زيارة لسجن النساء....

الرابط المختصر

"م "33 سنة هي أقدم الموقوفات إدارياً في مركز إصلاح وتأهيل النساء في الجويدة منذ 12 عاماً حفاظاً للأمن خوفاً على حياتها، ارتبطت بعلاقة غير شرعية مع قريب لها زوجت منه على إثرها،

هو أفرج عنه، أما هي فما زالت تدفع ثمن"خطأ" مشترك.

لم تستطع التعبير عن شعورها إلا بالقول"أنا تعبانه كثير...ما حدا بيزورني كانت أمي قبل ما تتعب بس هسا ما حدا بيزورني أخواتي اتجوزا وما بيقدروا يجيوا " قدمت استرحام للمحافظ للبحث عن زوجها ليكفلها لتستطيع الخروج وبدء حياة جديدة كما تقول، لكنها لم تتلق جواباً حتى الآن، وتضيف" لا استطيع الخروج خوفاً من أهلي اخواني أربعة لما دخلت كان عمري 21 سنة وأكبرهم كان 15 سنة كانوا زغار ..هسا كبروا...ندمانه على تضييع عمري بالسجن"
قابلنا "م" خلال زيارة نظمها مركز عدالة للصحفيين في المركز وبدأت بمقابلة لمديرة المركز المقدم هناء افغاني وتم التسجيل بعد التفاوض معها بشأنه والسبب أن التصريح الذي منح لمركز عدالة بناءً على طلبه لم يتضمن ذلك، أما التسجيل مع النزيلات وتصوير مرافق المركز فلم يكن خاضعاً للتفاوض على الإطلاق.
بعد انتهاء الجولة عدنا إلى حيث بدأنا إلى مكتب مديرة المركز وفيه قابلنا ثلاث نزيلات بحضور المقدم هنا وأخريات من مرتبات السجن.
تشريد وإجرام..وابن ضائع

وكانت "ل" أول من دخلت لمقابلتنا، وهي نزيلة مكررة في الواحدة والثلاثين من العمر على وجهها آثار جروح عديدة من "شفرات " نتيجة عنف مارسته ومورس عليها أثناء عيشها في مجمع للباصات في إحدى المحافظات، مضى على وجودها في السجن أكثر من 17 سنة لم تكن تتجاوز الثالثة عشرة من العمر عندما دخلت مركز وإصلاح الجويدة للنساء بسبب اعتدائها بسكين على شخص شتم أخوها غير الشقيق عندما كانت تبيع على بسطه في أحدى المجمعات، عادت إليه المرة الأخيرة بسبب تحطيمها لواجهة زجاج محل حلويات بعد أن سخر منها عامل هناك، هي إحدى أربع فتيات، تقول" صحيح أنني عملت مشاكل كثير وربيت في المجمع بدي احمي حالي، واللي بيجي بطرقي باجي فيه" وتضيف" أنا وضعي بالمركز أحسن بكثير من برا هناك بشم آغو وباخذ حبوب وبشرب خمرة لكن بالمركز كسبت ديني وحالي وبيشوفوني دكاترة، برمضان الماضي أنا رجعت عمداً هون عشان ما أغلط"؟! أنا ما بدي غير راتب وبيت-هي مشردة دون مأوى- ولما أي جهة تأمنلي الأمان بقدر أجيب ابني عندي"ولدى سؤالنا لماذا لا تحتفظي به ردت قائلة" وين بدي أحطه عند خالاته هم ما بيسألوا عني مستدركة " لديهن عائلاتهن وأزواجهن ووجودها يسبب لهم إحراجا مشددة على عدم ذكر أسمائهن لهذه الغاية.
ابنها عمره الآن 11 سنة كان ثمرة علاقة غير شرعية من شخص تنكر لها وهو الآن في دار رعاية حكومية يصرف لها المركز مساعدة مالية وتتوقع إجراء عملية لكسر في وجهها على حساب المركز أيضا، وما زالت تنتظر حلاً مشكلتها.


مجرمة لارتكابها مرضاً نفسياً

ع 27 سنة دخلت المركز عندما كانت في التاسعة عشرة، اختارت العودة إلى المركز بعد وصولها للمحافظ للإفراج عنها وقالت إنها تخاف على حياتها وأن هناك خطورة عليها، وتقول أردت العودة بالمركز لأن أهلي لم يكونوا بانتظاري" أمنيتها بالحياة" آلاقي الحنان عند أمي"
بدأت حديثها إلينا "أنا ما عملت شي آجي عليه هون" وتدخلت المقدم هنا بالشرح"تعاني مرضاً نفسياً والأهل لم يتفهموا طبيعته واستمرت بالهرب من المنزل وسجنت لحيازتها سلاح ناري وقضايا أخرى، وتحولت إلى إنسانة هادئة بعكس شخصيتها العنيفة سابقاً.
وعن سبب اختيارها العودة للمركز تقول"أهلي ما يتعاملوا معي بالطريقة اللي بيتعاملوا معي فيها هون بحس بشخصيتي وحقوقي واني إنسانه!!! بحس اني عايشه مع اهلي مو مع سجانيين عند أهلي تعرضت لمهانة وذل"
قدمت استدعاء لزيارة خاصة لبوها وأخوها واشترطت حضور المقدم هنا " لأنها بتفهمني صح وعشان تحكيلهم شو بحس وبيعرفوا كيف يتعاملو معي "
هي الوسطى بين 6 شقيقات و5 أشقاء ورداً على سؤالنا عن والدتها قالت"هي لا تحبني وما بعرف ليش" أما مشاريع الزواج للمستقبل فهي غير واردة وأجابت"انا ما بعرف أحب"
كنا قد قمنا بجولة في المركز باستثناء المهاجع التي كانت تخضع لصيانة حسب المقدم هنا التي كانت قدمت لنا موجزاً عن المركز قبل البدء بالاطلاع على المرافق ومقابلة ثلاث نزيلات وافقن على التحدث إلينا ولكن بوجود المقدم طبعاً.
وبدأت المقدم هنا بالقول أنشئ المركز عام 2000 ويتسع ل 450 نزيلة وتشغله الآن 274 نزيلة أصغرهن في الثامنة عشرة من عمرها وأكبرهن في الخامسة والستين مدانة بجريمة قتل.
وتضيف المقدم هنا" توزع مديرية الأمن العام مساعدات شهرية على النزيلات اللواتي ليس لديهن مصدر مالي بقيمة خمس دنانير شهرياً وتتوفر لهن رعاية طبية عامة ونفسية يتم خلالها زيارة أطباء للمركز مرة أسبوعياً، و
يحق للنزيلة أن تحصل على زيارة من المحامي، وزيارة خاصة بناءً على طلبها لأي شخص ترغب برؤيته وليس بالضرورة أن يكون أحد أقاربها أو بناءً على طلب شخص آخر، بالإضافة إلى زيارات الصليب الأحمر و السفارات المختلفة التي تكون إحدى رعاياها موجودة في المركز وأغلبهن موقوفات إدارياً لمخالفتهن شروط الإقامة لحين ترحيلهن".
وترى المقدم هنا بالمركز ترجمه لفلسفة مديرية الأمن العام باعتبارها مراكز إصلاح وليست سجون وهي مؤمنة بهذا الأمر كما تقول ، ورداً على سؤال هل نجحت هذه المراكز بمهمتها في الإصلاح تقول" نسبة قليلة من النزيلات التي تنتهي محكومتيها تعود إلى المركز باستثناء المكررات لجرائمهن واللواتي بعانين من اضطرابات نفسية".
ويسمح قانون إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل للنزيلة الأم الاحتفاظ بأبنائها حتى سن الثالثة من أعمارهم والمركز مزود بحضانة مجهزة لهذا الغرض ولكن للآن لم تستقبل أي طفل لأن القانون لا يسمح للأم بالاحتفاظ بأبناء السفاح أو العلاقات غير الشرعية ويتم إيداعهم لدور الرعاية، أم اللواتي لديهن أولاد نتيجة زواج فلم تطلب إحداهن وضعهم في حضانة المركز.
وتتابع المقدم هنا" المركز مزود بكاميرات موزعة في أماكن تجمع النزيلات في أرجاء المركز باستثناء المهاجع والأماكن الخاصة للنزيلات، لحماية النزيلات أنفسهن من بعضهن البعض والحفاظ على سلامتهن وليس من باب المراقبة، كما أن المركز مجهز بأماكن خاصة للخلوة الشرعية"السماح للنزيلة بالاختلاء بزوجها"، ولكن إدارة المركز الحالية لم تمر عليها طلب لهذه الغاية المسموح بها قانوناً بطلب من نزيلة أو زوج أحداهن أيضا.
وبالنسبة للعقوبات لدى مخالفة إحداهن القانون، تقول المقدم هنا" أنها لا تلجأ إلى عقوبة الحبس الانفرادي لأنها لا تفضلها ولا تعتبرها رادعة ولكن تلجأ إلى وسيلة قانونية أخرى هي المنع من الزيارت"
ولم يكن من الاعتيادي أن نكون في سجن النساء بالجويدة دون أن نسأل عن ساجدة الريشاوي المحكومة بالإعدام على خلفية الحكم عليها بالاتفاق الجنائي في تفجيرات الفنادق في عمان قبل عامين تقول المقدم هنا "هي في مهجع منفصل ليس لأنها محبوسة انفراديا وإنما لأن النزيلات يصنفن بحسب العمر ونوع الجرم ولا توجد نزيلة أخرى تشترك معها في التصنيف الجرمي وتضيف" هي ليست محجوزة في سجن انفرادي بالمعنى الحرفي للكلمة وليست معزولة بالمطلق فيتم تفقدها باستمرار من ضباط المركز، ومن إدارة المركز بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا"
المشغل
انتقلنا إلى المشغل الذي يتم تدريب النزيلات من قبل مرتبات شرطة نسائية على فنون الخياطة وتنسيق الزهور والتطريز وفنون التجميل في صالون يخدم النزيلات مجاناً، ويذهب ريع بيع إنتاجهن من الحرف اليدوية من خلال المعارض الذي يشارك بها المركز أو من خلال البيع المباشر في المعرض الدائم في المركز، وما تدفعه العاملات من المركز لقاء خدمة الكوافير من قبل النزيلات كرواتب لهن بقيمة 15 دينار شهرياً، تصرفها بشراء ما تحتاجه من مكان مخصص لذلك فالقانون يمنع استقبال إي شيء خلال الزيارات للنزيلات.
المطبخ

توجهنا بعدها إلى المطبخ وهو كباقي مرافق المركز نظيف وواسع ومرتب ويسوده نظام وترتيب ملاحظ، تم تعريفنا على العاملة المسؤلة فيه وهي إحدى النزيلات " م" إحدى الموقوفات إدارياً حفاظاً على حياتها ، صدر قرار بالإفراج عنها 1994 إلا أنها اختارت البقاء في المركز لوجود خطورة على حياتها كما ذكرت وتم تعيينها في المطبخ كموظفة بعد تقديمها لاستدعاء تطلب فيه ذلك...وابتسامتها التي لا تفارق وجهها بملامحها الطفولية تقول الكثير...فرغم نظافة المكان وإحساسها بالأمان فيه إلا أن ذلك لا يقارن برغبتها بالخروج منه وما تلك الشرائط الملونة التي زينت بها المكان والشراشف الزاهية التي غطت بها الطاولات إلا إشارة لطفولة ضائعة خارج أسوار السجن ودعتها بين جدرانه لتصل سنتها الثانية بعد الثلاثين وهي تطعم نزيلات المركز بدلاً من أطفال لها يبدو أنه لن تراهم.
المطعم
مكان تناول النزيلات لوجبات الطعام ملاصق للمطبخ الذي يطل منه شباك كبير على صالة الطعام لتتسلم النزيلة مخصصاتها لتناولها في قاعة كبيرة ذات ألوان محايدة باستثناء لوحتين بقياس كبير يحتلان كامل الحائط المقابل لمناظر طبيعية لعالم موازي مفترض تركنه خارج الأسوار إما لارتكابهن جرم يستحق العقوبة أو لمجرد قيامهن بفعل يرى فيها مجتمع ميز وأدان جرم تستحق عليه القتل أو الحبس.
ولفت نظرنا صندوقين للشكاوى تم تعليقهم على حائط آخر داخل القاعة أحدهما خاص لمديرة المركز تحتفظ بمفتاحه ويستقبل الشكاوى من النزيلات أو تظلم أو مجرد طلب أو حاجة ويتم تنفيذ ما هو متاح حسب المقدم هنا، والآخر هو خاص بمديرية حقوق الإنسان في مديرية الأمن العام ويحتفظ مندوب منها بمفتاحه مخصص للشكاوى على القائمات على المركز وإدارته"
وتتناول النزيلات وجباتهن مجتمعات كل حسب تصنيفها تبدأ محكومات المخدرات وثم القتل وهكذا ولا يسمح بتناول الطعام في المهجع إلا بتصريح خاص من الطبيب.
كبائن الزيارة

تم إرشادنا على أماكن الزيارة عبر طريق خارجي تجنباً للمرور بالمهاجع- التي تخضع لصيانة- ويتضمن مكان الزيارة مكان للأماكن و52 كابينة يفصل كل واحدة عن الأخرى جدار أسمنتي ويفصل مكان النزيلة والزائر حاجز زجاجي ويتم الاتصال بينهما عبر هاتف.
أما مكان زيارة المحامين فهو في غرفة داخل القاعة مجاورة للكبائن يتواجد فيها طاولة وكراسي يجلس فيها المحامي مع موكلتهن بوجود أحدى أفراد المركز ولدى سؤالنا عن سبب تواجدهم قيل أنه لحمايتها من الاستغلال وتجنباً للخلوة؟! مضيفين أن" ذلك يتم بناء على طلب النزيلة نفسها".
واثناء تقديم الموجز عن تسهيلات الزيارة سمعنا صوت حاد في مكبر الصوت الداخلي وهو نداء على إحدى النزيلات للتوجه إلى مكان ما في المركز"يلة بسرعه عالمكتب"

هذا ويذكر أن عدد الموقوفات إدارياً للأمن ثمانية فقط وهن النزيلات اللواتي تم التحفظ عليهن نتيجة قيامهن بعلاقة جنسية غير شرعية منعاً للتعرض لهن بالقتل من أحد أفراد الأسرة وينص القانون أنه يتم الإفراج عن أي واحدة يتقدم أي شخص ليكفلها ويضمن عدم التعرض لها.



أضف تعليقك