خطبة الوداع

خطبة الوداع
الرابط المختصر

بيانات مسح العمالة والبطالة السنوية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2014 تظهر أن ما نسبته 51 % من العاملين في الأردن يتقاضون رواتب تترواح ما بين 300 - 499 ديناراً.
وعليه فإن حديث المحلل الإقتصادي محمد البشير لبرنامج "طلة صبح" الذي يبث على إثير إذاعة راديو البلد، بأن "أرقام دائرة الإحصاءات ودائرة ضريبة الدخل والضمان الإجتماعي تؤكد زعمه بأن 90 % من الأردنيين رواتبهم أقل من 500 دينار" باطل، داعياً إلى "إعادة توزيع الثروة"، وقوله أن هناك رواتب في الأردن تتجاوز 10 آلاف دينار صحيح لكنه ليس لباقي الـ 10 % الباقين.
وبالتالي فإن الحديث السياسي - الإقتصادي - تشوبه المغالطات وغير مقنع، بغض النظر الآن عن مدى كفاية هذه المرتبات للمواطنين وتوائمها مع متطلبات الحياة في الأردن. فهذا موضوع آخر.
في دولة رئتها "المساعدات الخارجية" يتم توقيع اتفاقيات الإستثمار في الدوار الرابع والوزراء ينشغلون في الإستجداء للمساعدات والإستثمار لا يجدي نفعاً الحديث عن استقالة الحكومة وحملها لملف الاقتصاد معها، وإفساح المجال لقيادات أخرى - إن وجدت - للقدوم بجهاز تنفس آخر، بحجة إلغاء التبعية الاقتصادية وأخرى.

 

لا يخفى على أحد أن الملفات ترّحل من كادر إنعاش إلى آخر، والمرض لا يمكن علاجه بين ليلة وضحاها وعليه فإننا نقول "كان غيرك أشطر" .

 

صحيح أن هناك من يحملون فكراً ورؤية واضحة في محاربة الفساد، ومحاربة الشرائح الاجتماعية المستفيدة، وهناك أيضاً من يستطيعون إشباع رغباتهم في التنظير والمطالبات بالرحيل، وعلى الفريقيين محاولة تجاوز العقبات الموضوعة أمامهم في طريقهم للوصول إلى مراكز صنع القرار حاملين معهم أحلامهم بتحرير البلاد والعباد من التبعية الاقتصادية والسياسية للآخر، وفضح آثار التبعية الاقتصادية وسوء توزيع الثروة وإقرار سياسات مالية تكرس السيادة الوطنية، لكن قبل كل ذلك عليهم أن يكونوا دقيقين في الأرقام وأقرب للشارع وأكثر بعداً عن الصالونات والقاعات بطرق وآليات احترافية.

 

لا يمكن أن أقتنع كمواطن بضرورة حملة أهدافها طالما بقيت بعيداً عنها، موكلة جميع آرائي عنوة إلى بعض القيادات الحزبية والسياسة والاقتصادية، والتي تمثل نفسها على ما يبدو، وفقاً لنتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز ثقافات للدراسات (إنتلجنسيا) حول الثقافة السياسية الحزبية في الأردن عام 2011 والتي أظهرت ما نسبته 53 % من النخبة لا يعرفون عدد الأحزاب السياسية الأردنية، أما نسبة الحزبيين من أفراد النخبة فإنها أقل من 1%.

 

أما نسبة المقتنعين بجدوى العمل الحزبي فقد هبطت إلى 20 % بعد أن كانت 60 % في العام 2001. أما الأكاديميون فهم أقل المقتنعين بجدوى العمل الحزبي والفنانون هم أقل شرائح النخبة اطلاعاً على الأدبيات السياسية.

 

تشير نتائج هذا الاستطلاع إلى وجود تراجع كبير في قناعات النخبة الأردنية بالعمل الحزبي فكيف بالعامة من الأردنيين؟

 

مركز مساواة لتنمية المجتمع المدني أيضا أنجز استطلاع رأي شمل 1300 شاباً في محافظة المفرق شملت جزءاً من طلبة جامعة آل البيت وعدد من طلبة المدارس، أظهر انخفاض نسبة المشاركة السياسية للشباب بشكل كبير؛ فنسبة المنخرطين في الأحزاب لا تتجاوز 2 %، ونسبة مشاركة الشباب في الجمعيات والعمل التطوعي ومنظمات المجتمع المدني بحدود 4 %، ونسبة المنتسبين إلى النوادي الشبابية لا تتجاوز الـ 3 %، وتنخفض النسبة إلى حدود الواحد بالمئة للمشاركين في المجالس الطلابية سواء في الجامعات أو المدارس.

 

أقول، إن الحديث عن رحيل حكومة وقدوم أخرى، عن تحرير البلاد من التبعية الاقتصادية، عن التنمية المستدامة واللآمركزية، عن الإصلاح الإقتصادي والسياسي بشمولية، يجب أن يسبقه وعي ومشاركة و"تفاعل" حزبي _ شعبي يؤسس لكل المراحل اللآحقة.

 

لست متعمقاً في السياسة، لكني لا أفهم كيف يمكن لحزب ما أن ينتج حراكات ويقدم احتجاجات لا تقوم على طرح البديل والحلول، ولا يشارك في أنشطته المتضرر الأساسي من القضية؟ وأن تعود "حراكات" للساحة من جديد بعد غياب غير مبرر لتكتشف أنها لم تنتج شيئاً في مراحل سابقة وأن ما تنوي تقديمه في مرحلة لاحقة لا يتعدى تكرارها لذات العناوين العريضة.

 

السؤال الأهم والذي يجب أن يفكر به المحللون والسياسيون حزبيون أم فرادى .. كيف يمكن إشراكي وإشراك غيري من الناس في العملية السياسية والحوار العام المنظم والمستمر الذي حتماً سينتج قوة فاعلة ومؤثرة تحدث التغير المنشود والذي يحمل مصلحة لأكبر حصيلة ممكنة؟.

 

مع اقتراب نهاية العام بكل فرح وسرور أودع كل الأحزاب والتنظيمات والجماعات والحركات التي لم تكن تملك سوى شعارات لا تمت بصلة للحاضر، والمستقبل، وأقول لكم "الناس .. الناس، أناديكم أشد على أياديكم، إلى كل القادة والمناضلين عودوا إلى قواعدكم سالمين".