حين يصر رجل الأمن على استخدام العنف للحط من كرامة المواطنين!

حين يصر رجل الأمن على استخدام العنف للحط من كرامة المواطنين!
الرابط المختصر

استخدام العنف يحدث ويتكرر من قبل رجال الأمن، والناس يتهامسون إذا كان هذا العنف يجري أمام المواطنين وسط البلد، فماذا يحدث في الزنازين، وبعيداً عن الكاميرات؟!

 مثل النار في الهشيم انتشر الفيديو الذي يصور مجموعة من رجال الأمن ينهالون بالضرب على مواطن، وبسرعة كان الناس يتناقلونه بـ"البلوتوث" عبر موبايلاتهم، واستقر في نهاية المطاف كمادة فلمية على "اليوتيوب" يرسم صورة لا نحبها لبلدنا الذي يتباهى بديمقراطيته.

لم يعرف الأردنيون من هم الشرطة أو رجال السير الذين يرتكبون هذه الجريمة اللاإنسانية، ولم يعرفوا في غالبهم من هو المواطن الذي يتعرض لكل هذه الإهانات التي تحط من كرامته الإنسانية، لكنني أستطيع أن أجزم أن كل من شاهد هذا الفيلم الذي صور بالموبايل شعر بالصدمة والاستفزاز والغضب من هذه الممارسات المهينة والعنيفة.

أكثر ما هو سيئ في الاعتداء هو إصرار رجال الأمن على أن يقوم هذا المواطن "المتهم" بـ"بوس أحذيتهم"، وفي هذه الصورة وهذا المشهد أمام مرأى الناس تتجسد الرغبة بالإذلال!.

قبل أن يرد الأمن العام ويوضح بأن حادثة الاعتداء على المواطن قديمة وتعود لعام 2007، كان ملف هذه القضية يحظى باهتمام ومتابعة الديوان الملكي، كما أكد لي مسؤول رفيع فيه، فقضية حقوق الإنسان لم تعد أمراً عابراً يمكن تجاهله أو إغماض العيون عنه، ولم تعد قضية وطنية فقط بل أصبحت وتكرست باعتبارها قضية إنسانية عالمية تقاس على أساسها ديمقراطية ورقي البلدان بدرجة الاهتمام بها، وبالتشريعات والممارسات الناظمة لها.

لا أقلل من أهمية وشفافية رد الناطق الإعلامي للأمن العام الرائد محمد الخطيب على الفيديو الذي يوزع عبر البلوتوث على الناس في الأردن وخارجه، فقد سرد الرد ما جرى، مؤكداً أنها قضية قديمة، وأن المعتدى عليه من أصحاب السوابق ولديه 21 قيداً جرمياً، وأنه قاوم رجال السير الذين حاولوا السيطرة عليه.

والأهم في رد الأمن قوله "إن الاستفزاز الواقع من هذا الشخص دفع رجال السير إلى سلوك غير مقبول في استخدام القوة كانت نتيجته محاسبتهم وتجريمهم، وفقاً لأحكام قانون الأمن العام".

وأزيد على ما نشر في الصحف ما قاله لي الخطيب "بأن  الشخص نفسه قام وهو بحالة سكر بسرقة محلات وسط البلد هذا العام، واعتدى على الشرطة حين لاحقوه للقبض عليه، وكسر كشك الشرطة في وسط البلد أمام حلويات حبيبة".

وحين سألت الخطيب عن العقوبة التي أوقعت بحق رجال الشرطة الذين اعتدوا على هذا المواطن قبل عامين، أجابني بأنه لا يعلم؟!.

قد لا يجادل أحد الأمنَ العام عما إذا كان هذا المواطن من أصحاب الأسبقيات، فنحن نصدق الرواية الأمنية ونسلم بها، ولكن ما نناقشه أمر آخر ويتمحور في أسئلة نجدها مهمة، أبرزها:

*   هل استفزاز مواطن لرجال الأمن مبرر للاعتداء عليه بهذه القسوة؟!.

*   هل تلغي الأسبقيات الجرمية لمواطن حقه الإنساني في أن لا يخضع لسوء المعاملة والتعذيب؟!.

*   لماذا أصر رجال السير على أن يدوسوا ببساطيرهم على رأس هذا المواطن، وأن يجبروه على "بوس أحذيتهم "؟!.

*   لماذا لم يتصدَ  أي من الشرطة الذين ظهرت صورهم لما يقوم به زملاؤهم الآخرون، بل كانوا ينضمون لحفلة الضرب والإهانة؟!.

*   لماذا لم يقم رجال الشرطة بتكبيل هذا المتهم بسرقة "جهازي موبايل" وأن يأخذوه فوراً إلى المركز الأمني، بدلاً من هذا العرض السادي أمام الناس؟!.

*   ماذا لو تدخل أحد المواطنين لمنع رجال السير من مواصلة اعتدائهم على هذا المتهم أو المشتبه به .. ماذا كان سيحدث؟!.

*   هل أعلن الأمن العام من قبل عن هذه الحادثة، وعن الإجراءات التي اتخذها بحق رجال السير الذين اعتدوا على هذا المواطن؟!.

قصة استخدام العنف من بعض رجال الأمن ضد المواطنين لا يمكن حصرها بهذا الفيديو، فخلال تصفح سريع للإنترنت طالعتني قصص أخرى، فقد نشرت "العرب اليوم" قصة اعتداء رجال الأمن على طلاب كانوا يحتفلون بتخرجهم، وقد تقدم والد أحد الطلاب بمذكرة للمركز الوطني لحقوق الإنسان تتضمن تفاصيل الاعتداء الذي تعرض له ابنه وآخرون.

وفي شكوى قدمها مواطن للمنظمة العربية لحقوق الإنسان أفاد بأنه تعرض للضرب من قبل رجال مكافحة المخدرات، وهو خبر نشرته "الحقيقة الدولية".

وآخر القصص التي طالعتنا بها "المدينة  نيوز" أن "رجال الأمن ألقوا القبض على رجل مخمور بأحد المساجد، وقد حضر رجال الأمن وأخرجوه من المسجد وأشبعوه ضرباً لتعديه على حرمة بيت الله".

ولست هنا بصدد تقييم صدقية هذه الأخبار وغيرها، غير أنها مؤشر على أن استخدام العنف يحدث ويتكرر من قبل رجال الأمن، والناس تهمس إذا كان هذا العنف يجري أمام المواطنين وسط البلد، فماذا يحدث في الزنازين، وبعيداً عن الكاميرات؟!.

دعوة المركز الوطني لحقوق الإنسان بفتح تحقيق عاجل في حادثة اعتداء رجال السير على المواطن مهمة وضرورية، والأكثر أهمية كيف نتابع أي تحقيق أمني لمعرفة أين وصلوا وماذا فعلوا؟!.

ماهر الشيشاني مدير مكتب ديوان المظالم وحقوق الإنسان الذي استحدثه الأمن العام سنة 2005 أبلغني تعليقاً على شريط الفيديو "بأن تعامل رجال السير مرفوض ولا أحد يقره"، مشيراً إلى أن هذا الفيلم "قديم وخضع لعمليات منتجة وقطع".

الشيشاني أكد أن مرتكبي هذه الاعتداءات تعرضوا للمحاكمة وبعضهم حبس وبعضهم فقد وظيفته.

أكثر ما أشعرني بالارتياح في حديث الشيشاني تأكيده: "لا أحد يجب أن يفلت من العقاب".

وهذه هي النقطة التي على منظمات حقوق الإنسان أن تتابعها بصبر وبدقة: كيف نحاسب كل من يخرق حقوق الإنسان، وكيف نجعل الإفلات من العقاب أمراً مستحيلاً؟.

مدير مكتب ديوان المظالم يقر بأن 50 شكوى قدمت بحق رجال أمن مارسوا العنف ضد مواطنين العام الماضي، في حين لم يتلق المكتب هذا العام سوى 23 شكوى حتى الآن.

الأردن صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب ونشرت بالجريدة الرسمية واكتسبت قوة القانون، والأردن عدل قانون العقوبات، فأصبح يجرّم في المادة 208 ممارسة التعذيب، وأضحى القانون متوائماً مع الاتفاقية الدولية، كما أن المحاكم أصدرت أحكاماً بالتعويض لضحايا إساءة المعاملة.

المعاهدات الدولية والتشريعات والقرارات القضائية ملحة ولا غنى عنها لصيانة حقوق الإنسان، والمطلوب إنفاذ كل ذلك حتى لا يظل حبراً على ورق، وحتى يمتثل رجال الأمن لهذه القوانين والقواعد، لا أن يضربوا بها عرض الحائط لأن بعضهم مستفز، أو بعضهم يهوى ممارسة ساديته، أو بعضهم يرى نفسه فوق القانون، أو أن العنف بقناعته هو السبيل الأمثل لسيادة الأمن.

إذن ما هو العمل حتى نتجنب سيناريو ما حدث مع المواطن، وحتى لا نجد كل يوم فيلم فيديو لعنف غير مألوف يضعه الناس على "اليوتيوب" بعد أن أصبحت وسائل الإعلام متاحة للجميع، ولا يمكن منع الناس من فعل ذلك؟!.

الحل برأي الشيشاني حزمة إجراءات تبدأ من أسس التجنيد واختيار رجال الأمن، مروراً بالتأهيل والتدريب، ومن ثم تفعيل أدوات الرقابة، والتوعية في الوقت ذاته بحقوق الإنسان، وأخيراً تشديد العقوبات على المخالفين.

هذا ما يراه الأمن العام، فهل يكفي ذلك، أم أن الأمر أكثر تعقيداً، ومرتبط بثقافة حقوق الإنسان في الدولة، والفهم الأمني لعلاقته بالمجتمع، وأبعد من ذلك أنها ترجمة لسيكولوجية الإنسان المقهور؟!.