راديو لكل مدرسة

راديو لكل مدرسة
الرابط المختصر

 

(مديري الفاضل، معلمي الأكارم، زملائي الطلبة .. أحيّيكم بتحية الإسلام .. ونبدأ إذاعتنا بآيات من الذكر الحكيم يتلوها على مسامعكم الطالب ... )

 

منذ أن كنت في الصف الرابع الأساسي وأنا أستمع للعبارات السابقة كل صباح حتى أنني كنت أحفظها وأرددها كلما طلبني مشرف الإذاعة المدرسية "على الهواء" صباح كل يوم لعدم وجود مقدم.

 

روتين الفقرات والوقت كان يقتل في داخلنا الإبداع والتطوّر. وينمي فينا الرقابة الذاتية ورسم الخطوط الحمراء بكل الإتجاهات، لم أدرك ذلك إلاّ في المرحلة الثانوية حين كنت أجلس مع أصدقائي ونتذكر المواقف التي كان يتدخل فيها مدير المدرسة والمدرس لمنعنا من إكمال كلماتنا الإذاعية أو إختصار الكلمات على المعلمين وآيات القرآن خاصة في الإحتفالات والمناسبات.

 

في حينها نمت لديّ فكرة سامة مفادها أنهم لا يدعونا نتحدث بعفويتنا وكما خططنا لأيام في الحفل أمام المسؤول لأنهم ينظرون لنا بدونية أو أننا بهائم لا نفهم.

 

وتسلل الإحباط، إذ لا فائدة من "الجعجعة وراء المايك" إذا علمت أن عدد من يستمع لي من زملائي لا يتجاوز عدد أصابعي وأن المدرسين منشغلين بحساب راتبهم وكم بقي منه أو النميمة على المدير وزملائهم، أو بملاحقة المتأخرين على الطابور ببرابيش بلاستيك.

 

اليوم وقد جلست خلف "مايك" الإذاعة  كان لابد من إعداد حلقة إذاعية للأطفال حول الإذاعة المدرسية ومجلة الحائط وكان توقعي في مكانه، حيث لاتزال الإذاعة المدرسية بنفس الشكل والمضمون والوقت الذي عاصرته، و ما زلنا نسمع في وسائل الإعلام وجلسات البرلمان والمؤتمرات التعليمية عن العلاقة بين الإعلام والتعليم بينما يذهب العمل الحقيقي والخطوات العملية "حزمة من الإجراءات" على الورق.

 

المتغيرات المتسارعة التي أحدثتها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية فرضت واقعاً جديداً على العملية التربوية أصبح يهدد محورية المدرسة ويضع قدراتها على إنجاز مهماتها وتحقيق أهدافها أمام تحديات متعددة .

 

وتتجلى أهمية هذه التطورات بصورة أكثر وضوحاً إذا أدركنا جاذبية وسائل الاتصال والوسائط الرقمية التي أفرزتها هذه الثورات وإمكانياتها التأثيرية بما تتضمنه من عناصر التشويق والإثارة والخدمات التفاعلية المتنوعة وتدفق المعلومات في عصر الفضاء المفتوح إذا ما ادركنا أن طالبا في الصفوف المتوسطة أو الثانوية يستطيع استعمال "الفيسبوك وتويتر وغيرها" وربما لديه مدوّنة الكترونية، وفي حال ذهابه إلى مختبر الحاسوب في المدرسة يكون درسه حول كيفية تشغيل Windows وهو أمر غير مقبول في عصر العولمة و تحوّل وسائل الإعلام وتطورها .

 

وفي هذا السياق فإن الإذاعة المدرسية وسيلة إعلامية جد هامة، ووسيلة تعليمية لا تقل أهمية عن غرفة المصادر أو قاعة الحاسوب وخرائط دروس الجغرافيا.

 

ظلت الإذاعة المدرسية محكومة بـ "نظام الإذاعة المدرسية الصادر بمقتضى المادة 17 من قانون التربية والتعليم رقم 16 لسنة 1964" والذي حفظ في الأدراج منذ كتابته حتى تعديله ليصبح بمسمى "قانون الإذاعة المدرسية والتلفزيون التربوي رقم 41 لسنة 1989".

 

وإن حفظه وعدم تفعيله يسوق إلى ظلم للطالب أولا وللمدرسين والنظام التعليمي ككل، فالطالب يقضي وقتا لا بأس به صباح كل يوم في الإستماع لفقرات يقدمها نفس الطلبة طوال العام بفقرات منسوخة ومحدوده عدى انتهاء وقت الفسحة بسماع الأغاني التي تشجع على العنف والقتال في جزء منها. وظالمة للمدرسين ثانياً، لعدم إتاحة الفرص لهم للمشاركة في تصحيح أعمال الطلبة وتنظيمها أو التنافس فيما بينهم لإخراج مجموعات من الطلبة المبدعين. حيث يشرف على الإذاعة المدرسية مدرّس واحد فقط .

 

وظالمة للنظام التعليمي لأن الإذاعة المدرسية للأسف لا تلتزم بما تنص عليه "المادة 6 من نظام الإذاعة المدرسية والتلفزيون التربوي ".

 

هل ساهمت الفقرات الروتينية الثابتة للإذاعة المدرسية على مرّ السنوات بخلق حس مسرحي لدى الطلبة وهل أصبحوا قادرين على أداء مشهد تمثلي مصوّر أو إذاعي، آخذين بالإعتبار أهمية الدراما الإذاعية وتأثيرها الإيجابي.

 

والأهم من هذا، كم طالبا قبض المكافاة المالية المشار إليها في كل من المادة الرابعة من نظام الإذاعة المدرسية والمادة الخامسة من نظام الإذاعة المدرسية والتلفزيون التربوي ؟

 

وكم مدرسة يقوم الطلبة فيها بالتعاون مع معلميهم بتغيير لوحة الحائط بشكل أسبوعي على الأقل ؟ - إذا ما تغافلنا عمدا عن منع مجالس الطلبة في بعض المدارس من إصدار مطويات وتوزيعها على طلبة المدراس .

 

وكم مادة إذاعية قام بإعدادها طلبة مدراسنا المحترمة وإنتاجها وإلقائها بحب وعطاء وإخلاص وقامت الإذاعة الأردنية بأخذها وبثها عبر الأثير - حسب مواد النظام ؟

 

التربية الإعلامية تصبح أكثر تأثيراً عندما تتكامل أدوار الأباء والمعلمين والمختصين في الإعلام وصناع القرار، لخلق وعي نقدي أكبر بين الأفراد.

 

إن الدور الذي تصدّرته وسائل الإعلام يحتم على جميع المعنيين بالشأن التربوي الوقوف الجاد أمام التحديات الجديدة والخروج من مرحلة التخوفات العاطفية والمواقف المشدودة ونمطية التفكير، والخروج من الصندوق إلى مرحلة صناعة الفعل النقدي والإعلامي الواعي من خلال المدرسة وطابور الصباح والإذاعة المدرسية أولا.

 

الوزير الفاضل، المعلمين الأكارم، الزملاء الطلبة، كل عام وأنتم بخير.

 

أضف تعليقك