خلاف الإسلاميين...زمن غير مناسب للصيادين

خلاف الإسلاميين...زمن غير مناسب للصيادين
الرابط المختصر

من حسن حظ الحركة الإسلامية أن حسم الخلاف الداخلي فيها جاء في مرحلة تتسم بالهدوء في علاقتها –أي الحركة- مع الحكومة والأجهزة الأمنية، وهو ما جعل خبر استقالة أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد ومعه كل قيادة الحزب، يمر بصورة عادية في الصحافة المحلية اليومية، ولنا أن نتصور الحالة لو كان توقيت هذا الخبر قبل سنتين.

مع هذا فإن خبر الاستقالة وجد لنفسه مكاناً على الصفحات الأولى للصحف، مع اختلاف زاوية النظر بين صحيفة وأخرى بصورة فيها بعض المفارقات، وتعالوا بنا نتابع:

يمكن ملاحظة أن صحيفتي "الغد" و"العرب اليوم" اللتان لم تشاركا في الحملة ضد الإسلاميين قبل سنتين كانتا الأكثر اهتماماً بتغطية أخبار الخلاف الداخلي وصولاً إلى حسم هذا الخلاف مؤخراً، فالأولى أي "الغد" وإن لم تضع خبر الاستقالة على الصفحة الأولى لأسباب يبدو أنها فنية وعملية، لكنها أفردت له الجزء الأكبر من الصفحة الثانية، حيث نشرت عنواناً لافتاً يقول: "شورى الاخوان ينزع فتيل أزمة المكتب التنفيذي للعمل الإسلامي بإقالته" وفي تفاصيل الخبر أوردت الصحيفة تصريحات لبني ارشيد ثم أوردت تقريراً عن شخصية أمين عام الحزب الجديد اسحق الفرحان ووصفته في عنوان التقرير بأنه "قيادي توفيقي يرث حقبة متفجرة من الأزمات بين الصقور والحمائم"، أما "العرب اليوم" فقد نشرت الخبر وعلى أربع أعمدة في منتصف الصفحة الأولى بعنوان: "الفرحان يخلف بني ارشيد في جبهة العمل الإسلامي"، وفي الداخل بعض التفاصيل والأخبار المنسوبة إلى "مصادر داخل الحزب". وقد جاء الخبر في "العرب اليوم" استكمالاً لمتابعات سابقة كانت فيها الصحيفة ميداناً لحوار أطراف الخلاف في الحركة.

في صحيفة "الدستور" سوف نلمس قدراً من التحيز لصالح أحد طرفي الخلاف، فعلى الصفحة الأولى اتخذ الخبر العنوان التالي: "إجماع على ترشيح الفرحان لخلافة بني ارشيد" ولكن العناوين الداخلية كانت أكثر وضوحاً في تحيزها، فقد أبرزت الصحيفة تصريحاً للقيادي الإسلامي ارحيل الغرايبة المصنف إعلاميا على أنه يتزعم جناح الحمائم جاء فيه: "استقالة بني ارشيد تعيد الوحدة وتنهي حالة الاختلاف الداخلي" وفي عنوان رئيسي أكثر بروزاً نقرأ ما يلي: "فراغ قيادي في العمل الإسلامي يعيد الحكماء إلى الواجهة"، ويستطيع أي قارئ أن يكشف تحيز الصحيفة إلى طرف الحمائم بمواجهة الصقور.

لكن المتابع للتغطية الصحفية لهذا الخبر سوف يتشوق للاطلاع على طريقة صحيفة "الرأي" التي كان زكي بني ارشيد عنواناً لعشرات المواد الصحفية بل و"الإعلانية" أحياناً التي استهدفته طيلة أشهر عندما اشتد الخلاف بين الحكومة والأجهزة من جهة والإسلاميين من جهة أخرى.

لكننا هذه المرة سوف نجد صيغة مختلفة تماماً تأتي انسجاماً مع نهج الصحيفة المتبع في هذا الشأن منذ شهور حيث ابتعدت ما أمكن عن تناول شأن الحركة الإسلامية بل وغابت المقالات التي اشتهر كتابها بالخصومة مع الحركة.

جاء خبر صحيفة "الرأي" في الصفحات الداخلية بعنوان حيادي هو "شورى (الاخوان) يختار الفرحان أمينا عاما لجبهة العمل الإسلامي" وفي التفاصيل يبرز المنحى الحيادي بصورة أوضح، حيث عمد محرر الخبر إلى ذكر طريقة اختيار الإسلاميين لقيادة حزبهم، ثم يورد بعض تفاصيل اجتماع الحركة الذي حصلت فيه الاستقالة بدرجة برود عالية.

لكن المتابع سوف يكون مشدوداً إلى صحيفة أخرى لها علاقة مباشرة ولكنها جديدة مع مثل هذا الخبر هي صحيفة "السبيل" التي تعتبر عملياً صحيفة الحركة الإسلامية، لكنها لأول مرة منذ صدورها بشكل يومي تكون أمام خبر تنظيمي بهذا الحجم. إنه تمرين جديد على لغة اليوميات، ولكن الخبر هذه المرة مختلف، والصحيفة لم تتعود بعد على التعامل معه باعتباره مجرد خبر صحفي.

لقد نشرت "السبيل" خبر الاستقالة على صدر صفحتها الأولى ولكن بعنوان صغير وقع بين عنوانين كبيرين، واتخذ الصيغة الحيادية التالية:"حل توافقي داخل الحركة الإسلامية يفضي إلى استقالة أمين عام الجبهة". ولكن الصحيفة حرصت في التفاصيل الداخلية على تقديم الخبر بصورة ودية، فقد نشرت تصريحات تقول أن الخطوة جاءت انسجاما مع "روح الحوار الديمقراطي الذي تتبناه الحركة"، وأبرزت رفض الحركة  لما يتداوله الإعلام عن حدة الأزمة الداخلية في صفوف الإسلاميين، ولم تعتمد المفاهيم والمصطلحات التي تستخدمها باقي الصحف مثل (حمائم وصقور وصفقات وصراعات) مبرزة تصريح أحد قادة الحركة من أن "الإعلاميين يريدون قصة يتحدثون بها" بينما لم تبرز مسألة اختيار اسحق الفرحان كأمين عام متفق عليه، واكتفت بإيراد تصريح للناطق الإعلامي للاخوان المسلمين بأن الفرحان أقوى الأسماء المرشحة.

هكذا كما تلاحظ عزيزي القارئ فإنه لا يكفي أن يكون الخبر مهماً كي يحظى بالأولوية، ببساطة لأن التوقيت هنا عنصر رئيسي.