دافوس يودع البحر الميت
لم يملك احد من الحضور المتواضع الذي فرض نفسه على ثاني ايام دافوس في البحر الميت فرصة التكهن عما اذا كان الاردن سيودع الملتقى الاقتصادي العالمي نهائيا هذا العام, ولتكون جلساته التي ستنتهي ظهر اليوم الاحد اخر ما سيخطه تاريخ المنتدى الاقتصادي في الاردن.
فمنذ افتتاح اعمال المؤتمر يوم امس الاول وحتى اليوم فان المسلمة شبه الوحيدة التي تفرض نفسها على المشاركين في اعماله او المراقبين له, هي ان هذه الدورة هي الاخيرة التي سيحتضنها الاردن, وستتجه بوصلة دافوس الى المغرب العربي ثم الى قطر وبالتناوب بين البلدين العربيين, فيما لا تزال التكهنات حول مكانة شرم الشيخ على جدول اعماله غير واضحة المعالم.
ومنذ يوم امس ومسيرة التفاعل في دافوس البحر الميت على غير عادتها في الدورات السابقة عندما كان المؤتمر يشتعل حماسا, وحركة, وحضورا ضاغطا, وهو عكس ما ظهر في كواليس المنتدى طيلة يوم امس, وعلى عكس ما يمكن ان يسجله مراقب لاعمال المنتدى, وربما لتاريخ انعقاده في الاردن منذ عام 2003 وحتى الان.
فهل تعرض دافوس البحر الميت الى ما يشبه الانتكاسة في دورته التي ريما تكون الوداعية في الاردن? أم ان دافوس نفسه لم يجد في دورته الحالية ما يحثه على بذل المزيد من الحماسة لتسجيل حرارة في المناقشة, وضغط في الحضور, وتمسك بالنجاح حتى اخر لحظة?.
تلك اسئلة تحتاج بالفعل الى اجابات شافية, لكن لا احد يستطيع الخروج من عباءة التكهن, فالمعلومات الشحيحة حول مصير دافوس هي التي فتحت الباب مشرعا على التكهنات, ودفعت الى اكثر من ذلك حين انبرى البعض من المهتمين لوضع سيناريوهات تستهدف تفسير النهايات المقبلة والمرجحة لدافوس بعيدا عن الالتزام باجندة التناوب في استضافته بين البحر الميت سنة, وشرم الشيخ سنة اخرى.
ولعل اول ما يمكن تسجيله على اجندة المؤتمر في دورته الحالية ¯¯ وربما الوداعية ¯¯, حجم جلساته المغلقة وهو ما لم يكن متوقعا قياسا بالدورات الانعقادية السابقة التي كانت فيها الجلسات المغلقة تعد على أصابع اليد الواحدة.
وحسب الجدول الرسمي لفعاليات دافوس فقد عقدت على مدى ايامه الثلاثة التي ستنتهي ظهر اليوم 46 جلسة, خصص منها 17 جلسة فقط لمشاركة العمومجلسات مفتوحة, بما فيها جلسات خطاب الافتتاح, والجلسة الرئيسية في اليوم الاول, وجلسة الاختتام, وجلسة البيان, مما سيقلل عدد الجلسات المفتوحة اذا ما تم طرح تلك الجلسات من مجموع المفتوحة منها.
ومن بين ال¯ 46 جلسة فان 29 منها اعتبرها المنتدى مغلقة تماما, ولم يسمح للصحافيين بحضورها او حتى تغطيتها, ولم ينشر شيء عنها, الى جانب تركيزه بالدرجة الاولى على مناقشة تداعيات الازمة المالية العالمية على الشرق الاوسط, ودول العالم النامي, مما دفع بتراجع الجانب السياسي الى صالح الجانب الاقتصادي والمالي.
لكن هذا لا يعني ان السياسي فقد بريقه وحضوره تماما على جدول اعمال المنتدى, إذ يكفي التوقف مطولا امام خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني بافتتاح اعمال المنتدى بعد ظهر يوم امس الاول للتاكد من ان الاقتصادي لا يمكنه الحصول على الامان والابداع بعيدا عن السياسي, وهو ما اكد عليه جلالة الملك في خطابه المهم الذي اكد فيه ضرورة الزام اسرائيل بقبول السلام العربي الاسلامي حين اشار جلالته ان المبادرة العربية للسلام لن تفتح امام اسرائيل ابواب السلام مع الدول العربية فقط, انما مع الدول العربية والاسلامية مجتمعة, وهي لغة تفتح الباب للتكهن عما اذا كانت تلك المبادرة العربية التي لا تزال اسرائيل ترفضها, وتتشنج تماما في مناقشتها او قبول الحوار حولها, سيتم تطويرها لتصبح مبادرة اسلامية بدلا من كونها مبادرة عربية فقط.
إن ما أظهرته تفاصيل النشاطات التي نظمها الملتقى الاقتصادي العالمي في البحر الميت أقنعت الكثير من الحضور والمراقبين بان دورة دافوس الحالية قد تكون الاخيرة في المملكة الاردنية الهاشمية, ولعل من اهم ما عزز تلك الاستنتاجات لدى اصحابها هو حجم الاقبال على اعمال المنتدى والذي تقلص بشكل واضح اذا ما تمت المقارنة بين كثافة الحضور في اليوم الاول, وكثافتها في اليوم الثاني امس, ثم كثافة الحضور في الدورات السابقة ومقارنتها بعدد الحضور في الدورة الحالية.
وسيبقى مصير دافوس البحر الميت خاضعا لموازين التكهنات, ومدى قوتها في الاقناع, وسيبقى دافوس 2009 غيره دافوس ,2007 او ,2005 مما يوضح ان المنحنى البياني لهذا المنتدى الدولي المهم آخذ في الإنخفاض التدريجي, وقد يكون هذا الامر هو أحد العوامل الاكثر ضغطا على المراقبين الذين توقعوا ان لا يعود دافوس الى البحر الميت في عام 2011 .
وسييقى هذا الامر مجرد توقعات وسيناريوهات لمصير يرسمه البعض قياسا بمعطيات تفرض نفسها عليهم, وفي ظل غياب ما يؤكد او ينفي تلك التوقعات والسيناريوهات, فان الحقيقة تبقى تراوح مكانها بين من يرغب بالفعل تصديق ان عام 2009 هو العام الذي سيودع فيه البحر الميت جاه الذي رافقه في دورات ماضية لم تخل من الصخب والحركة والنشاط, وبين من لا يرغب بالتوقف مطولا امام سيناريوهات, وتوقعات لا تستند الى حقائق مطلقة, وبالتالي فانها لا ترغب بالتوقف لقراءة ما إذا كان دافوس سيعود الى البحر الميت عام 2011 أم لا, إلا انها تتعامل مع ما هو قائم حاليا, وهو ان دافوس لا يزال حريصا على العودة الى البحر الميت, ولا يوجد في الافق ما ينفي ذلك او يشكك فيه.











































