زيارات المسؤولين الى المحافظات
عندما يقوم رئيس الوزراء او الوزراء بزيارة عمل الى المحافظات فان المهمة المفترضة لهذه الزيارة هي الالتقاء بالمواطنين والاطلاع مباشرة على مطالبهم وارائهم ومشاكل المجتمع المحلي الذي ينتمون اليه. غير ان ما يحدث خلال هذه الزيارات ان المواطنين يتحولون الى شهود بينما يُخلى المسرح لنواب المحافظة وكبار المسؤولين فيها حيث يتداولون الخطابات امام عدسات الصحافة وكاميرات التلفزيون الرسمي.
لقد وصل الى »العرب اليوم« تساؤلات من قبل عدد من المواطنين حول الفائدة من هذه الزيارات, ما دام المواطنون لا يُعطَون فرصة طرح مطالبهم ومشاكلهم مباشرة امام الوزراء, وما دام الرئيس او الوزير لا تتاح له فرصة الوصول مباشرة الى الناس والاستماع اليهم والتحدث معهم. وانما تترك المهمة للنواب وكبار المسؤولين في المحافظة, بينما يستطيع النواب الالتقاء بالحكومة مرتين اسبوعياً خلال انعقاد دورة البرلمان ويستطيع المسؤولون الاداريون الالتقاء بوزير الداخلية في اي وقت!
اما الاعلام الرسمي فانه يحرص خلال زيارات اعضاء الحكومة الى المحافظات على الالتقاء بالنواب وتسجيل المقابلات معهم التي تتضمن عادة الاشادة بالحكومة, وتعداد الانجازات ووصف الاجواء الربيعية التي سادت الزيارة حيث يحرص النائب على تقديم الوعود بانه سيتابع طرح المسائل تحت قبة المجلس... هكذا يبدأ الامر وهكذا ينتهي!
والواقع ان شكوى الناس في المحافظات ليست موجهة نحو الحكومة ووزرائها فقط انما تتناول ايضا اداء نوابهم الذين يتهمون عادة باهمال احتياجات قراهم ومناطقهم, ومن المفترض ان تشكل زيارة المسؤولين للمحافظات فرصة لحدوث مواجهة مباشرة بين المواطن والمسؤول من جهة وبين المواطن والنواب من جهة اخرى.
ولان هذه اللقاءات تتم بالعلن, فان الفرصة تضيع على وسائل الاعلام والصحافة وعلى المواطن ايضاً لتسجيل ما يدور في هذه اللقاءات من عرض للمشاكل والمطالب التي يثيرها المواطنون, بالاهمية نفسها, لتسجيل اجوبة الحكومة ووعودها وما تستطيع ان تفعله او ما لا تفعله من الحلول.
يفترض في هذه الزيارات ان يجلس نائب المحافظة في الصف الخلفي وان يسجل ما يدور, ثم يتبنى موقفاً او يُعد سؤالاً لكي يطرحه على الحكومة في اول جلسة نيابية. ومن المفترض ان يتوقف الحكام الاداريون عن إعداد الاستقبالات والسرادق ونصب الميكروفونات وكأن المناسبة احتفالاً وطنياً. فقاعات المجالس البلدية تكفي للقاء المسؤول بالمواطن, ومواقع الانتاج والخدمات هي قاعات ميدانية مفتوحة, وبدل ان يستمع المسؤول الى خطابات وعبارات منمقة فانه يستطيع خلال الدوام الرسمي وفي يوم واحد ان يتجول في العديد من المواقع في المحافظة وان يلتقي مباشرة بعدد كبير من الناس وان يطّلع على الحقائق والوقائع التي لا يمكن له الاطلاع عليها في حفل خطابي واستقبال احتفالي.
نتذكر تلك الجولات السرية التي كان يقوم بها الملك عبدالله الثاني في بداية عهده ولأنها ذات طابع اقتحامي لمواقع العمل الحكومي فان طبيعة المشاكل التي كانت تظهر امام الملك, كانت جوهرية واساسية, والحلول التي وضعت لحلها انذاك ايضا جوهرية بل انها غيرت الكثير من اساليب العمل من مستشفى البشير الى جمرك عمان.
ليس المقصود دعوة الرئيس ووزرائه الى اقتباس اسلوب الجولات السرية, فما اطرحه هو الذهاب الى زيارات علنية يتم فيها الوصول مباشرة الى ميادين اقتصادية واجتماعية وخدماتية وتعليمية لا تتم فيها إلقاء الكلمات ولا صرف الكثير من الوقت على تحيات الاستقبال والوداع. كما ان الناس لم تنتخب النواب ليظهروا فقط في الزيارات الحكومية وانما للدفاع عن حقوقهم في التعليم والصحة والعمل والغذاء تحت قبة المجلس النيابي, وهو دفاع لا يحتاج الى كلمات المديح والثناء على السلطة التنفيذية انما الى قوة وسلطة النائب التشريعية المستمدة من الدستور والى درجة انه لا يحاسب تحت القبة على ما يقوله مهما كان القول جارحاً وقوياً. والمستمدة ايضاً من صناديق الاقتراع التي تجعل منه متحدثاً شرعياً باسم الناخبين في دائرته.0











































