في ظل العمل على تطوير المنظومة السياسية في الأردن على أساس مخرجات اللجنة الملكية لا بد أن يرافق تلك المنظومة تغيير جدي في مجال حرية التعبير والرأي وهما حقوق ضمنهم الدستور الأردني وكافة التعهدات الأردنية الإقليمية والعالمية.
وإذا كان الأردن من الموقعين على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات التي تلته فلا بد من التفكير العملي في كيفية خلق بيئة مشجعة لحرية التعبير بدل من البيئة الحالية المنفرة لتلك الضمانات الدستورية والعالمية.
تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود."
وفي هذا المجال قد تكون أولى الأولويات فصل العلاقة غير الصحية بين الإعلام والمؤسسة الأمنية.
لا شك أن للمؤسسة الأمنية ضرورات في الحفاظ على الأمن والاستقرار ولكن الأمن لا يأتي من خلال الحجب والتوقيف والإصرار على رواية إعلامية واحدة بل من خلال التعددية. فعصرنا الحالي عصر الرقمنة لا يمكن السيطرة عليه وإخضاعه لرغبات ضيقة من خلال الأدوات التقليدية المرتبطة بأساليب أمنية عفي عليها الزمن.
ومع الفصل بين الامن والاعلام لا بد من إعادة النظر في ملكية الدولة المباشر وغير المباشر للإعلام. فلن نصل إلى تحديث المنظومة السياسية والحكومة المنتخبة إذا ما تم تحرير الإعلام من سيطرة الدولة. هذا يتطلب انسحاب تدريجي للحكومة من ملكية الصحف (الرأي والدستور).
كما من الضروري انسحاب الدولية الأردنية من المؤسسات الإذاعية. فلن نصل الى الدولة الديمقراطية ما دام الجيش العربي يملك أكثر إذاعة رواجا (هلا اف ام) في حين يملك الأمن العام اذاعة امن اف ام إضافة إلى وجود محطتان تلفزيونية تقرر الدولة الأردنية كيفية إدارتهم رغم أنهم ممولين من دافع الضريبة الأردني والذي يجب أن يكون له (ربما من خلال البرلمان) دور أكبر في إدارة تلك المحطات التي تهدف للخدمة العامة.
وفي مجال تنظيم الإعلام لا بد من وجود مجلس تمثيلي يشرف على هيئة الإعلام والخروج من نظام التعيين الحكومي لشخص واحد لمؤسسة مناط بها إدارة وتنظيم العملية الإعلامية للدولة الاردنية.
من ناحية أخرى هناك حاجة ماسة الى الخروج من احتكار العملية النقابية الصحفية للنقابة مغلقة لاتزال تعمل على أسلوب النظام السوفيتي السابق. الزامية العضوية في نقابة يغلب عليها صحفيون من مؤسسات رسمية لن يفيد في الخروج من الوضع الحالي الى بيئة مشجعة للإعلام حرة. وفي مجال العمل الصحفي لا بد من تشريع واضح لا لبس فيه يمنع توقيف أو حبس الصحفي على خلفية ما يتم نشره.
يراقب الممارس للعملية الإعلامية وجود تخبط للدولة الأردنية فيما يتعلق بالإعلام. فهناك أمور وقرارات تبدوا انها مشجعة للإعلام الحر ثم يتبعها قرارات وإجراءات تنسف الأجواء الإيجابية التي كان من المفروض أن تصبح القاعدة وليس الاستئناف.
إن الفرصة مهيأة للدولة الأردنية بكافة فروعها لإجراء انقلاب إداري وسياسي إيجابي في كيفية التعامل مع الإعلام كي يكون منصة تعددية حرة توفر المعلومة الصادقة وتعدد الآراء وممارسة حقيقية للضمانات الدستورية لحرية التعبير. المطلوب للتغيير معروفاً ولكن السؤال الأهم هل هناك إرادة حقيقية للتغيير والإصلاح.؟
*الكاتب مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي (راديو البلد وعمان نت)