زنار النار:قلق وخوف واستعادة لجنون حرب ذهبت مع الريح

الرابط المختصر

يستفيق أستاذ الجامعة شفيق من عتمة ليلة أمضاها في شقة ناطور العمارة، وفي أحضانه امرأة، لم يكن في حسبانه أن يلمسها ويقبلها ولا يعرف حتى شكلها وذلك لدى هروبه من قصف الحرب واختبائه ذلك الناطور، عندها، يصبح مأسورا بها، يبحث عنها ليلا نهارا بين طلابه، في السرفيس، في العمارة التي يقطن بها.شفيق أستاذ الفلسفة في إحدى الجامعات اللبنانية، يعيش مرحلة الحرب الأهلية في لبنان بكل ما حملته من معاناة وخوف، وما زاد الأحداث سخونة، هو اعتماد مخرج فيلم "زنار النار" بهيج حجيج، على جعل البطل شفيق يقطن في عمارة واقعة على خط التماس الساخن بين الشرقية والغربية في بيروت أبان الحرب الأهلية عام 1985.



"زنار النار" فيلم لبناني مقتبس عن روايتين للكاتب اللبناني رشيد ضعيف؛ الأولى بعنوان "المستبد"، والثانية بعنوان "فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم"، حيث يتواصل الصخب عند معرفة الأستاذ شفيق على ناطور العمارة الخبيث، حيث يبدأ منذ أن قطنَ الأستاذ في العمارة على استغلال شقته؛ كأن يجعل أرملة صديقه تقطن بشقته هي وطفلها، لكنه -أي الناطور- يحاول استغلالها جنسيا، فيلقى الصد منها، وبالتالي تهرب من الشقة، بعد أن تصبح علاقة احترام ومودة مع الأستاذ.



أثناء إعطاء شفيق الدرس للطلبة، والذي كان عن رواية الطاعون للكاتب الفرنسي ألبير كامو، يحُدث في تلك اللحظة انفجارا على مرمى حجر من الجامعة، عندها يهرب الطلبة من قاعة الدرس، ليبقى شفيق وحيدا في القاعة، يلقن المقاعد الحصة، ولتأتيه طفلة تبيع العلكة، تدخل إلى القاعة من أجل بيعه، عندها يُخرج المال من جيبه ويعطيها، كأنها حكم على ما تركته الحرب بين اللبنانيين، من تشرد ودمار لجيل فقد حتى الحلم إضافة إلى التعليم.



في أحد السرافيس، يتعرض شفيق للضرب على وجهه، من قبل امرأة مهووسة جالسة بقربه، تشتبه به، معتقدة أنه السبب في مقتل ولدها، لكنه يبقى صامتا في تلك اللحظة متذكرا مشهد إصابته بشظية عند انفجار قنبلة بالقربة منه قبل سنوات.



أجواء الفيلم مليئة بالصخب ومناظر مليئة بالدمار وجنون الحرب، فزنار النار، مرض أصيبت به إحدى مدرسات الجامعة والتي رفضت السلام باليد على باقي الأساتذة عند دخولها غرفة الاجتماعات، لتبرر عدم سلامها بأنها أصيبت من أحد الأصدقاء بمرض زنار النار ذاك المرض المعدي الذي يسبب الالتهابات الجلدية والحرقة، تتحدث عن معاناتها لشفيق الصامت حينئذ، يستمع لها، ويتذكر اللحظات التي عاشر فيها تلك الطالبة أو المرأة لا يدري حتى نهاية الفيلم من هي.



ملامح الحرب وما تركته على اللبنانيين، من خوف وعدم احتمال بعضهم، سمة الفيلم، لكن فوق ذلك، يبقى شفيق حالما في النهاية بتلك المرأة وكأنه ما يزال ينتظرها.



تراوحت حركات كاميرا الفيلم بين لقطات قريبة أو بعيدة، ففي حين تسلط الضوء على جسد المرأة الحامل التي تقطن في شقة الأستاذ شفيق، وهي تتعرى للحمام، وأيضا تقترب على الطلبة، في حصة شفيق وهم مضطربون من أصوات الانفجارات وصوت القذائف، فإنها تبتعد عن الأستاذ وهو يتمشى في أحد الطرقات، ومن ثم يحتسي القهوة من بائع مستعجل يريد اللاحق بالمتقاتلين لأجل بيعهم القهوة، مع ملاحظة أن صورته بالديجيتال – يبدو كأنها نوع من تقليل تكلفة الإنتاج-.



اعتمد الفيلم على ممثلين لبنانيين معروفين وغير معروفين، ليأتي الفيلم بسيطا في مجمله، لتظهر وكأنها محاولة المخرج حجيج، للتعرض للحرب الأهلية التي دمرت لبنان.



زنار النار والأصل فيه حزام النار الذي لف بيروت من كثرة الحروب والدمار، ويقول بهيج في إحدى مقابلاته "لقد عشت الحرب ببيروت وأحببت أن أعرضها بشكل مختلف وبرؤية جديدة فهناك من يريد محو هذه الفترة من حياتنا، ففي الثمانينيات كانت الفوضى هي المسيطرة على لبنان والحرب كانت مثل الفيروس أو الميكروب ينتشر بسرعة في المدينة، ولم أخض في تفاصيل الأحزاب والسياسة، ولكن ركزت على الإنسان والخلل الذي حدث للعديد من الشخصيات".



الفيلم جاء بدعم من مؤسسة إنتاج فرنسية، وحصل على دعم 120 ألف يورو، ودعم من وزارة الثقافة بلبنان بـ20 ألف دولار فقط، ومع بعض المشاركات تكلف الفيلم 200 ألف دولار وإن كان لم يلحظ أحد من الجمهور ذلك وهو ما يؤكد أن المستقبل كله سيكون للديجيتال وهو موضوع آخر.

أضف تعليقك