زراعة الفقر؟

الرابط المختصر

نشعر بالقلق كلما استمعنا او شاهدنا تفكيراً واجراءات تعتمد في ايجاد الحلول لمشكلة الفقر على توسيع دائرة عمل صندوق المعونة الوطنية, وزيادة مساحة (نهج) المعونات وشاحنات المساعدات والصدقات في عقل المسؤول باعتبارها الطريق الاهم في خفض معاناة الفقراء.

النوايا حسنة, والرغبة لدى الحكومة في مساعدة الناس, لكن طريق المساعدات وصندوق المعونة قد يحل مشكلة فئة من ضحايا مشكلة الفقر, ويقدم عوناً للفقراء لكنه لا يحل مشكلة الفقر, وحين نستمع من المسؤولين عن دخول آلاف الاسر الى ولاية صندوق المعونة، فهذا مؤشر سلبي ومحاكمة حقيقية لمسارات اخرى لم تنجح.
الامر ليس فقط صناعة حالة غير اقتصادية وغير منتجة بل ايضاً يرتبط الامر بقيم نفسية واجتماعية, فليس نجاحاً لاي دولة ان تصنع لدى نسبة من مواطنيها ثقافة تلقي العون والوقوف على ابواب شاحنات المواد التموينية او (ثلاجات) الاضاحي, فالمواطن قد يتلقى دخلاً من (150) ديناراً, لكن الفرق كبير انسانياً ونفسياً وسياسياً ان يتلقاها عبر شاحنات المعونات او صناديق العون الاجتماعي وبين ان يأخذها من عمل ووظيفة حتى لو كان موظفاً غير فاعل او فوق ما تحتاجه مؤسسته, لان الدولة تنفق هذه العشرات من الملايين كمساعدات لكننا ندفع ثمناً نفسياً وقيمياً لها.
وربما علينا ان نسأل وطنيا وسياسياً عن السياسات التي تجعل (رعايا) صندوق المعونة يزيدون, بل وتجعلنا نستمع من مسؤولين عن زيادة اعداد متلقي المعونات وكأن هذ انجاز حكومي، وليس مؤشراً على تعثر سياسات اخرى. وكنا جمعياً نسمع من كل الحكومات ان مسار سياسة العون الاجتماعي والمساعدات كان يجب ان يسير بشكل متواز مع مسار تنموي يوفر فرص عمل, بحيث تقل اعداد المستفيدين من صندوق المعونة مع تقدير امر مهم وهو ان الصندوق سيبقى يعطي من لا يستطيعون العمل او السيدات غير القادرات من ارامل وكبار سن, لكن السنوات الماضية وحتى الان تقول ان المعونات ونهجها تجذرت واصبحت الطريق الاسهل لكنها لن تحل مشكلة الفقر.
والملفت في الدراسة الاخيرة لوزارة التنمية الاجتماعية ان هناك مناطق عديدة وتحديداً في الجنوب وعجلون وجرش... قد ارتفعت فيها نسب الفقر بشكل كبير خلال عدة سنوات, فهل الحل زيادة نسبة هذه المناطق من المعونات وشاحنات المساعدات ام التفكير بحلول حقيقية, لجعل المساعدات حلا الا لنسبة قليلة?
طبعاً نعلم صعوبة الظروف وآثار ارتفاع اسعار النفط في العالم, لكن النفط يرتفع بسرعة منذ عدة أشهر فقط, فماذا عن تأثير السياسات قبل هذا? ربما لو بذلت فئات سياسية واقتصادية جهوداً في التفكير بمسارات استراتيجية بالقدر الذي تبذله لإدارة صراعاتها ومناكفاتها وحروب التيارات الوهمية لكان الامر مختلفاً.
في سياق القضية الاجتماعية الاقتصادية تبرز قضية القطاع الزراعي وبخاصة ما يتعلق بصغار المزارعين الذين كانت الزراعة توفر لهم دخلاً يكفيهم على الاقل مثل تأثير راتب الوظيفة العادية, لكن السنوات الماضية وربما لأكثر من عقد وجهت ضربة قوية لهذا القطاع, وتحديداً زراعة الحبوب ومواد اخرى, وهذا القطاع تعرض لاهمال كبير من كل الحكومات وحتى الاستراتيجية التي جاءت منذ عام 2002 هناك ضعف كبير جداً في تطبيقها, وهذه المشكلة الكبيرة في القطاع الزراعي ادخلت فئات من المزارعين تحت ولاية صندوق المعونة, ومع الارتفاعات الكبيرة في الاسعار ومشتقات النفط تعمقت المشكلة.
هل وصلت عملية انقاذ قطاع الزراعة وتحديداً صغار المزارعين الى حالة اليأس, ام أن هناك امكانية للاستدراك? وايا كانت الاجابة فإن قطاع الزراعة قطاع سياسي اجتماعي قبل ان يكون اقتصادياً, بل ان وزارة الزراعة شهدت سرعة كبيرة في زيادة اعداد الوزراء, فتراكمت المشكلات وستدفع الدولة ملايين الدنانير رواتب من صندوق المعونة وغيره لمن هجروا هذا القطاع.
نحتاج الى مراجعات عميقة وجادة للعديد من المسارات, اما الاستغراق في الاجراءات وردود الافعال والعمل اليومي فقد يحل مشكلة هنا لكنه يفتح الابواب لمشاكل اخرى.

*نقلا عن الغد الاردنية