حيّ المغاربة بالقدس.. تاريخ يزعج “إسرائيل”

في الجزء الغربي من المسجد الأقصى المبارك، لا يزال حي المغاربة يحتفظ باسمه كأحد الشواهد على التهجير والتشريد الذي مارسه الاحتلال لفرض الوجود اليهودي مكان السكان الأصليين، إذ يعتبر من أشهر أحياء القدس، ويُجاور حائط البراق، كما أنه يعكس حتى الآن مدى ارتباط الشعب المغربي بالقضية الفلسطينية، بخلاف نظامه الرسمي الذي عقد اتفاق تطبيع مع إسرائيل. 

ما قصة حي وبوابة المغاربة؟ وما علاقة صلاح الدين الأيوبي؟ 

هذه المادة تتبع تاريخ حي وبوابة المغاربة في القدس والمسجد الأقصى، وتكشف المحاولات الإسرائيلية لتغيير تاريخه.

في الثامن من حزيران عام 1967، حينما كان القسم الشرقيّ من مدينة القدس لا يزال تحت الحكم الأردنيّ، الذي بدأ عقب انتهاء الانتداب البريطانيّ عام 1948، والمتمثل بالبلدة القديمة لمدينة القدس بما يشمل الأماكن المقدّسة فيها، كانت قوّات “اللواء 35- حطيفات هتسنحنيم” قد بدأت بفرض السيطرة على البلدة القديمة.

في ذلك الوقت، وصل بن غوريون، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأوّل برفقة رئيس البلديّة الإسرائيلية لمدينة القدس، تيدي كولك، إضافة إلى رئيس سلطة المتنزّهات يعكوف يناي إلى الزقاق المؤدي إلى ساحة “الكوتل”.

 (المترجم: الكوتل هو التسمية العبرية لساحة حائط البراق).

فور دخولهم الساحة، بدأ بن غوريون بالبكاء، وطلب من أحد حرّاسه إزالة لافتة كتب عليها “البراق” وهي التسمية العربيّة والإسلاميّة لـ “الكوتل” ومن ثم توجه ليعكوف يناي قائلًا: “ألا تستحي؟ أنظر، مراحيض بجانب الكوتل!”، فأعطى أمرًا بـ “تنظيف المكان وتحسين منظر الكوتل وساحته”. (1)

تنفيذًا لأمر رئيس الحكومة الإسرائيليّة، في ليلة العاشر من حزيران قامت هيئة المقاولين المجنّدة للمهمّة بهدم المراحيض الملتصقة بالحائط بالمطارق والمعاول، ولم تمرّ بضع ساعات حتى وصلت الجرّافات والشاحنات للمكان، وما أن أشرقت الشمس كان حي المغاربة، الحيّ الصغير الملتصق بالحائط قد سوّي بالأرض، بيتًا تلو آخر، بعد إخلاء 108 عائلة مغربيّة كانت قد سكنت المكان لأكثر من 800 عام.

بذلك، بعد أيام قليلة من الهدم سنحت لبن غوريون وعشرات الآلاف من اليهود الفرصة للوقوف والصلاة في ساحة الكوتل في عيد الـ “شفوعوت” اليهوديّ، جنبًا إلى جنب، بعدما كانت المنطقة تتسع لمئات معدودة فقط، بحيث أنها تحوّلت من “ساحة صلاة” مساحتها أقل من مئة متر مربع إلى ساحة بمساحة ألفين وأربع مئة متر مربع. (1)(2)

حي المغاربة هو أحد الأحياء المشهورة في البلدة القديمة بالقدس، وسمّي بحي المغاربة نسبة لسكّانه من المغرب العربيّ الّذين سكنوا فيه بعد مشاركتهم ضد الحرب الصليبيّة مع صلاح الدين الأيّوبيّ لتحرير القدس، ومن أهم رموز الحي كانت المدرسة الأفضليّة (على اسم الملك الأفضل- ابن صلاح الدين)، التي بناها قبل أكثر من 800 عام في قلب حي المغاربة، وكانت مركزًا روحيًا هامًا لسكّان الحي.

مع مرور الوقت، تحوّلت المدرسة إلى مسجد وصارت تعرف باسم مسجد الشيخ عيد، وكان الشيخ عيد هو أحد قادة الجالية المغربية في المنطقة في القرن السابع عشر وقد دفن داخل المسجد فيما بعد.

كما وكان لهذا المسجد أهمّية كبرى منذ القرون الوسطى للمسلمين من زائري المنطقة والمارّين منها، وتحديدًا الصوفيون والروحانيون منهم، حتى اليوم الذي هدمته القوّات الإسرائيليّة فيه.

يذكر أنه في متحف “تسفلين” في غربي ألمانيا، ضمن صور جويّة التقطت لمدينة القدس في الثلاثينات من القرن الماضي، يوجد صور يظهر فيها المسجد الأفضليّ الملاصق “للكوتل”. (1)(2)

وبحسب روايات إسرائيليّة عديدة، يعتقد أن سكّان حي المغاربة يسبّبون الأذى لمكانهم المقدّس، وأنّه يحقّ لليهود الوصول إلى مكانهم المقدّس والصلاة فيه بشكل مريح، إذ أنه وبالرغم من هدنة “شفيتات نيشك” بين الأردن و”إسرائيل”، التي بموجبها تقوم الأردن بالسماح لليهود في بزيارة “الكوتل”، فإنّها لم تلتزم فعليّا بالأمر.

كما أنّه هناك ادّعاءات بأن المغاربة سكّان الحيّ كانوا يضايقون اليهود المتوجّهين للصلاة بعدّة طرق، كما قاموا بأخذ رسوم ماليّة من اليهود مقابل زيارتهم لمكانهم المقدّس. بالإضافة إلى هذه الادعاءات، زعمت “إسرائيل” أن سياسة “الوضع الراهن” التي تنص على عدم التغيير في الوضع والنظام الطائفي في المسائل الدينية، التي وضعها البريطانيون أثناء الانتداب البريطاني، لم تكن منصفة لليهود أيضًا، إذ أنّها منعهم من إقامة عدّة تحسينات للمكان؛ مثل فاصل بين الرجال والنساء ومقاعد وعدد كتب التوراة المسموح به، إضافة إلى منع “تكيعات هشوفر” (أحد طقوس يوم الغفران)، بالمقابل لم يمنع سكّان الحيّ من إدخال بهائمهم إلى المكان. (1)(3)

وبات أمرًا واقعًا اليوم أنّ الأبواب الغربيّة والشماليّة لمدينة القدس هي الأبواب المؤدّية لساحة المسجد الأقصى، وجميعها مفتوحة ويعبر منها زوّار وروّاد المسجد الأقصى، كما أنّ جميعها لا تزال تحت حراسة الوقف الإسلاميّ بشكل كامل، بالاتّفاق مع الأردن وفلسطين، ما عدا باب المغاربة، وهو الباب الواقع في الزاوية الجنوبية لساحة “الكوتل”، فهو تحت سلطة إسرائيلية كاملة منذ 1967، التي لا تسمح لغير المستوطنين والسيّاح الأجانب بالمرور منه والدخول لمنطقة المسجد الأقصى.

ورغم قرار الوقف بمنع غير المسلمين من الدخول للمسجد الأقصى بعد الانتفاضة الثانية، وبموافقة “إسرائيل”، إلا أنها أعادت إمكانية الزيارة للمستوطنين والسيّاح في السنوات الأخيرة. (4)

 

المصادر:

(1) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/37wkWc7

(2) “هآرتس”: https://bit.ly/3r4riqR

(3) “سيحاه ميكوميت”: https://bit.ly/3as6Zxw

(4) “كلكاليست”: https://bit.ly/3apUTVS

أضف تعليقك