حول تطوير "المهنية الإعلامية" في العالم العربي

الرابط المختصر

خلال أوقات فراغي حين كنت أدرس مادة الصحافة في جامعة برنستون (الأميركية) وافقت على طلب من المركز الدولي للصحافيين لإنشاء والإشراف على دورة تقدم وتدرس على شبكة الانترنت للمهتمين من الصحافيين العرب حول كيفية إنشاء موقع إلكتروني إخباري خاص بهم. كانت الدورة تجربة مثيرة لتقييم الوضع الداخلي لأعمال الصحافة العربية إذ شارك ما يقرب من أربعين (40) صحافيا (على دورتين) في هذه الدورة التي كانت مدتها ستة أسابيع.

فكرت في هذه الدورة عندما قرأت في طريق عودتي إلى الأردن عن عرض صاحب الجلالة لنقابة الصحفيين الأردنيين تمويل صندوق لدعم وتدريب الصحافيين. وفي حين قيل الكثير عن عادات الرقابة الذاتية التي أصبحت السمة المميزة للكثير من الصحافيين نتيجة لسنوات من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام، صدمت بالدور السلبي الذي يلعبه كثير من المحررين في البلدان العربية.
في إحدى جلسات التدريب، طلبت من المشاركين أن يكتبوا قصة عن حالة حركة المرور في مدنهم. وطلبت من خلال هذه الوظيفة أن يجري الصحافيون مقابلات ويقتبسوا ثلاثة على الأقل من مختلف الأفراد سواء كانوا مواطنين أو سائقين أو شرطة مرور أو مهندسي مدن. وكمدرب، فإن توجيهاتي ركزت على ضرورة الاقتباس بشكل حرفي لحديث أولئك الذين أجريت المقابلات معهم، بل إنني أوضحت انني أريد أن أرى حرفية الكلمات داخل علامات الاقتباس. وعندما قدم أحد الصحافيين المصريين قصته بدون هذه العلامات، استفسرت عن ذلك. فاجأتني إجابته رغم أنه تعلم في كلية الصحافة عن الحاجة إلى استخدام عبارات الأشخاص الذين يجري معهم المقابلات داخل علامات اقتباس، فإن المحررين قالوا له إنه ليست هناك حاجة لاستخدام تلك العلامات.
هذا الدور السلبي للمحررين يمكن أن يراه المرء في كثير من الوجوه في معظم وسائل الإعلام العربية التي تفتقر إلى الكفاءة المهنية باستثناء قصص قد تم إعادة نشرها من وكالات الأنباء الدولية. لقد لاحظت هذا الافتقار إلى المهنية في العديد من الصحافيين بما في ذلك عدم الانتباه إلى مصادر التقارير والضعف العام في استخدام المعايير المهنية عند تقديم التقارير المحلية.
قبل بضع سنوات، تعاقدت إحدى الصحف الأردنية مع مدربة صحافية عربية رفيعة المستوى لمدة ستة أشهر. لكن هذه المدربة تركت في منتصف الطريق وذلك بسبب العديد من الحالات التي شطب فيها محررون تقارير متقنة البحث كان صحافيون قد عملوا عليها بجد. إن مثل هذه الأعمال تفقد الصحافيين الحافز وتزيد بالتأكيد من مستويات الرقابة الذاتية بينما يتخلى الصحافيون عن المهنية محاولين اكتشاف التوجهات أو المزاج الشخصي للمحرر.
كتّاب الأعمدة، فضلا عن المحررين ملامون على الافتقار إلى المهنية هذه والتي يمكن أن تشاهد في وسائل الإعلام اليوم. بينما كاتب الأعمدة هو بالتأكيد حر أن يعبر عن رأيه أو رأيها، فإنه ليس حرا في أن ترتكز آراؤه على معلومات ثبت بوضوح أنها كاذبة أو ملفقة.
لن يوافق المحرر الجيد على العمود إذا شعر أن آراءه تقوم على مثل هذه المعلومات الملفقة. مثال على ذلك حدث قبل أسابيع قليلة عندما سقط الإعلام الأردني في فخ تقرير ملفق حول وجهات النظر السياسية لمرشح الرئاسة الأميركية. لم تكتف وسائل الإعلام (في الغالب) بأنها أخفقت في الاعتذار عن نشر هذا التقرير الملفق، بل تم استمرار نشر العديد من الأعمدة بعد أن أصبح واضحاً أن القصة غير صحيحة بالكلية. حتى أن أحد كتّاب الأعمدة في إحدى الصحف الأردنية اليومية بدأ عاموده بالقول "بغض النظر إذا كان الاقتباس صحيحاً أم لا" تلاه رأيه الشخصي على محتوى التصريح الذي لم يحدث أبداً!
وضع الصحافيين في الأردن يتطلب منظوراً جديداً. بينما القانون يعتبر الصحافيين فقط أولئك الذين هم أعضاء في نقابة الصحافة الأردنية، فإن الحقيقة على ارض الواقع هي أن هناك العديد من الأفراد خارج النقابة لأسباب متنوعة. إن إلزامية العضوية في النقابة الواحدة والوحيدة في الأردن تشمل صحافيين ومحررين وناشرين مستبعدةً الصحافيين العاملين في مواقع الانترنت، والإذاعات الخاصة والتلفزيون وكذلك الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام العربية والدولية. إن الأجندة الوطنية التي ترأسها نائب رئيس الوزراء السابق مروان المعشر أصدرت خطة إصلاح في 19 نقطة خاصة بوسائل الإعلام شملت إنهاء إلزامية العضوية ولكن تلك الخطة، ورغم أن الحكومة وافقت عليها لم تترجم إلى قانون أو سياسة عامة.
وفي حين أن نقابة الصحافيين هي المكان الصحيح لتنظيم أي تدريب للصحافيين، فإن نقابة الصحفيين الأردنية سبق لها أن ابتعدت عن التدريب الصحافي بل وهاجمت المحاولات المستقلة لتنظيم تدريب إعلامي على الرغم من أن رأسمالها يشمل جزءا من رسوم الدخل الإعلاني للصحف اليومية الأردنية وتبلغ نسبته 1 ? تحوّل شهريا إلى النقابة.
التغييرات في قطاع وسائل الإعلام مؤلمة ولكنها ضرورية مثل عملية التحول إلى الخصخصة التجارية. وبناء عليه، فإن نداءات جلالة الملك لتدريب الصحافيين الأردنيين يجب أن تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى خطة إصلاحية إعلامية أوسع بكثير.
فمثل هذه السياسة يجب أن توازن بين الحاجة إلى طلاق الحكومة وسائل الإعلام وضمان احترام المعايير المهنية الذاتية من خلال التنظيم الطوعي للقطاع الإعلامي وفي الوقت نفسه ضمان الاستقرار وحماية الصالح العام. هذا هو طلب كبير يتطلب اتباع نهج شامل ولا يمكن أن يقتصر على تدريب الصحافيين.
* مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت