حوار لقيادات وحزبيين سابقين يضع اليسار أمام أزمته

حوار لقيادات وحزبيين سابقين يضع اليسار أمام أزمته
الرابط المختصر

 

خلص مشاركون إلى أن تيارات وأحزاب اليسار الأردني تمر بأزمة، واختلفوا حول اليات الخروج منها، بين من رأى أن أزمة اليسار تتطلب خطاب واضح وبرامج عملية تخاطب الناس في مواقعهم، والتجديد في المفاهيم والروى، والذهاب إلى معركة التنوير، وبين من اعتقد أن اليسار ما زال يدفع فاتورة حقبة الأحكام العرفية التي مر بها سابقا، وأن الدولة بكل أجهزتها تتحمل المسؤولية عن الحالة التي مر بها من خلال تحييدة، ومنح الفرصة لتيارات إسلامية للظهور في المشهد السياسي.

 

جاء ذلك في حوار رمضاني نظمه مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية في مقره تحت عنوان (اليسار الأردني إلى أين؟) شارك فيه قيادات حزبية ويساريون ممن غادروا أحزاب اليسار، ونواب، وأداره الباحث هاني الحوراني وتحدث فيه النائب جميل النمري والأمين العام الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد) عبلة أبو علبة، ونائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني نضال مضية، والأمين العام لحركة اليسار الاجتماعي محمد الكفاوين.

 

وتعددت الرؤى بين المحاضرين والمشاركين، فبينما ذهب رئيس مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية العين بسام حدادين خلال مداخلته إلى الحاجة اليسار لتوسيع تحالفه وتطلعاته في المرحلة الحالية، وتوحيد جهود الإصلاحيين الديمقراطيين راهنا وخاصة في ظل تمدد "الفكر الظلامي".

 

وأضاف أن اليسار بحاجة حقيقية وجادة لإعادة التفكير من جديد بأزمته، والحديث بشكل منفتح لسبل الخروح منها، ومعالجتها، وتقديم حلول جذرية واقعية تؤسس لتيار ديمقراطي إصلاحي عريض يتمكن من الوقوف في وجه الأفكار الظلامية، وتباطؤ مسار الإصلاح والأخطار التي تهدد الوطن، معتبراً أن تحالف أحزاب اليسار مع الأخوان المسلمين "غش" للناس.

 

مدير الحوار الباحث هاني الحوراني نوه إلى أن أزمة اليسار باتت ملموسة ولا يمكن القفز عنها، موضحاً أن اليسار بشكل عام غائب عما يحدث بشكل لافت، وهذا لا ينفي الحاجة إلى وجود يسار فاعل وحقيقي ومؤثر، طارحاً أسئلة في هذا السياق: هل أزمة اليسار في تشرذمه؟ هل أزمته تتمحور في الايدولوجية؟.

 

 

نائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني نضال مضية استذكر في مداخلته الأزمات التي مر بها اليسار بفعل سياسة الاقصاء التي مارستها عليه أجهزة الدولة المختلفة منذ خمسينيات القرن الماضي، مستذكرا القوانين التي كانت تحرم وتحاسب الانتماء للحزب الشيوعي مثلا كقانون مكافحة الشيوعية والحملات الظالمة والافتراءات والكاذيب التي حيكت ضده.

 

وأشار أن اليسار قدم خلال الفترات السابقة نقدا موضوعيا ورزين للتجربة بشكل عام، فيما يتعرض اليسار أحيانا لحملة تشكيك من أقرب المقربين منه، داعيا إلى التمييز بين النقد الذي يهدف إلى التطوير والآخر الذي لا  يكون هدفه سوى التجريح والشتم وكيل التهم جزافا.

 

ورفض مضية من يقول أن اليسار بلا برامج واقعية وفاعلة وأنه فاقد للشرعية، معتبرا أن ذاك هو نفس الكلام الذي كان يواجه به اليسار في فترة خمسينيات القرن الماضي، لافتا إلى أن الشيوعيين كمثال كانوا دوما وطنيين يرفعون برامج تهم الوطن والمواطن ولطالما خاطبو المواطن وتحدثوا عن اليات النهوض به وبمستوى معيشته وأن القيادات الشيوعية ولدت من رحم الوطن ولم تكن دخيلة عليه. على حد تعبيره.

 

وأقر بحصول أخطاء خلال الفترات السابقة ولكن تلك الأخطاء لم تكن ذات صلة بالفكر الماركسي باعتباره نموذجا، وإنما في اليات التطبيق، ونوه إلى أن نقاشات جرت لكي يتم تجاوز الاخفاقات والبناء على ما تم انجازه، وأن البنية التنظيمية للحزب الشيوعي تغيرت بشكل أكبر وبدأ إشاعة الديمقراطية بين أعضاء الحزب، لافتا إلى أن أحزاب اليسار بشكل عام والشيوعيين يبحثون عن أشكال مبتكرة لبناء وحدتهم التنظيمية، وهناك محاولات جادة وحقيقية لتوحيد اليسار بشكل عام.

 

وشدد إلى أهمية بناء إطار فكري تنويري يتمكن من الوقوف في وجه الأفكار التكفيرية التي بدأت تغزو المجتمع، معتبرا أن ذاك يتطلب من اليسار التوحد وراء هذا الهدف والعمل من أجله.

 

أمين عام حزب الشعب الديمقراطي الأردني عبلة أبو علبة قالت عندما يتم الحديث عن اليسار فاننا لا نتحدث عن كتلة واحدة وإنما اليسار عبارة عن تلاوين وأشكال مختلفة، لافتة إلى أن الحديث عن أزمة اليسار يأتي دون أن يجري الحديث عن أزمة الرأسمالية.

 

وأضافت إلى أن بعض الدول العربية الغنية التي تشكل تابع للمنظومة الرأسمالية هي التي ساعدت النظام الراسمالي عام 2008 على النهوض من كبوته الكبرى التي مر بها، وهي التي تساهم في إدامة الفكر الظلامي.

 

وأشارت خلال مداخلتها إلى أن الأحزاب اليسارية اعتمدت منذ نشأتها على التنوير وهذا التنوير قام على أكتاف الطبقة الوسطى التي باتت تواجه حالة تهميش واضمحلال في الوقت الحالي لدرجة أنها باتت غير مرئية، معتبرة أن أزمة اليسار في حقيقتها انعكاس لأزمة المجتمع الذي يغيب عنه العدالة والمساواة والمواطنة.

 

والتقت مع مضية في أن فترة الأحكام العرفية التي كانت سائدة في معظم الدول العربية ومرحلة التضييق على الأحزاب اليسارية على وجه الخصوص أدت إلى عدم قدرة الأحزاب على التواصل مع جماهير الشعب ولذلك كان خطاب الأحزاب محصور ضمن نحبة معينة من الناس.

 

وذهبت إلى أن أحزاب اليسار الأردني ولأسباب تاريخية وموضوعية انشغلت كثيرا بالاهتمامات ذات الطابع القومي على حساب القضايا الداخلية المتعلقة بالصحة والتعليم والمسكن والحقوق والمساواة والحريات.

 

ودفعت أبو عبلة بأن اليسار الأردني بشكل عام حريص على تطوير المفاهيم التي كانت سائدة سابقا وهناك مراجعات جرت خلال الفترات السابقة كان لها أثر إيجابي وملموس على اليسار من خلال الخروج من نموذج الحزب الأوحد.

 

واستحضرت أبو علبة التي كانت عضو في مجلس النواب السادس عشر تجربتها البرلمانية والصعوبات التي واجهتها أثناء تعديل الدستور ورفض قوى راديكالية إضافة جمل تؤسس في التعديل للدولة المدنية ومحاربة ذلك بقوة.

 

أما عضو قيادة تيار اليسار الاجتماعي محمد الكفاوين فقد التقى مع سابقيه بأن اليسار عانى من ظروف القمع والأحكام العرفية السابقة والاضهاد والعزلة، مستذكرا ما كان يواجه اليسار من افتراءات أخلاقية وإنسانية وفكرية، بيد أن الكفاوين أشار إلى أن ذلك كله لا يمنعه من القول أن الحركة اليسارية في الأردن تواجه تخشب في النظرية، بحسبه.

 

وقال أن هناك محاولات مكثقة وعميقة لمواجهة ذلك والنهوض باليسار من جديد من خلال توجيه خطاب واقعي ومدروس لجماهير الناس يحاكي واقعهم ويتحدث عن همومهم المعيشية والإنسانية والفكرية.

 

النائب جميل النمري، كان الأكثر قسوة على واقع اليسار من خلال استعراضه ما يعانيه اليسار حاليا وابتعاده عن الناس، وفشله في الوصول إلى البلدية والبرلمان والاتحادات الطلابية والنقابات.

 

وقال في ورقته أن اليسار حاليا أضعف الأطراف في المشهد العربي والأقل تاثيرا على مجرى الأحداث، منوها إلى أن كلامه لا يعني فقط اليسار بمعناه الاضيق (اليسار الماركسي أو الاشتراكي) وإنما يعني اليسار التقدمي وحتى الليبرالي، وأن الجميع كقوى ديمقراطية في معسكر التنوير والتقدم في حالة مؤسفة من العجز والضعف.

 

وأشار النمري لإلى أن المجتمع لم يعاند اليسار التقليدي فحسب وإنما عاند اليسار الليبرالي أيضا مستعرضا تجربة شخصية كان أحد أركانها في فترة تسعينيات القرن الماضي عندما تم تشكيل تيار أو حزب يقوم على فكر اجتماعي ديمقراطي منحاز للديمقراطية والمجتمع المدني والعدالة الاجتماعية، وأن التجربة لم تحقق إنجازا يذكر لأن المجتمع لم يكن مؤهلا لتقبل وجهة نظر تنويرية.

 

وأوضح أن الأحزاب اليسارية ضمرت وتركها أضعاف ما بقي فيها من الكوادر، والقيادات فقدت أهميتها بصورة كبيرة وأصبح المستقيلون من الوسط التقدمي يشكلون الأغلبية الساحقة في الساحة وهم بلا إطار يجمعهم.

 

بيد أن النمري فتح طاقة فرج لأحزاب اليسار من خلال إشارته إلى أن هناك احتمال في حال اشتراكها في العمل المشترك تحت عنوان مشترك يمكن أن يجذب كل المستقلين الذين ابتعدوا قليلا أو كثرا عن الفعل السياسي ويمكن إعطاء عنوان لكل الاتجاه الديمقراطي والتقدمي في المجتمع شريطة القبول باليات ديمقراطية مرنة للتيار عموما وبعيدة عن صيغ التنسيق الحزبي القديمة، لافتا أنه لا يدعي أن ذاك سيحقق اختراق أو معجزة ولكنه يفتح فرصة ويضع الجميع أمام مسولياتها.

 

وعبر عن أعتقاده أن المستقبل لصالح الديمقراطية الاجتماعية كتيار رئيس داخل التيار اليساري نفسه، معتبرا أن تيار التنوير يمثل في منطقتنا أقليه وعليه أن يتحد ويتحالف مع جميع القوى لرد التطرف الديني والإرهاب وحماية الدولة الوطنية ومساندة مشروع المدنية والديمقراطية.

 

مداخلات المشاركين في الأمسية الرمضانية كانت في سوادها منتقدة لما آل اليه اليسار حاليا فتعددت الدعوات للبحث عن أشكال جديدة من العمل العام بعيدا عن الأفكار الخشبية، وبين دعوات للمراجعة النقدية الجادة، وبين أسئلة عن أسباب الانشقاق في اليسار والسبب الذي دفع بالبعض للخروج من تلك الأحزاب.

 

وتطرق مداخلون إلى أن اليسار بات يفتقد حاليا لخطاب يمكن أن يجمع الناس حوله، مع التسليم بأن اليسار ما زال يمتلك القدرة على فعل ذلك، فيما دفع آخرون إلى أهمية الخروج من بوتقة التنظير والذهاب إلى حلول واقعية تنعكس على الشارع، متسائلين عن البرامج الوطنية للأحزاب اليسارية، والحلول التي تقدمها لمعالجة الواقع الحالي ومدى مشاركتها في التنوير الذي من المفترض أن يقوم حاليا.

 

بالمقابل دعا متداخلون إلى عدم الذهاب كثيرا في جلد الذات، والنظر إلى الصعوبات التي مرت بها أحزاب اليسار والتضييق الذي ما زال يمارس عليها من قبل الجهاز الرسمي للدولة، معتبرين أن الأردن يعاني من أزمة ديمقراطية، وأنه في حال الذهاب إلى الديمقراطية الحقيقية فإن ذلك يعني منح فرصة أكبر للأحزاب للبناء والتواصل مع الناس.