حوار مع الرئيس حول قانون الجمعيات

الرابط المختصر

أتاحت لنا وزيرة التنمية الاجتماعية النشطة هالة لطّوف ، فرصا للحوار مع رئيس الحكومة المهندس نادر الذهبي حول "مشروع قانون الجمعيات الخيرية" الذي أقره مجلس الأمة بشقيه ، وينتظر أن يمهر بالإرادة الملكية السامية ، حتى يصبح قانونا ساري المفعول.

للوهلة الأولى ، بدا أن الدعوة ليست في موعدها أبدا ، وأنها تأخرت أشهرا عديدة عن "الحد المنطقي" للقاء من هذا النوع ، لكن ذلك بدا للوهلة الأولى فقط ، إذ أن تفكيرا متأملا بالدعوة يحملك على التفكير بأن ثمة نية حقيقية لدى رئيس الحكومة لمراجعة مشروع القانون.
قلت لدولة الرئيس: لقد رحبنا أيما ترحيب بقرارك سحب مشروعي قانوني الجمعيات والاجتماعات في مستهل ولايتك الحالية ، فهل يمكن قراءة هذه الدعوة المتأخرة كما لو أنها البشارة على رد القانون من قبل جلالة الملك ، عملا بصلاحيته الدستورية ، وهل يمكن أن نتمنى على دولتكم ، نقل تمنياتنا على جلالته استخدام صلاحياته الدستورية لرد القانون؟.
الرئيس حرص على تفادي التحليق على ارتفاع شاهق ، وشدد على وجوب عدم رفع سقف التوقعات ، بل وطالب الحضور بترك "الناطور" وشأنه - أو بالأحرى الـ110 نواطير والإضلافة من عند الكاتب - والسعي بدلا من التحرش به ، إلى ملء سلالنا بالعنب.
قرأت من ذلك أن مشروع القانون المذكور سيجتاز آخر محطاته الدستورية ، وأنه قد يمهر بالإرادة الملكية قريبا ، فلا سابقة كما قال الرئيس لرد تشريعات أجازها مجلسا النواب والأعيان ، احتراما وتقديرا من الملك رأس السلطات ، لدور ومكانة السلطة التشريعية.
لكن في المقابل ، قرأت حرصا عند دولة الرئيس على إدخال تعديلات ، قد تكبر وقد تصغر ، على القانون بعد صدوره ، وربما فور صدوره ، حيث بات من المتوقع أن يتم عرض مشروع قانون معدل لقانون الجمعيات الخيرية على الدورة المقبلة للمجلس النيابي وبصفة الاستعجال ، يتضمن تعديلات تأخذ بعض أو معظم - لا أدري - مطالب ومناشدات المجتمع المدني ومنظماته المختلفة.
والحقيقة أن الذين اصطفوا على مائدة حوار الرئيس من ممثلي مراكز الدراسات ومؤسسات المجتمع المدني ، أجمعوا على "نقد مشروع القانون" وبشدة ، ومن ألفه إلى يائه تقريبا ، بدءا من تعريف "الجمعية" ومنعها من العمل السياسي ، مرورا بتعقيدات التسجيل والترخيص ، عطفا على صلاحيات الوزير والوزارة ، وانتهاء بحل الجمعيات وتمويلها وعقوباتها المغلظة ، وقد وضعت جميع هذه الملاحظات في مذكرات ومشاريع قوانين موازية ، ونوقشت في عدد لا بأس به من المؤتمرات والندوات ومع لفيف من السادة النواب والأعيان.
المهم ، أن الوقت من ذهب ، والرئيس رمى الكرة في ملاعبنا ، فالدورة القادمة للمجلس النيابي تقرع الأبواب ، ومشروع القانون قد يوشح بالإرادة الملكية ، والحكومة بشخص رئيسها عازمة على إدخال تعديلات على القانون بعد إقراره ، ومسؤولية المجتمع المدني ، تتجلى اليوم في عدة حلقات ومراحل: أولاها ، الاتفاق على التعديلات المطلوبة بوضع نصوص بديلة لنصوص المواد التي يتضمنها القانون ، واقتراح حذف أو إضافة مواد معينة ، بالتفصيل وبدقة وبصياغة نهائية أو شبه نهائية ، فالعموميات ما عادت تكفي أو تنفع...وثانيها ، الاتفاق على سلم اولويات للتعديلات المطلوبة ، بدءا بالأكثر أهمية ، علما بأن القانون يؤخذ عادة كرزمة متكاملة ، ولا يمكن ان ينظر لمادة منه على أنها أهم أو أقل أهمية من أي مادة ثانية...وثالثها ، حسم الجدل داخل مؤسسات المجتمع المدني حول التمويل الأجنبي ، كيفيته وشروط تنظيمه ورقابته ، فضلا بالطبع عن كيفية ممارسة الرقابة المالية على أداء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ، لكي تكون شفافة ونزيهة بدورها وهي التي لا تكف عن مطالبة الحكومة بالشفافية ومحاربة الفساد فحسب.
اللقاء مع الرئيس كان مفيدا للغاية ، وقد حرص على تسجيل كل ملاحظة قيلت في الاجتماع ، أما المجتمعون فقد خرجوا أكثر تفاؤلا ، وأشد رغبة في استئناف ما بدؤوه من مداولات حول مشروع القانون المثير للجدل.