حقوق الطفل أعلى من الجدل
من المنتظر ان تبدأ جولة جديدة من النقاشات الساخنة حول مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022 الذي شغل المجتمع الأردني طوال الأسابيع الفائته انقسم على إثره المواطنين والمواطنات ما بين مؤيد ومعارض للقانون بعد أن أضاف مجلس النواب القانون إلى جدول أعمال جلسته التي يعقدها الاثنين 12 أيلول سبتمبر الجاري بعد ان أقرته اللجنة النيابية المشتركة التي تضم اللجنتين القانونية والمرأة والأسرة.
تلخيص الجدل حول القانون في اتجاهين : اتجاه معارض يدعي أنه مخالف للمنظمة الدينية والأخلاقية لمجتمعنا العربي المحافظ ، واتجاه مدافع عن القانون يؤكد أن نصوص القانون بالمجمل تتسق مع المبادئ الحقوقية التي يجب ان يتمتع فيها الجميع بغض النظر عن الجنس أو العمر أو أي خلفية دينية أو اجتماعية او عرقية مختلفة.
وبغض النظر عن الخلاف لا بد من الانتباه إلى حقائق أساسية وهي أن الحقوق لا يجب ان تكون خاضعة لوجهات النظر فهو حق بالحماية والرعاية والتعبير ..الخ لا يجوز المساومة عليه .
كما ان هذا القانون هو تشريع محلي يختلف عن الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل وهي ما استند إلى نصوصها كثير من المعارضين الشرسين للقانون وهم للأسف لهم صدى واسع بين طبقات مجتمعية واسعة.
ولا يجب ان نغفل ان الحكومة تحفظت على العديد من البنود المثيرة للجدل في الإتفاقية، مراعاة للخصوصية الأردنية مثل المواد 14 و20 و21 من الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وهذه المواد تتعلق بالتبني وحرية اختيار الدين.
وجاء هذا التأكيد مكررا على لسان وفاء بني مصطفى وزيرة الدولة للشؤون القانونية خلال جلسة تشريعية لمجلس النواب لمناقشة قانون الطفل في يوليو/تموز الماضي، وأشارت إلى المادة الخامسة من مشروع القانون التي تنص صراحة على أن " التنشئة السليمة للطفل تحترم الحرية والكرامة والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية".
واضافت "كما جاء بالأسباب الموجبة أن هذا التزاما بالتعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب والتي تتكلم عن حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة من جميع أشكال الإساءة والاستغلال وأيضا، التزاما من الأردن بالإيفاء بالتزاماته الدولية المتعلقة بالاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل لعام 2006".
الحقيقة الأخرى أن مشروع القانون هذا يمس شريحة واسعة من الأردنيين والأردنيات تصل نسبتها إلى 40 في المئة من سكان الأردن دون سن 18 عاما ، أي حوالي 4.2 مليون طفل، وفق دراسة نشرتها اليونيسف في عام 2021.
وقالت الدراسة إن حوالي 50 في المئة من الأطفال تعرضوا للإيذاء الجسدي من قبل الوالدين أو الأوصياء القانونيين ومعلمي المدارس والأشقاء، ذلك فضلا عن تزايد التنمر على شبكة الإنترنت.
وهذا يتفق مع مبدأ قانوني عام وهو ان التشريعات عند إقرارها يجب ان تمس شريحة واسعة من الأشخاص كمبرر لصياغتها وإقراراها، وثانيا الحاجة الملحة لإقرار قانون ما وهو في هذه الحالة : زيادة حالات العنف الموجه تجاه الأطفال واجتياح ظاهرة التنمر وبخاصة الإلكتروني صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، بخاصة تلك التي يقبل عليها الأطفال والشباب المبكر والتي لا تجذب البالغين وكبار السن، وتمارس في تلك التطبيقات والمواقع مخالفات جسيمة لمبادئ دينية وأخلاقية تصل العديد منها إلى شبهات الإتجار بالبشر، بل حالات حقيقية لممارسة هذه الجريمة!.
كما تتفق بنود القانون بالمجمل مع مبادئ دستورية عامة تصون الحريات وتضمن حرية الرأي والتعبير لجميع الأردنيين والأردنيات بالغين كانوا أم أطفالا، حيث جاء النص الدستوري مطلقا ولم يحدد عمرا ولا وسيلة أو طريقة ، مع الإشارة إلى أن نصوص مشروع قانون الطفل ربطت ذلك بمراعاتها لعمر الطفل وحالته العقلية وأن لا يخالف قانون آخر ساري المفعول .
وبغض النظر عن النقاش الدائر لا بد ان ننتبه كآباء وأمهات أن مسؤولية حماية أبنائنا هي مسؤولية مشتركة، يجب ان نتحملها بجدية، وعلى الدولة بكافة مؤسساتها ان تضمنها عبر تشريعات حازمة وصارمة تحرص على سلامة أطفالنا سواء من يعيشون في كنف أسرهم وعائلاتهم، أو من تقوم مؤسسات خاصة أو رسمية برعايتهم أو من تتولى أسر حاضنة تلك المسؤولية .
الكرة اليوم في ملعب مجلس النواب فإن أراد تحقيق مصلحة الطفل تحت مظلة دينية وأخلاقية تحترم السياق الإجتماعي الأردني، على النواب بذل الجهد لتحسين نصوص المشروع وإقراره لما فيه مصلحة أطفالنا وأسرهم ومن يقومون برعايتهم لا فرق.