رومانسية القيح ونشوة الصديد
استغرقني بعض الوقت تصديق جرأة أحد قدامى المحاربين الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية وهو يجيب على سؤال أحد معدي فيلم وثائقي عن هروشيما ونيجازاكي، حيث سأله المعد عمّا إذا كان على بلاده تقديم اعتذار لليابان عن سحقها مرتين بالقنبلة الذرية؟ فقال بكل برود وغطرسة: "بل على اليابانيين أن يعتذروا لنا لأنهم جعلونا نلقي عليهم تلك القنابل"! هذا المحارب يعبر عن حالة من الإسقاط النفسي كما يعرّفها فرويد والأطباء النفسيون، حيث يلجأ الفرد الذي تتسم شخصيته بسمات سلبية معينة إلى استخدام إحدى آليات الدفاع الذاتي؛ فيلقي بكل مثلبة ونقيصة تعتريه على الآخر الذي غالباً ما يكون ضحيته، فهذا المحارب في أعماقه يعلم علم اليقين أنه شريك في جريمة حرب وكارثة إنسانية حولت مسار التاريخ ومجريات الأحداث بثمن باهظ دفعته وما تزال أجيال من أبناء وبنات الشعب الياباني وغيره من شعوب العالم المقهور، وعوضاً عن الاعتراف بالذنب والإقرار بالخطأ، ينقل هذا الشخص تبعية الجريمة التي اشترك فيها على من وقعت عليه ليتخلص من الإحساس بتأنيب الضمير أو الشعور بالوضاعة والوحشية التي تنطوي عليها جريمته.
يحمل الموروث لدينا جملةً من القواعد والأعراف التي هي نتاج وغايتها إنتاج حالات لا متناهية من الإسقاط النفسي الععميق، الفارق بين هذه الحالات من الإسقاط وغيرها مما ينشأ لحظياً نتيجة حدث معين أو تعبيراً عن موقف سياسي محدد؛ هو أن الإسقاط النفسي ذا الخلفية الدينية؛ يطال أثره المجتمع بأسره وينعكس تأثيره على الممارسات الفردية بل وعلى النصوص التشريعية.
كانت المرأة وما انفكت الحاضنة النفسية والفسيولوجية لحالات ذكورية من الإسقاط النفسي البغيض ذي النتاج الديني، فقد روى الشيخان (البخاري ومسلم) حديثاً نصه: "اذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح " هذا الحديث يؤسس ويُشرعِن اغتصاب الزوج لزوجته بضمير مرتاح وتحميلها هي المسؤولية عن اغتصابها، وذلك إذا رفضت معاشرته "دون عذر شرعي مقبول"، والعذر
الشرعي المقبول -كما يلخصه العلماء- يتمثل في قيام الزوجة بفريضة تمنعها من معاشرة زوجها كما هو الحال في صيام رمضان، أما ما عدا رمضان فلا يجوز للزوجة أن تصوم إلا بإذن زوجها وبعد التثبت من أنه ليس له بها حاجة، كما يعد عذراً شرعياً؛ المرض الذي يخشى معه إلحاق الضرر بالزوجة نتيجة الجماع،هاتان الحالتان فقط يمكن للمرأة بموجبهما رفض معاشرة زوجها وهي في مأمن من لعنات الملائكة وسخط الرب الذي هو من سخط الزوج. أما عدم الرغبة والغضب من الزوج لما قد يكون قد أوقعه بزوجته من إهانات وربما ضرب قبل طلب الجماع ولأي سبب تافهاً كان أم معتبر، أو الرغبة فيالنوممبكراً أو الامتناع لمجردالامتناع.... فجميعها مبررات "واهية" وغير مقبولة شرعاً يحق للزوج معها اغتصاب زوجته بقوة العضلات بل وربما تحت تهديد السلاح، فالاغتصاب مقصود لذاته بغض النظر عن أدواته، مبلغ المرام أن يقضي الرجل وطره من زوجته ولو غصباً لتبيت هي ليلتها مُشيَّعةً بلعنات الملائكة ومستقبلةً يومها الجديد بلعنات وربما ركلات زوجها المغتصب المؤيد بجنود لم ولن تروها.
المحزن وليس المفاجئ؛ في هذا المعترك؛ أنه لا يوجد نص واحد -ولو ضعيف- يقول بأن الرجل الذي يمتنع عن معاشرة زوجته دون عذر يبيت ملعوناً من ملائكة السماء! وهذا كما قلنا ليس مفاجئاً، إذ لو وجد مثل هذا النص لتعارض مع صريح سورة النساء التي تعطي الرجل بل تأمره بهجران الزوجة تأديباً لها ثم ضربها إن لم يجدي معها الهجران ومن قبله الوعظ نفعا!
اللافت للنظر في هذا الحديث؛ أنه جعل غضب الله على الزوجة وتسخيره للملائكة لتلعنها حتى تصبح معلقاً بغضب الزوج عليها وليس بمجرد امتناعها عن معاشرته، أي أنها لو امتنعت وتمنّعت عن زوجها ولم يغضب منها، فإنها سوف تبيت ليلتها في حلٍ من لعناات ملائكة السماء، بعبارة أخرى ومن الناحية الأصولية والتحليلية، فإن غضب الرب من غضب الزوج.
إن سلطة الزوج الجنسية تتسم بطابع ألاهي، إذ أن نوافل الصيام والصلاة التي يُراد بها التعبد والتقرب إلى الله يتقدم عليها حاجة الزوج الجنسية، فلا يجوز للزوجة التقرب إلى الله بالنوافل من العبادات إلا بإذن زوجها والتأكد من سكون غريزته وتشبعه قبل أن تمضي أمَتُه وأمَة الله إلى ربها تناجيه.
ثمة حديث آخر رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني، نصه: "عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجهامن عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه" هذا النص أيضاً يؤكد السلطة الإلاهية التي يمنحها الموروث للزوج علىزوجته، إذ كادت المرأة أن تؤمَر بأن تخر ساجدةً بين يديه، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، إذ أن عبوديتها لسيدها ومولاها" تقتضي منها أن تلحس القيح والصديد المنبجس من جرحه الطولي المتقيّح.
بغض النظر عمّا قد تثيره هذه الصورة من إشمئزاز، يظل السؤال قائماً؛ لماذا هذا الإمعان في إذلال المرأة وتحقيرها وابتذال آدميتها بمثل هذه النصوص؟ لماذا هذا الإسقاط النفسي المخيف الذي يكرس لممارسة لا يخطئ رادار الفطرة الإنسانية شذوذها وعدم سويّتها؟ هل يقلب عقد الزواج أبشع الجرائم وأكثرها مرارةً على النفس -الاغتصاب- لعمل مشروع بل ومأجور فاعله وملعون من وقع عليه!
هذه نصوص ينبغي على الأمة التطهر منها ومن كل ما بنيَ عليها من أحكام وما أفرزته من ممارسات لا إنسانية، دون حاجة لإضاعة الوقت في المجادلة في السند (سلسلة الرواة) أو تأويل المتن (نص الحديث) ومحاولة ليّ ذراع المضامين والمقاصد التي تنطق بمرادها عباراتها الواضحة في مبانيها القاطعة في معانيها.
أيتها الزوجة المغتصبة، لا تلومينَ إلا نفسك، وعليكِ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لأنك دفعتي زوجك لاغتصابك فأجهدتيه جسدياً ومنعتيه من التلذذ عاطفيا، إلا إذا كان زوجك سادياً فطوبى لكما بنشوة الصديد ورومانسية القيح.