سائقو المدارس الخاصة.. كيف فاقمت الجائحة معاناتهم؟

في الثاني عشر من شهر آذار عام 2020 قررت الحكومة الأردنية تعطيل المدارس العامة والخاصة، والتحوّل إلى التعليم عن بعد استجابة لمكافحة جائحة كورونا.

 "صفوا باصاتكم"، بهذه العبارة يروي أحمد شاكر أحد متعهدي نقل الطلبة في المدارس الخاصة آخر حوار دار بينه وبين إدارة المدرسة التي تعاقد معها، وهي واحدة من مدارس عدة كان يعمل معها منذ انخراطه في هذا القطاع.  

يمتلك أحمد شركة حافلات أهلية تعمل على تأمين المدارس الخاصة بحاجتها من الحافلات والسائقين، وينص تعاقده مع المدرسة على أن "يتعهد بتزويد المدارس بحافلات حسب طلبها وسائقين يقودونها، ومتابعة جميع الأمور التي تبقي الحافلة جاهزة لخدمة المدرسة من ترخيص وصيانة ووقود". وفي هذه الحالة فإن الحافلة تسجل باسم المدرسة وليس باسم مالكها، كون التعليمات المتفرعة من قانون السير تنص على أن أي حافلة تزيد سعتها عن 7 ركاب لا تسجل باسم فرد، بل يجب أن تسجل باسم شركة تملك سجلًا تجاريًا. 

منذ تعطيل المدارس، يقول أحمد "لا حس ولا خبر"، فيما يتعلق بالجزء المالي المتبقي من العقد الموقع مع المدارس الخاصة. وعندما اتجه إلى وزارة العمل لتقديم شكوى لم تقبل شكواه؛ لأن العقد الموقع مع المدرسة الخاصة يدرج السائقين تحت بند "مستخدمين" وهذا البند لا يرتب أي حقوق للعاملين فيه إلا إذا قدّموا خدمة مقابل الحصول على حق. 

حرب المغاري متعهد نقل لطلبة المدارس الخاصة منذ 21 عامًا، الأمر الذي جعله مُطلعًا على الأضرار التي أصابت القطاع كله، فيؤكد أنه قدّم تعويضات للسائقين الذين يعملون معه، خاصة من الذين كانت قيادة حافلات المدارس مصدر دخلهم الوحيد، إذ تضم شريحة العاملين لديه عددًا من المتقاعدين من وظائف حكومية مختلفة؛ لأن المدارس التي تعاقد معها أوقفت العقود معه، ولم تكمل التزاماتها المالية، لا بل يؤكد أن كثيرًا من المدارس الخاصة وحتى الكبيرة منها سرّحت السائقين الذين يعملون لديها، وامتد الأمر ليشمل تسريح العاملين في الخدمات المساندة مثل عمال التنظيفات والأمن وغيرها من الوظائف. 

 

المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أعلنت عن تعويض المتضررين من الجائحة، الأمر الذي دفع السائقين ومتعهدي النقل للتوجه إلى المؤسسة في محاولة للحصول على تعويضات. اكتشفوا أن البرنامج يشمل المشتركين في الضمان الاجتماعي فقط، من غير المتقاعدين الذين يتقاضون رواتباً تقاعدية أصلا من المؤسسة.

"ما في أي حقوق، ولو بدهم يوخذوا الباص كمان بوخذوه" ينهي حرب حديثه وهو يتمنى أن تستمر رحلات العائلات كونها المتنفس الوحيد الذي يُشغّل حافلاته والعاملين عليها. 

رأي القانون 

طرق سائقو الحافلات الأبواب كلها، وكون تبرير وزارة العمل جاء بعدم اختصاصها النظر بهذه العقود؛ لأنهم يخضعون لأحكام القانون المدني وليس لقانون العمل، وبناء على هذا فإنه لا يمكن قانونيًا تسجيل قضيتهم بأنها نزاع عمالي، فقد قرروا اللجوء إلى القضاء.

يرى المحامي عصام العيسى المختص بالقضايا العمالية، أن العقد هو ما يحدد الحقوق والالتزامات، فتكون بعض العقود شفوية وبعضها الآخر مكتوبًا، وفي حال العقد المكتوب فإنه يجب أن تستوفى التزاماته، بشرط أن يكون العامل تحت سلطة رب العمل المباشرة، وكون السائقين تحت سلطة متعهد العمل وليس المدرسة الخاصة فإنه مسؤوليتهم تقع تحته ولا علاقة للمدرسة الخاصة بها، فالمدرسة مسؤولة عن العاملين لديها فقط، والمتضرر في هذه الحالة يلجأ للمحكمة، وليس لوزارة العمل، كون العلاقة بين المدرسة ومتعهد النقل هي علاقة "مقاولة"، وهذه العلاقة هي من اختصاص القضاء النظامي وليس الوزارة. 

 

لجنة أصحاب باصات المدارس

الناطق باسم لجنة أصحاب باصات المدارس شاكر الدرابيع يؤكد أن جميع القضايا التي رفعت ضد المدارس الخاصة خسرت، وأن نقابة أصحاب المدارس الخاصة لم تتعاون معهم للتخفيف من معاناتهم للوصول إلى تسويات مع المدارس، كون العقود الموقعة معهم تخضع لرغبة المدرسة الخاصة، وبما يحقق مصلحة المدرسة، ومتعهد النقل يلتزم بهذه الشروط ويلبيها. 

وفيما يتعلق بدور هيئة تنظيم قطاع النقل أكد الدرابيع أن الهيئة لم تحقق أي وعود تعهدت بها لمساعدتهم على تجاوز آثار الجائحة المدمرة، رغم أن الهيئة على تماس بعملهم، إذ لا يمكنهم نقل الحافلة من مدرسة لأخرى إلا بموافقة الهيئة، وأن تجديد رخصة الحافلة "كرت الباص" يتم عن طريق الهيئة، وجميع تدخلات النواب الذين استعانوا بهم لم تحقق أهدافها، وعندما حاول بعض السائقين اللجوء إلى الرحلات المدرسية ليلبوا متطلبات عائلاتهم المعيشية وجدوا قانون السير يمنعهم من ذلك تحت طائلة المخالفة المالية وحجز الحافلة، وإذا حاول أحد السائقين العثور على فرصة عمل في شركات النقل الأخرى وجد حاجز العمر حائلًا دون الحصول على فرصة كون معظم العاملين في هذا القطاع تجاوزوا الأربعين عامًا، وهذا العمر لا تفضله شركات النقل، ما اضطر شاكر ومن معه إلى اللجوء إلى أصحاب الخير والمتبرعين من التجار والميسورين لجمع التبرعات لسائقين باعوا أثاث بيوتهم لتلبية متطلبات عائلاتهم، أو الاتجاه إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمساعدة القطاعات المتضررة جرّاء الجائحة.

يقول ناجح صوالحة الناطق الإعلامي باسم صندوق المعونة الوطنية إن صندوق المعونة الوطنية أطلق برامج الحماية تكافل 1و2و3 لمساعدة عمال المياومة المتضررين من الجائحة من مختلف قطاعات العمل غير المنظم، حيث تخضع هذه الأسر للمسح والفحص بناء على قواعد بيانات السجل الوطني الموحد في الصندوق، وأن تقديم الطلب وخضوعه للفحص والتأكد من استيفاء الأسر للدعم يتم إلكترونيًا، ليصبح لدينا في النهاية قائمة متكاملة للأسر المستحقة للدعم. 

وزارة العمل 

وزارة العمل كما يقول مدير مديرية التفتيش المركزي في مركز الوزارة هيثم النجداوي معنية بالعامل الذي تنطبق عليه شروط العمالة، وهذا العامل مختلف عن الذي يعمل لدى متعهد أو مقاول، لذلك فإن الشكاوى التي تستقبلها تكون استنادًا إلى كونه عاملًا يخضع لأحكام قانون العمل. 

وفيما يتعلق بتضرر متعهدي نقل الطلبة في المدارس الخاصة، أكد النجداوي أن وزارة العمل تتابع تطبيق المؤسسات لقانون العمل، وأن مفتشي الوزارة يتابعون تطبيق المؤسسات للقانون، وإذا اشتكى العامل من عدم قيام المؤسسة بإعطائه حقه فإن الوزارة تتعامل مع الأمرين بطريقتين، الأولى تبليغ المؤسسة بالمخالفة وتذكيرها بأهمية الالتزام بمنح العامل حقه، والطريقة الثانية تحرير مخالفة بحق المؤسسة إذا امتنعت عن منح العامل حقه.

 وفيما يتعلق بتعثر العاملين جراء الجائحة فإن الوزارة قادت مبادرات لحل الخلافات بين المؤسسات ومتعهدي الخدمات، وحل الخلافات بطريقة ودية، وبما يضمن احترام حقوق الأطراف كلّها.

ويرى حمادة أبو نجمة الخبير في القضايا العمالية أن كل عقد ينظر إليه وفق البنود التي يتضمنها، ولا يتوقف تنفيذ بنود العقد إلا إذا طرأت ظروف طارئة مثل قانون الدفاع على سبيل المثال، وكون المدارس استوفت الرسوم من الطلبة لأنها أكملت التعلم عن بعد، وبناء على هذا فإنه يجب أن تكمل العقد مع متعهد النقل. يرى أبو نجمة أن هذا المبرر منطقي لكنه في النهاية يجب أن يتوافق مع القانون وبنود العقد، ويؤكد أن لكل حالة خصوصية تحكمها بنود الاتفاق بين متعهد النقل والمدرسة الخاصة.

d

نقابة أصحاب المدارس الخاصة

نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني ذكر أن المملكة فيها 3600 مدرسة خاصة تشمل أيضًا رياض الأطفال، ولكل مدرسة شروطها الخاصة مع متعهدي النقل، وأن الأصل في الاتفاقات بين متعهدي النقل والمدارس الخاصة أن تنفذ بغض النظر عن أي إشكاليات أخرى، لكن في الظروف الطارئة والقاهرة يجب أن يكون هناك تنازلات تقدمها الأطراف المتعاقدة لحل الخلافات.

هيئة تنظيم قطاع النقل

الناطقة باسم هيئة تنظيم قطاع النقل البري عبلة وشاح أشارت إلى تنوع الجهات التي أن الهيئة بحثت آليات كثيرة مع جهات مختلفة لتعويض من تعطل أو بقي دون عمل، وهذه الحالات تدرسها الجهات المعنية بتقديم العون. 

وفي تصريحات لوزير النقل وجيه العزايزة لبرنامج صوت المملكة الذي بثته قناة المملكة يوم 23 حزيران/ يونيو 2021 أكد أن وزارة النقل تدرس مطالبات السائقين إعفاءهم من رسوم ترخيص الحافلات، والطريقة الملائمة لتقديم الدعم لهذه الفئة.  

ما حصل مع قطاع متعهدي النقل المدرسي خلال الجائحة، يثبت حاجة القطاع إلى تنظيم عمله بتشريعات واضحة محددة، لحفظ حقوق العاملين فيه بالدرجة نفسها التي تحمي مصالح المدارس الخاصة.  

 

أضف تعليقك