دراسة رسمية تتغنى بـ (التخاصية)

الرابط المختصر

كشفت دراسة رسمية ان عمليات اعادة الهيكلة والخصخصة خلال الاعوام 1994-2008 كان لها اثر  ايجابي على مجمل النشاط الاقتصادي في المملكة.
واظهرت الدراسة التي اعدها فريق تقييم اجنبي بطلب من الهيئة التنفيذية للتخاصية ان الاثار الايجابية لامست جميع الاطراف المعنية (المستهلكين والعمال والموظفين والمؤسسات والمالكين والمشغلين والمنافسين) اضافة الى اثرها الايجابي غير المباشر على مجمل النشاط الاقتصادي من خلال الاستثمارات والتوظيف وزيادة التنافسية, فضلا عن رسملة سوق الاسهم.
وبحسب الدراسة فقد اجتذب برنامج اعادة الهيكلة والتخاصية الشامل الذي نفذه الاردن خلال خمسة عشر عاما الكثير من الاهتمام, ليس داخل الاردن وحسب بل في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وما وراءها ايضا, حيث لم يكن القطاع العام في الاردن مهيمنا بصورة واضحة, الا ان مؤسساته المملوكة من قبل الدولة كانت تشغل جميع قطاعات البنية التحتية (الاتصالات, والكهرباء, والمياه, والصرف الصحي, اضافة الى قطاع النقل والقطاعات المتفرعة عنه وهي شركات الطيران والنقل البري وسكك الحديد والموانئ).
والى جانب ذلك فقد احتفظت الحكومة الاردنية بحصص اغلبية او اقلية في جميع قطاعات الاقتصاد الاخرى العاملة في مجالات عدا البنية التحتية, والتي توزعت بين التعدين والسياحة والعقارات والتصنيع والاعلام والخدمات المصرفية, وذلك من خلال مؤسسة عامة تملكها الدولة والتي كانت تعرف سابقا بالمؤسسة الاردنية للاستثمار, وتعرف الان باسم مديرية المساهمات الحكومية في وزارة المالية.
الاثار المباشرة للتخاصية
شهد المستهلكون سواء السكان منهم او التجار على حد سواء مكاسب صافية كبيرة جراء عمليات التخاصية, خاصة فيما يتعلق بالاتصالات الخلوية والاتصالات عريضة النطاق وانخفاض رسوم الاتصالات الثابتة والخلوية, وتحسن مستوى خدماتها, كما استفادوا من زيادة الكفاءة التشغيلية وتطبيق افضل المعايير الدولية من الخطوط الجوية الملكية الاردنية وشركات الخدمات المساندة المنبثقة عنها سابقا والتي تمت اعادة هيكلتها وخصخصتها مؤخرا. وكذلك استفادوا من التحسينات في الاداء التشغيلي التي ادخلها المشغل الخاص وصاحب امتياز ميناء الحاويات في العقبة, وزيادة عدد التوصيلات ومتوسط كمية المياه التي يتم توزيعها يوميا, وتحسين جودة الخدمات المقدمة من المشغل الخاص الذي كان يعمل بموجب عقد ادارة مياه عمان الكبرى بين الاعوام (1999-2006) الا ان هناك حالة واحدة تكبد فيها المستهلكون خسائر صافية متواضعة بين الاعوام (1999-2006) (قبل تدخل مديرية المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة عام 2004) وهي الحالة الخاصة بسوق الاسمنت الناتجة عن ارتفاع الاسعار, الا انه بالمقابل تحققت بعض المكاسب المتواضعة والتي تمثلت في زيادة عرض مادة الاسمنت بعد خصخصة الشركة. ومن المتوقع ان تؤدي المنافسة الناتجة عند دخول منتجين جدد في مجال انتاج الاسمنت الى تحقيق المزيد من المكاسب للمستهلكين في المستقبل.
شهد العمال والموظفون ايضا مكاسب كبيرة في جميع القطاعات تقريبا, فقد تمثلت استراتيجية الحكومة الاردنية في تجنب التسريح القسري للعمالة, والزمت المالكين والمشغلين الجدد عوضا عن ذلك بتنفيذ برامج التقاعد الاختياري, وقد اختار حوالي 2000 عامل وموظف في مؤسسات البنية التحتية واكثر من 4000 عامل في مؤسسات اخرى التقاعد المبكر مع حصولهم على تعويضات سخية ولكن بنسب متفاوتة.
ومع ذلك, فقد بدأ اجمالي التوظيف في قطاعات البنية التحتية بالعودة الى مستوياته قبل الخصخصة, الا انه تم تخفيض حجم العمالة في ثلاث شركات تعمل في قطاع التعدين وهي قطاعات لا تتعلق بالبنية التحتية بنسبة كبيرة بلغت الثلث واستفاد العمال والموظفون الذين تم الاحتفاظ بهم في قطاعات الاتصالات والنقل الجوي ووحدات الاعمال غير المتصلة بالنشاط الرئيسي للخطوط الجوية الملكية الاردنية وشركتي الاسمنت والبوتاس من زيادات الاجور والرواتب. كما حصل بعضهم ايضا على حصص في رأسمال الشركات التي يعملون بها لدى تنفيذ عمليات الخصخصة وكذلك فقد حظي جميع العمال الذين تم الاحتفاظ بهم تقريبا على تدريب افضل وتحسين ظروف عملهم ووسائل السلامة العامة في مواقع العمل, خاصة في شركتي الاسمنت والبوتاس اللتين نجحتا في الحد من وقوع الحوادث الخطيرة في اماكن العمل, وفي الوقت ذاته تم ايجاد فرص عمل كثيرة بصورة مباشرة وغير مباشرة في قطاعي الاتصالات والنقل اللذين تم تحرير سوقهما.
وتحسن الاداء المالي والتشغيلي للمؤسسات مع تحقيق مكاسب كبيرة في كل من الملكية الاردنية ووحدات الاعمال غير المتعلقة بنشاطها الرئيسي, وسلطة مياه محافظة العاصمة من بين مؤسسات البنية التحتية, اضافة الى شركتي الاسمنت والبوتاس في قطاعات عدا البنية التحتية, وقد حازت شركة الاسمنت على اكبر المكاسب بعد ان تولى المستثمر الخاص ادارتها بصورة كاملة عام 2002 على الرغم من تدخلات وزارة الصناعة والتجارة لحماية المستهلكين, والتي ادت الى الحد من القوة الاحتكارية للشركة في السوق. الا ان مجموعة الاتصالات الاردنية وشركة مناجم الفوسفات لم تشهد سوى مكاسب متواضعة مقارنة مع المؤسسات الاخرى التي نمت خصخصتها. وفي الوقت الذي تأثر فيه الاداء المالي لمجموعة الاتصالات الاردنية والملكية الاردنية جراء المنافسة التي انتفع منها المستهلكون, عانت شركة مناجم الفوسفات من مجموعة مختلفة من القيود حيث انها لا تعمل في سوق نامية, وعلاوة على ذلك فان الشركة تواجه منافسة حادة من دولة اخرى منتجة للفوسفات مثل المغرب. وتمكنت شركة الفوسفات. والتي واجهت سنوات طويلة من الصعوبات المالية, من تحقيق ارباح بعد ان تمت خصخصتها عام 2006 اي بعد ثلاث سنوات من خصخصة شركة البوتاس وثماني سنوات من خصخصة شركة الاسمنت.
حصل المالكون والمشغلون على مكاسب متواضعة وذلك نتيجة لانخفاض مضاعفات الربحية الى القيمة السوقية للاسهم وارتفاع العوائد على حقوق الملكية.
وقد اتجهت مضاعفات الربحية التي كانت جيدة في البداية نحو الانخفاض وباتجاه معاكس لارتفاع العوائد على حقوق المساهمين والتي جاءت, على الارجح نتيجة لحالة عدم التيقن السائدة في السوق بشكل عام, وشهد المالكون والمشغلون الجدد الذين تم منحهم عقود خدمات تجارية او فنية او ادارية مربحة مقابل مهاراتهم الفنية وخبراتهم الادارية وعلاقاتهم في الاسواق الدولية مكاسب صافية كبيرة, وفي سلطة مياه محافظة العاصمة تم تعيين المشغل الخاص مقابل اتعاب ادارية سنوية ثابتة مرفقة بعلاوات حوافز الاداء خلال فترة عقد الادارة بين الاعوام 1999 - 2006 الا ان التحسينات التي تم تحقيقها لمصلحة قطاع المياه التي انتفع منها المستهلكون اكبر بكثير من علاوات حوافز الاداء واتعاب الادارة التي دفعت للمشغل الخاص.
الاثر المالي على خزينة الحكومة
ووجدت الدراسة ان الاثر المالي على خزينة الحكومة ايجابياً وكبيراً من خلال: عوائد التخاصية التي تم تحقيقها لمرة واحدة فقط, والمساهمات المالية المتكررة من المؤسسات التي تمت خصخصتها الى الخزينة.
وفيما يتعلق بعوائد التخاصية التي تم تحقيقها مرة واحدة فقط وذهبت الى الخزينة, فقد حقق برنامج التخاصية من خلال العطاءات التنافسية الدولية حتى الان ما مجموعه 1.73 مليار دينار (82 بالمئة) منها ناتج عن خصخصة مؤسسات البنية التحتية وحدها.
واما العوائد التي تم تحقيقها من خصخصة شركة الاتصالات القائمة المملوكة من قبل الدولة فقد بلغت نصف ذلك المبلغ. وكما كان مقرراً في البداية, فقد خصصت الحكومة الاردنية 82 بالمئة من اجمالي العوائد لسداد اصل الدين العام حيث انخفضت نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي من 100 بالمئة عام 2000 الى 89 بالمئة عام 2004, لتصل الى 60 بالمئة عام 2007 الامر الذي اسهم بدوره في تحقيق استقرار اقتصادي.
اما بخصوص المساهمات المالية المتكررة الى الخزينة فقد كانت كبيرة ايضاً, حيث بلغت 325 مليون دينار عام 2008 - 98 بالمئة منها جاءت من مساهمات اربع شركات فقط, هي مجموعة الاتصالات الاردنية وشركة البوتاس العربية ومصانع الاسمنت الاردنية وشركة مناجم الفوسفات الاردنية, وترفد مجموعة الاتصالات الاردنية الخزينة باعلى الايرادات (الضرائب ونسبة من الايرادات وارباح الاسهم باستثناء الرسوم), والتي تزايدت لتصل اكثر من الضعف من عام 2000 حتى عام ,2008 وقد زادت مساهمات شركة البوتاس العربية (الضرائب ورسوم الامتياز وارباح الاسهم) بثلاثة اضعاف من العام 2007 حتى العام 2008 . وكان هذا نتيجة لزيادة رسوم الامتياز من 8 دنانير الى 125 دينارا اردنيا للطن الواحد, مما زاد بصورة كبيرة من الايرادات المالية للحكومة الى الحد الاعلى البالغ 25 بالمئة من الدخل الصافي للشركة, الامر الذي يعكس ارتفاع اسعار البوتاس عالمياً, وهذا بدوره يحد من القدرة التنافسية للشركة. وزادت المساهمات الكبيرة لمصانع الاسمنت الاردنية بصورة منتظمة على مر السنين. وفي المقابل قدمت شركة مناجم الفوسفات الاردنية اقل المساهمات للخزينة من بين الشركات الاربع, حيث لم تبدأ بدفع الضرائب الا في عام 2004 اي قبل عامين من التخاصية, ولم تبدأ بدفع ارباح الاسهم الا بعد التخاصية عام 2006 ولم يكن من الممكن زيادة رسوم التعدين التي تدفعها الشركة الى نفس مستويات البوتاس بسبب انخفاض الحد الاعلى الذي تم فرضه في اتفاقية المساهمين الموقعة مع المستثمر المالي بما يحول من استفادة الخزينة من ارتفاع سعر الفوسفات العالمي.
وفيما يتعلق بالمنافسين, فمن المتوقع ان يستفيدوا اذا تم تنفيذ عمليات التخاصية على نحو جيد مع اجراء اصلاحات قانونية وتنظيمية ومؤسسية.
ولغاية الان يعتبر قطاع الاتصالات الوحيد في الاردن الذي ادت فيه عمليات الخصخصة وتحرير السوق الى تحقيق مكاسب صافية وكبيرة للمنافسين.
وبالمثل فقد ادى فصل انشطة قطاع الكهرباء الى خلق منافسة استفاد منها لاعبون اخرون في السوق, مثل المنتجين المستقلين للطاقة في مجال توليد الكهرباء. الا ان مشاركة القطاع الخاص بدأت مع شركة توليد الكهرباء المركزية عام 2007 وسيتسع نطاقها مع دخول منتجين مستقلين جدد لقطاع الطاقة. ومن جهة اخرى فان قطاع الاسمنت لم يحقق الفائدة المرجوة للمنافسين حتى عام 2006 الا انه يتوقع ان يستفيد المستثمرون والمشغلون الجدد الذين بدأوا بالدخول الى السوق من المنافسة الوشيكة التي جاءت نتيجة لتدخلات مديرية المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة منذ عام .2004
الاثر غير المباشر على مجمل الاقتصاد
استثمرت مؤسسات البنية التحتية وغيرها التي تمت اعادة هيكلتها وخصخصتها ما مجموعه 1.6 مليار دينار اردني بين الاعوام 2000 - 2007 وقد تم تحقيق جميع المكاسب تقريباً من مؤسسات البنية التحتية وحدها, وتحديداً من شركة الاتصالات التي تمت خصخصتها اضافة الى ملاك ومشغلي خدمات الانترنت والهواتف المحمولة الجدد الذين دخلوا الى قطاع الاتصالات. ويعادل مجموع الاستثمارات (الاجنبية والمحلية) 25 بالمئة من الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي تلقاها الاردن خلال نفس الفترة والبالغة قيمتها 6.3 مليار دينار - تم استثمار نصفها فقط خلال العامين الماضيين في قطاع العقارات بصورة رئيسية. وقد وفرت استثمارات مؤسسات البنية التحتية وغيرها حتى الان 25 الف فرصة عمل غير مباشرة في قطاع الاتصالات وحده, في حين استعاد مجموع القوى العاملة في جميع مؤسسات البنية التحتية مستوياته السابقة البالغة 16.000 عاملاً بحلول عام .2007 ونتيجة لذلك زادت مساهمة قطاع الاتصالات وكذلك قطاع النقل في الناتج المحلي الاجمالي, ويعود تحسن مكانة الاردن في تصنيفات القدرة التنافسية بصورة جزئية الى عمليات التخاصية وتحرير السوق معاً.
التخاصية ودروس مستفادة
هناك مجالات كان يمكن فيها ان يكون اداء كل من الحكومة الاردنية ووزارة المالية والهيئة التنفيذية للتخاصية (بصورة منفردة او مجتمعة) افضل, منها: عدم وجود سياسة شمولية لقطاع البنية التحتية لتحقيق الترابط بين مؤسسات البنية التحتية وغير التحتية قبل الشروع بأية عملية. اضافة الى التأخر في وضع اطار للمنافسة والحوكمة خاصة في ضوء عدم وجود منافسة اثناء خصخصة شركة الاسمنت عام 1998 , وعدم القيام بمراقبة فترة ما بعد التخاصية لمتابعة اثر واداء المؤسسات التي تمت خصخصتها.
وعدم وجود مراقبة مالية لقياس حجم التكاليف المالية (الدعم المباشر وغير المباشر) والمساهمات المالية من المؤسسات التي تمت اعادة هيكلتها وخصخصتها او التي لم تتم خصخصتها بعد, وعدم كفاية برنامج التثقيف والاعلام من اجل التواصل مع الجمهور على النحو الصحيح لضمان الشفافية وايصال النتائج بصورة منتظمة وتحليلية.
ولا تزال هناك اعمال غير منجزة في مجال تحسين الحوكمة في المؤسسات التجارية ذات الملكية المختلطة, حيث تملك مديرية المساهمات الحكومية حصصاً في 28 شركة مدرجة وغير مدرجة بلغ مجموع قيمها السوقية 1.39 مليار دينار اردني في نهاية عام 2008, منها 17 شركة تحقق خسائر وغير قادرة على توزيع ارباح اسهم للحكومة الاردنية.