فلماذا اذا أقدمت على قرارات تخفيض الجمارك عن السيارات ذات الاستهلاك الكبير للوقود؟.



هذه بعض أسئلة لم تجد أجوبة وبقيت تتردد بعد الحلقة ما يشير إلى أن الحلقة لم تكن على قدر من الإقناع.







الحكومة ومعها التلفزيون حاولا التركيز على قراراتها الأخرى المتعلقة بخفض الإنفاق الحكومي الاستهلاكي، وقد طرح الشوبكي خلال الحلقة سؤالا على استحياء مفاده فيما اذا كانت الحكومة جادة في هذا التوجه ام انه سيكون مصيره، مصير توجهات اتخذتها حكومات المرحومين وصفي التل والشريف عبد الحميد شرف، حسب سؤال عساف، والأغلب أن انطباع المواطن معروف سلفا، وهو ان هذا التوجه ليس "جادا" وهو ليس سوى محاولة لتخفيف وقع قرار رفع الأسعار.







لنقرأ معا في فقرة من مقال كتبه "أبو يزن" في صحيفة "الدستور"، الاثنين 11 تموز "والحقيقة أن أحدا لا يأخذ على محمل الجد القرارات والإجراءات التقشفية، فطالما صدرت مثل هذه التعليمات من قبل، لتنتهك صبيحة اليوم التالي، لكأنها توضع أصلا بهدف التجاوز عليها، فهي غالبا ما تأتي في سياق "الفزعات" المعروفة، ودائما ما تروح بعد حين قصير جراء التراخي والإهمال وعدم الجدية أصلا".







هل نعتبر هذا دليلا على فشل الحكومة بالترويج للقرارات وتاليا فشل الحلقة في مساندة الحكومة في توجهاتها؟.



في أي حال، من الظلم أن نتوقع من حلقة واحدة إقناع الجمهور بقرار من هذا الوزن الثقيل، ولكن غياب الرأي الآخر عن الحلقة واقتصارها على الوزراء ثم عدم استضافة نواب أو خبراء لمساندة الحكومة لم يترك انطباعا سلبيا فقط لدى المواطن، بل بقي المشاهد غير مقتنع، والأمر أن الحكومة هي "المتهمة"، وكان يمكن باستضافة "أطراف أخرى أن توصل الحلقة رسالة الحكومة بأفضل مما فعلت.







أثناء الحوار حاول عساف، إطلاق بعض النكات أو ممازحة ضيوفه، مرة في محاولة التخفيف من "تجهم الحلقة" بسبب النبأ العظيم، ومرة في محاولة للإيحاء بسعة صدر الوزراء ومساحة الحرية المتاحة له، لكن عظم النبأ اظهر "مداعبات" عساف كما لو كانت في غير وقتها.







خلال مقابلته الوزراء تحدث عساف عن تعبير شائع في "الأدب الأردني بوصف الحكومة أب أو أم الأردنيين"، ويبدو أن التلفزيون "اخفض جناح الذل من الرحمة" لهذا الأب، فترك له حرية الدفاع عن قراراته، وكأنه أيضا يريد أن يعوض الحكومة عن حلقة النواب.

أضف تعليقك