"خريجو المئوية بين سندان البطالة وثقافة العيب"
في فصل دراسته الأخير الذي يفصله عن التخرج ساءت أوضاع عائلته المادية لتصبح رسوم التسجيل للفصل الدراسي الأخير عائقا يقف أمام نهاية هذا المشوار.
مالك محمود يبلغ من العمر 23 عام يسكن في محافظة الزرقاء و يدرس على نفقته الخاصة في جامعة ال البيت، لتصبح رسوم دراسته ونفقاتها عبئا على عائلته بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا.
فكان لا بد له من العمل ليستطيع تحمل أعباء ونفقات دراسته وليكمل مشواره الجامعي، ليجد مالك نفسه أمام تحديات كان أصعبها مواجهة فكره ومعتقداته الشخصية المتعلقة "بثقافة العيب في العمل "وخاصة في ظل جائحة كورونا التي أغلقت الكثير من القطاعات لتقليص فرص العمل وترفع من نسبة البطالة.
فبلغ معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2021 "25.0%"، ليصل عند الذكور 24.2% مقابل 28.5 للإناث، وذلك وفق تقرير دائرة الإحصاءات العامة،ليصل معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية "مما يحملون مؤهل بكالوريوس فأعلى 27% "مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى فكانت بين الذكور 25.1% مقابل 79.6 للإناث.
واستطاع مالك بعد ذلك العمل في مخبز لتكون بدايات هذا العمل صعبة فهي لا تتناسب مع مهاراته وقدراته ولا مع مستواه التعليمي والاجتماعي اضافة الى انها ذات دخل منخفض لا تلبي احتياجاته ولكنه استطاع تخطي كل تلك الأمور فقال: اندثرت لدي ثقافة العيب بعد ان عملت في المخبز فالكثير من العمال كانوا من الشباب الجامعيين الحاملين شهادات جامعيه بالإضافة للكثير من العمالة الوافدة وخاصة السورية الحاملة لشهادات جامعية والتي لم تمنعهم من العمل في وظائف اقل من مستواهم التعليمي والاجتماعي.
وأضاف" كان لكورونا وتداعياتها الدور الكبير في تغيير وجهة نظري حول هذه الأعمال المدرجة تحت مسمى العيب فالوضع الوبائي أغلق الكثير من القطاعات وقلة فرص العمل وزاد نسبة البطالة فالكثير من الشباب تم فصلهم من وظائفهم بسبب تداعيات الوضع الوبائي على الاقتصاد فكان لابد من اللجوء الى مثل هذه المهن لتستمر عجلة الحياة"
وضمن خريجي مئوية الدولة تخرج مالك بشهادة البكالوريوس في التربية البدنية، وما زال يعمل في مثل هذه الأعمال، ليضيف "اليوم بعد ما تخرجت أعمال في منحة من وزارة السياحة لمدة ٣ أشهر، أطمح في إيجاد فرصة عمل في تخصصي لكن فرص العمل في مجال دراستي صعبة بسبب ارتفاع عدد الخريجين وقلة فرص العمل وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة".
ويؤكد الخبير الاقتصادي والاجتماعي "حسام عايش "ان مصطلح ثقافة العيب مصطلح نخبوي غير صحيح أطلقه رجال الاقتصاد والسياسيين "على شباب يرفضون العمل في مهن وحرف معينة يعمل بها الوافدين". لتبرير عجز النخب السياسية والاقتصادية المتعاقبة التي لم تقم بدورها الحقيقي في اثراء عملية الاقتصاد وبالتالي توفير فرص عمل.
اما ميساء وهي خريجة المئوية ايضا من الجامعة الأردنية بتخصص "ادب اللغتين الإنجليزية والتركية" وتبلغ من العمر 22 عام وتسكن في عمان عللت سبب تبنيها لهذه الثقافة ب "انها تعبت كثيرا في مشوارها الجامعي وحصلت على معدل مميز ولديها الكثير من المهارات والقدرات التي تملكها لذلك تبحث عن عمل يتناسب مع قدراتها "، وحتى اليوم لا تملك الجرأة للتخلص منها على الرغم من ارتفاع نسبة البطالة وخاصة بين خريجي الجامعات.
ويبرر عايش عدم قبول الشباب الاردني لبعض هذه المهن هو ان الشباب المتخرج من الجامعة يبحث عن فرص وظيفية ذات دخل عالي وظروف مكتبية أفضل بخبرات ومعارف يستطيع بها تطوير أدائه الوظيفي ليستطيع من خلالها البحث عن فرص مستقبلية أفضل، فالمهن التي تم تصنيفها تحت مسمى العيب لا توفر هذه المعايير بالنسبة للكثير من الباحثين عن العمل من الأردنيين.
"الآثار المترتبة على الاقتصاد في حال اندثار ثقافة العيب "
أثنى عايش على دور العمالة الوافدة على الاقتصاد الأردني فقال: ان العمالة الوافدة أثرت الحياة الاقتصادية الأردنية وهي سبب من الأسباب التي أدت الى وجود نوع من أنواع النمو الاقتصادي في الأردن.
ولكن إذ انخرط أبناء الوطن في المهن التي تقوم بها العمالة الوافدة سيكون لها الدور الايجابي في "النمو الاقتصادي إذ ستقل معدلات البطالة مما يقلل من معدلات الفقر، وأيضا يحد من التحويلات في العملات الأجنبية الى خارج الاردن وهذا سوف يوفر المزيد من العملات التي ستنعكس على الاحتياطي من العملات الأجنبية مما يؤدي الى استقرار هذا الاحتياطي ويحافظ على سعر صرف الدينار"
وأوضح عايش جملة من الإجراءات التي يمكن إحداثها على القطاعات المرتبطة أعمالها بثقافة العيب كقطاع الزراعة، لدمج الشباب الأردني فيها فقال " إذ طورنا التقنيات المستخدمة في قطاع الزراعة مثلا وأدخلنا عليه أساليب التكنولوجيا الحديثة من العمل والتسويق عن بعد والتي تحتاج الى مهارات وأساليب متطورة يمتلكها الشباب سوف يخلق هذا الكثير من فرص العمل ولكن للأسف لا يحدث. وأشاد بالمشاريع الريادية الصغيرة والمتوسطة التي يمكن للشباب تجيير كل خبراتهم فيها مؤكدا ضرورة تغيير السياسات المتعلقة بالتمويل وكيفية تعامل المجتمع مع مخرجات هذه المشاريع لتنتشر وتصبح ثقافة عامة مخالفة ومضادة لفكرة ثقافة العيب.
وأكد عايش ان جائحة كورونا اثرت بشكل كبير على فرص العمل وغيرت نظرة الكثير من الشباب في الطريقة التي يبحثون فيها عن فرص العمل، فقال "نحن نعيش في مرحلة تكيف هائلة ومقلقة سواء على صعيد الشباب الذين يبحثون عن فرص العمل في ظل هذه الظروف الصعبة او على المجتمعات التي تحاول العودة الى سكة النمو الاقتصادي".
وعن تجاوز المجتمع لثقافة العيب أكد عايش "ان المجتمع بدء بالتخلص منها قبل بدء جائحة كورونا فاليوم نرى الشباب والشابات يعملون لساعات متأخرة وخاصة الفتيات الأمر الذي كان يعد قديما نوع من انواع الكبائر فالشباب تجاوزت ثقافة العيب لكن نوعية هذا التجاوز ما زال يركز عليه أصحاب السياسات الاقتصادية والاجتماعية القديمة"