حوادث نفوق الجمبري بالعقبة

تضارب تفسيرات السلطات والمختصين بالأردن يُنذر بتكرار حدوثها
الرابط المختصر

صباح يوم الأربعاء الخامس عشر من أيار/مايو 2024، اكتسى جزء من شاطئ الغندور، بمدينة العقبة في الأردن، باللون الأحمر، إثر نفوق الآلاف من صغار الجمبري؛ تمنى ساعتها الصياد محمد لو حظي بهذه الغنيمة في شِباكه، بدلاً من أن يلفظها البحر هكذا.

حادثة النفوق تكررت أكثر من مرة، في المنطقة نفسها (الشاطئ الأوسط)، وفي الفترة ذاتها تقريباً، فشهد عام 2020 حادث نفوق كائنات بحرية أخرى غير الجمبري، كالحبار الذي نفق بكميات قليلة سابقاً.

شِباك الصياد محمد -الذي اعتاد الصيد في مناطق مختلفة على شاطئ العقبة- لم تعرف صيد الجمبري إلا في المنطقة الشمالية، وبكميات قليلة غير تجارية؛ ما يثير تساؤلات حول وجود هذه الكميات الكبيرة بالعقبة.

خليج العقبة وجهة سياحية واقتصادية يقصدها السياح، خاصة هواة الغوص من جميع أنحاء العالم، بسبب لون مرجانه الفريد، وتعدد كائناته البحرية النادرة. لكنّ ظاهرة نفوق صغار الجمبري، أو أيّ أنواع بحرية أخرى، قد تُعرقل مساعي المدينة في إدراج المحمية البحرية على قائمة التراث العالمي.

ناصر الزوايدة، مدير محمية العقبة البحرية، أكد أن صغار الجمبري تقترب من الشواطئ بحثاً عن المُغذيات، وعند وصولها للشاطئ تتعرض للنفوق بفعل درجات الحرارة العالية، خاصة خلال الصيف.

لكنّ استنتاج الزوايدة ليس قاطعاً؛ فهناك بعض التقارير العلمية تخالف ما ذهب إليه.


في تقرير صادر عن محمية العقبة البحرية بشأن الحادثة، أشار إلى رصد أعداد كبيرة من الجمبري صغير الحجم (1.5 إلى 3 سنتيمترات تقريباً) نافقة على الشاطئ الأوسط. وأرجع علماء ومختصون في البيئة البحرية هذه الحادثة إلى التغير في درجة الحرارة، الذي يؤدي إلى خلط عمودي وأفقي للمغذيات في مياه البحر، وما يصاحب ذلك من زيادة أعداد الكائنات الحية؛ بما فيها الطحالب التي تزداد بشكل كبير في هذه المناطق، الأمر الذي قد ينتج عنه اختلاف في نسب الأكسجين الذائب المتوفر.

نتائج التحاليل المخبرية أشارت إلى زيادة نسب المغذيات مثل النيتريت (مركب كيميائي ينتج من وفرة المياه العادمة التي تجاوزت القيم الطبيعية)، وتجاوز حدود المواصفات الأردنية في قيم الفحوصات الجرثومية (الميكروبيولوجية) في أحد أنواع البكتيريا المؤشرة إلى تلوث بمياه صرف صحي.

محمية العقبة البحرية رفعت توصية إلى سلطة العقبة الخاصة، تتضمن عمل فحوصات إضافية تشمل المعادن الثقيلة، والملوثات العضوية، والطلب على الأكسجين الكيميائي الحيوي.

علي السوالمة، مدير محطة العلوم البحرية في العقبة، أشار إلى عاملين مذكورين في التقرير؛ هما زيادة التبخر نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدي إلى تركز الملوثات، مضيفاً: "تبخر المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تغير في نوعية المياه الساحلية، المتمثل في ارتفاع تركيز الملوثات الأساسية، مثل الأمونيا، وما ينتج عنها من نيترايت ونيتريت، في حال وصول المياه العادمة والملوثات إلى البحر".

مصدر رسمي (فضل عدم ذكر اسمه) يؤكد هذه الخلاصة بالإشارة إلى تسرب مياه الصرف الصحي بمنطقة الشاطئ الأوسط، الذي تسبّب في حدوث تلوث ونفوق الجمبري.

فقد اشتُبه سابقاً في حدوث تلوث كيميائي أدى إلى حالات نفوق بحرية، ولكن تبين لاحقاً وجود نسبة تلوث من مياه صرف صحي، يُعتقد غالباً أنها نتجت عن أعمال إنشائية لفندق بمنطقة "الكورنيش"، حيث إن إقامة المشروع على مقربة من الشاطئ، وما صاحبها من عمليات حفر، نتج عنها خروج كميات كبيرة من المياه، تمّ التخلص منها عن طريق صرفها عبر أنبوب يصب في البحر مباشرة.

لكن في المقابل، قال الدكتور أيمن سليمان، مفوض البيئة والمحميات الطبيعية في سلطة العقبة الخاصة، إن أنبوب المياه الموجود بمنطقة الشاطئ الأوسط يخص أحد المشروعات، وإن المياه الصادرة منه مياه بحرية، حيث إن السلطة كانت تعتزم تحويل المياه لمدينة آيلة الإسلامية، قبل أن تقوم دائرة الآثار بأعمال إعادة تأهيل المدينة؛ ما جعل السلطة تتخذ قراراً بتحويل المياه للبحر.

سليمان قال إنهم يقومون بأخذ عينات بشكل دوري للتأكد من جودة المياه وعدم تغيرها، وفي حال تغيرت المياه يتم نضحها لمحطة التنقية.

وحتى يُسدّ هذا الباب عقب حادثة النفوق، أوقفت سلطة العقبة الخاصة ضخ أنبوب المياه للبحر، وتمّ سحب المياه من خلال 39 صهريجاً ونقلها لمحطة التنقية.

المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أضاف سبباً آخر محتملاً للنفوق، وهو استخدام قوارب الصيد، وبعض القوارب الزجاجية، محركات تخلط البنزين مع الزيت.

الدكتور علي السوالمة، مدير محطة العلوم البحرية في العقبة، يؤكد أن جودة المياه بمنطقة الشاطئ الأوسط قد تختلف عن المياه في المناطق الأخرى من البحر؛ بسبب وقوع الشاطئ على منطقة تزدهر بالأنشطة البشرية كالسباحة، وما يصحبها من ممارسات كإلقاء النفايات من الزوار.

السوالمة قال أيضاً: "إن الضغط البشري على استخدامات الشاطئ، المتمثلة بالفعاليات الترفيهية مثل السباحة، والقوارب السياحية، والرياضات البحرية، يؤدي إلى تأثير بيئي مباشر أو غير مباشر في مياه البحر والكائنات البحرية".

ومن جانبه أضاف الزوايدة أن 85 في المئة من النفايات المُستخرجة من حملات تنظيف جوف البحر هي من البلاستيك؛ إذ استخرجت كوادر السُّلطة 13 طناً من النفايات، بعد أن استوطنت بحر العقبة وموائله الطبيعية، وذلك في فترة امتدت لسبعة أشهر منذ بداية عام 2024.

كما أن جغرافية وشكل شاطئ الغندور، وما به من زوايا بشكل الشاطئ، يحد من تجدد المياه أحياناً.


الجمبري يُعدّ من الكائنات الحساسة تجاه الضوء، لذا يخرج للشاطئ ليلاً بحثاً عن المغذيات، لكن مع وجود منشآت صناعية وغيرها على الساحل الأردني، فإن الإنارة الليلية لهذه المنشآت قد تتسبّب في نفوق الجمبري، بحسب بعض الآراء.

الأمر الذي يؤكده الدكتور فؤاد الحوراني، البروفيسور في كلية العلوم بالجامعة الأردنية، بأن نفوق مجموعات من صغار الجمبري يعود للتلوث الضوئي؛ فإنارة شّوارع العقبة تصل للبحر في منطقة الشاطئ الأوسط، وفي المنظومة المينائية الممتدة على الشاطئ الجنوبي، على عكس الدول المتقدمة التي لا توجّه أيّ إنارة صناعية نحو الشاطئ، حتى لا تتسبّب في اجتذاب صغار الكائنات نحو الضوء، ما يؤدي إلى نفوقها، وبالتالي يؤثر في دورة تكاثرها؛ فالكثير من الكائنات تعتمد على ضوء القمر في ما يعرف باسم "الدورة القمرية"، وليس على الأنوار شديدة السطوع.

كما أشار الحوراني إلى أنه رفع توصية لسلطة العقبة الخاصة، بضرورة وجود تعليمات في المنشآت الساحلية. وقال إن الملوثات من أكثر ما يؤثر في الكائنات البحرية، وخصوصاً المرجان، فبالرغم من إمكانية عيشه مئة عام، فإنه كائن حساس للملوثات بما فيها التلوث الضوئي.

ولكنّ الدكتور أيمن سليمان، يؤكد عدم وجود علاقة للإضاءة بنفوق صغار الجمبري، مشيراً إلى أن رأي الأساتذة كان بشأن تركيب سلطة العقبة كشافات إضاءة في منطقة الشاطئ الجنوبي.

أسباب متضاربة

ظاهرة نفوق الكائنات البحرية تكررت بالمنطقة العربية؛ في الكويت تمّ تسجيل حادثة نفوق للأسماك في مياه الجون في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر عام 2000، التي أدت إلى نفوق ما يزيد على ثلاثة آلاف طن من الأسماك؛ ما يعادل سبعين مليون سمكة، بحسب التقديرات في ذلك الوقت.

وفي اليمن، في منطقة الشحر بمدينة المكلا في حضرموت، نفقت أطنان من الجمبري عام 2024، وأرجع مختصون بالدول التي تكررت بها الحادثة أسباب النفوق إلى إلقاء مخلفات الصناعات الكيماوية والنفطية، بجانب أسباب أخرى طبيعية، نتيجة تغير خصائص المياه البيولوجية أو الكيميائية أو الفيزيائية بشكل كبير ومفاجئ. بالإضافة إلى أسباب بشرية ترجع بالأساس إلى تأثير الأنشطة البشرية والممارسات البيئية الخاطئة، التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع ومتكرر في المناطق الساحلية وغيرها من المسطحات المائية.

ويحدث النفوق الجماعي للأسماك بشكل طبيعي بسبب النمو الفجائي وغير الاعتيادي للعوالق أو الهائمات النباتية (طحالب مجهرية دقيقة)، التي تتكاثر في المياه السطحية بصورة فائقة، ما يؤدي إلى استنفاد أو نقص الأكسجين المذاب بالمياه.

سلطة العقبة الخاصة أكدت أن القوارب السياحية لا تفرغ حمولتها من الصرف الصحي بالبحر، وعند حدوث أيّ تلوث يكون لدى السلطة المعرفة من خلال العينات المأخوذة من قبل مختبر "بن حيان"، التابع لسلطة العقبة الخاصة.

الدكتور أيمن سليمان، أكد أن السلطة أجرت الفحوصات اللازمة، وتواصلت مع أكاديميين بالبيئة البحرية، الذين أكدوا طبيعية هذه الظاهرة.

وبذلك تبقى أسباب نفوق صغار الجمبري في العقبة متضاربة؛ ما يؤشر إلى إمكانية تكرارها لعدم تحديد أسباب حدوثها.