زيد النابلسي:من أقنع أدهم بأن الموسيقى والغناء والفن هي خطايا "لا ترضي الله"؟
كتب المحامي زيد عمر النابلسي حول فيديو اعتزال المغني أدهم النابلسي قائلا:
سمعت قبل أشهر عن الفنان أدهم النابلسي بحكم اسم العائلة المشترك، ولكن وللصراحة، لم يتسنّ لي أمران حتى اليوم: الأول هو أن أتأكد من وجود قرابة بيننا، وأتشرف بها على الحالتين؛ والثاني هو أن أسمع أغانيه قبل اليوم، وهذا تقصير مني...
إلا أنني بعد أن شاهدت فيديو اعتزاله، عثرت على بعضها من باب الفضول، ووجدتها أعمال فنية غير مخلة بالأخلاق أو الذوق العام، بغض النظر عن أني لا أستهوي هذا النوع من الموسيقى شخصياً، ربما لكبر سني، وهذا لا يعيب النوع أو اللون نفسه، فالدنيا أذواق...
ولكن ليس هذا هو الموضوع...
الموضوع هو في خطورة من أقنع أدهم بأن الموسيقى والغناء والفن هي خطايا "لا ترضي الله"، كما قال أدهم في فيديو اعتزاله...
طبعاً كل إنسان حر في السبيل الذي يختاره هو والطريق الذي يبتغيه بإرادته، وإذا أراد أدهم أو غيره اعتزال الغناء والموسيقى، فهذا حقّه في اختيار ما يشغل وقته ويرضي شغفه ويحقق مراده، وهو حقٌ لا ينكره عليه أحد...
ولكن ليسمح لي أدهم أن أصححه، فنصيحتي لك هي ألا تتبع الفتاوى الضالة السائدة وتخرج على الملأ لتعلن بأن ما كنت تقوم به "لا يرضي الله" جلَّ في عُلاه، فإنك والله مخطىء بحق نفسك أولاً قبل أي شيء...
بعكس الرواية الوهابية السائدة – والتي تراجع عنها مطلقوها في عقر دارهم وانقلبوا على فتاواهم الضالة وسمحوا بما كان يحرّمه الكهنة لعقودٍ خلت – فإن الموسيقى والغناء والفن والإبداع لا يمكن أن يغضب منها ربٌ رحيمٌ ومُبدعٌ مُصَوّرٌ، جميلٌ يُحبُ الجمال، إذ أن كل أمرٍ أو فعلٍ يجب أن يُرّد إلى مقصده، فإذا كانت النية خالية من تعمد الأذى للجمهور، فَلِكُلِّ امرىءٍ ما نوى، أوليست الأعمال بالنيات؟؟؟
ولذلك لك الحق يا أخ أدهم في أن تختار طريقاً غير طريق الفن والموسيقى والغناء الذي تحسنه يا ابن العم، وأتمنى لك التوفيق في ما اخترت، ولكن أن تصف ما كنت تفعله بأنه لا يرضي الله، فأنت هنا قد ضللت في وصفك، إذ أن معيار غضب الله أو رضاه من أي موقف هو أولاً النية التي في الصدور، فهل كنت تنوي وتتعمد أذية الناس لا سمح الله بغنائك وفنك، وهل كنت والعياذ بالله تقوم بأي فعل ينافي الأخلاق أو الفطرة السليمة؟
طبعاً لا، بل إن صوتك ما شاء الله رخيم وعذب ويحفظ النوتة، فهل فكرت في أبعاد تصريحك وهل تدبرت في معانيه؟
هل تعلم أنك بما قلته قد حكمت على الست أم كلثوم وعلى السيدة فيروز وعلى محمد عبد الوهاب (الموسيقار والمغني وليس الشيخ التكفيري)، وعلى غيرهم من آلاف المبدعين والفنانين والعازفين والملحنين والموسيقيين عبر تاريخنا منذ زرياب في الأندلس حتى يومنا هذا، بأنهم جميعهم أفنوا عمرهم وهم يرتكبون أعمالاً تغضب خالق هذا الكون، فوجب على من لا زال في مثل موقعك أن يكفروا عن تلك الذنوب ويتوبوا عنها لكي يعفو الله عنهم؟؟؟
لا يا أخ أدهم، لا يليق بك أن تصف فنك وموهبتك بأنها ما كانت إلا معصية من المعصيات، فهذه الفكرة المنحرفة التي كونتها مجتمعاتنا عن الفنون وما أسموه بـ"المعازف" ما هي إلا موروث وهابي مارق على ديننا تخلى عنه أهله في ديارهم، وهو المفهوم الظلامي الذي غزانا على يد أولئك الكهنة الذين حرموا علينا أي مظاهر للجمال وحاربوا بهجة أي عيد، سواء كان عيداً مسلماً أم مسيحياً، فحرموا مشاركتنا لجيراننا وأهلنا بأعيادهم أو الترحم على موتاهم لاختلاف دينهم، وحرّموا شجرة الميلاد، وحرموا الموسيقى والآلات الموسيقية والغناء ونحت التماثيل، وذهب غلاتهم إلى تحريم الصور والرسم للإنسان والحيوان، لا بل وحرموا الاعتقاد بدوران الأرض، والقائمة تطول ولا تنتهي...
وبالتالي لا يحق لك اعتبار إحدى آيات الله في خلقه عملاً لا يرضيه عز وجل، فالموسيقى بكافة أنواعها هي آية من آيات الكون وإعجازه، والفرق يبقى في مستوى الإبداع والإتقان من عدمه...
وهل باخ وموزارت وبرامز وبيتهوفن وتشايكوفسكي وسيبيليوس وباقي العظماء أيضاً تسببوا بغضب الله سبحانه وتعالى لأنهم اتخذوا الموسيقى وعلومها سبيلاً ونوراً إلهياً عظيماً؟
وحتى أغاني شعبان عبد الرحيم، وبالرغم مما قد يقال عنها من سقاطة وهيافة وما إلى ذلك، إلا أنني لن أتوقع من المصري الكادح الغلبان الفقير المنهك بأن يتذوق كونشيرتو لراخمانينوف مثلاً أو كوارتيت لشتراوس، ولذلك فإن حتى ذلك الفن (الهابط نسبياً مقارنةً بفريد الأطرش)، له بيئته ولا يجوز وصفه بأنه لا يرضي الله، فقد كره شعبولا إسرائيل يوماً من الأيام، وذلك أضعف الإيمان...
وأذكرك هنا أن المغني الإنجليزي الشهير كات ستيفنز عندما غير اسمه وأصبح يوسف إسلام فهو لم يعتزل الغناء، وإنما أصبح يؤلف أغاني دينية ويغنيها، فهل سنسمع لك ابتهالات صوفية في ذكر الله مثلاً، وذلك أيضاً أضعف الإيمان؟
المحزن في موضوع اعتزالك بالنسبة لي – مع أنك تقول بأنه قرارٌ قد أفرحك ومن حقك أن تفرح – هو فقط تبريرك الضال والمضلل الذي سقته لهذا القرار، بينما التاريخ يقول لنا أن الآلات الموسيقية الوترية جميعها التي نعرفها اليوم والتي هي أساس الموسيقة الغربية هي اختراعات عربية الأصل والجذور ابتكرها مسلمون أسسوا لعلوم الموسيقى ولم يغضبوا ربهم، وأن الآذان الذي نسمع نسخاً متنوعة منه اليوم ما هو إلا تلاوات وتراتيل بمقامات موسيقية بحتة أنت أعلم بها مني، بالرغم من تحريمات وافتراءات الغلاة والمتطرفين...
ختاماً أتمنى لك التوفيق في مشوارك المقبل، وأتمنى في نفس الوقت أن لا يتم تصنيف الناس بين من يرضي الله وبين من لا يرضي الله بناءً على أهواء وتفسيرات المتشددين والمتزمتين، فلندع الخلق للخالق، ولنؤجل هذه الأحكام إلى يوم الدين...