"حرب باردة" بين الخطابين العلماني والإسلامي
أناشد جميع المواطنين وكل مفكر "مختفي" أو ناشط ثقافي للتحرك والرد والمساهمة في إثراء الحوار حول ما يتم نشره بين أسبوع وآخر في وسائل الإعلام الأردنية عن دور المناهج التعليمية الأردنية بتكريس الفكر الإقصائي والتطرف ورفض الآخر، كما يدعي الكتاب والإعلاميين و"بعض الباحثين".
أي نعم مناهجنا بحاجة لتطوير لكن على الثوار ضد المناهج كما يقول زميلي محمد الفضيلات في ثورتهم "يجب أن تكون شاملة، نعم المناهج إقصائية، وتشجع على التطرف، ولا تؤسس لمفهوم مواطنة قائم على المساواة، كلام سليم تجرأ على قوله الجميع، لكن لم ينتبه أحد أو يرغب في الانتباه، لما تتضمنه المناهج من تدمير للمفاهيم العلمية لصالح زرع ولاءات سياسية في عقول الطلاب، وقائمة النقد المجهري تطول".
إن الإدعاء بأن هذه المفاهيم الدينية موجودة في كتب يدرسها طلبة الأردن بحاجة لبرهان، يمكن تقديمه من خلال قياس مدى الأثر الإجتماعي والفكري والعقدي لدى المتلقين لكي لا يبقى هذا الكلام ضربا بالميت.
والبرهان يمكن وضعه من خلال إخضاع عينة من الطلبة دروسوا المنهاج "التربية الإسلامية واللغة العربية على وجه الخصوص" وهي التي يهاجمها الثوار "ما غيرهم" ومن ثم إجراء دراسة قياس المعرفة والذكاء والسلوك عليهم، والخروج بنتائج علمية.
درست كغيري من الأردنيين هذه المناهج 12 مرحلة دراسية، وفي مرحلة جامعية ولا اعتقد أنني أحمل فكر إقصائي متطرّف، ولا أخفيكم خوفي من هذا الكم الثوري الذي يمكن أن يؤدي إلى تدمير ما تبقّى من هويتي الوطنية والإسلامية إن صح التعبير.
في جميع هذه المراحل، كم من معلومة عملية أو أدبية خاطئة تعرضت لها، سواء في الكتاب أو قدمها المدرس شارحا وجهة نظره المقدسة التي لا تقبل النقاش؟ وأين نحن من الثورة على مناهج العلوم بجميع تخصصاتها، أو التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية ؟.
منهاج التربية الإسلامية الذي يزعج البعض والذي ذكرته الأستاذة رنا الصباغ في مقالها في صحيفة الغد بأنه (منهاج مليء بمفاهيم انتقائية من السُنّة، لا يجوز تلقينها للأطفال، مثل: القتال، المرتد، الجهاد، هدر الدماء، استباحة الأموال، الإيمان عنوة مقابل السلامة والمال، وإقامة الصلاة عنوة.. إلخ)، واستشهادها برأي الأكاديمية العلمانية زليخة أبو ريشة بأنها مفاهيم لا تؤدي إلى مجتمع متسامح أو إلى "إسلام سمح"، ما دام الطلبة يتعلمون أن عليهم رفع السيف على من لا يشاطرهم العقيدة .. وهنا أقتبس.
ما الضير في تعلم الطالب هذه المصطلحات ضمن سياق الدرس؟ وما الضير أن يضاف إليها تعليم الطلبة من قبل المدرس أو تضمين المنهاج درسا في نقد الأفكار والآراء، ما الضير في تنظيم المدرس وفقا لإرشادات يتم تضمينها في كتاب المعلم مناظرة بين الطلبة لتقديم الفكرة من فريق ونقدها من فريق آخر وتبادل أدوار الطلبة في التناظر؟.
وبأي يحق يتم الإدعاء بأن الطالب الدارس لمفهوم القتال والجهاد والمال _ والتي ذكرت في المقال مجتزئة من سياقها _ سيتعلمون رفع السيف على من لا يشاطرهم العقيدة ؟، هل رفع معلموا التربية الإسلامية وخريجوا الشريعة وعلماء الدين الإسلامي "في الأردن" السيف على من خالفهم العقيدة ؟.
المفاهيم الإقصائية التي يطالب "الثوار" بحذفها، لا تقل خطورة عن وجودها، وذلك أن المادة المحذوفه سيحل مكانها مادة أخرى أحادية التوجه أيضا، يتم "تلقينها" للطالب.
التلقين ذاته هو المشكلة، فأنا مجبر على سماع رأي المذيع، والمفتي، وخطيب الجمعة، والمدرس وأستاذ الجامعة، والثائر على المنهاج دون الرد عليه وفق أدبيات الحوار.
ولوزارة التربية والتعليم نصيب من نقدي، حيث يقول الثوار أن الوزارة غير قادرة على تحديث المناهج لأسباب موضوعية، ولأن أول من سيعارض ذلك هو غالبية موظفي الوزارة ومن ورائهم جهاز البيروقراطية المحافظ والتقليدي والذين ينتمون للإخوان المسلمين الذين احتكروا الوزارة لنصف قرن، لكن ما دقة وحقيقة هذا الطرح ؟ وهل يعقل أو يقبل أن نطلق على كل من خالفنا واختلف عنا بالفجوة الثقافية والقيمية والتوجه السياسي "متطرف، داعشي، إقصائي .. الخ .
نقرّ بأن هناك صراع حقيقي بين الخطاب العلماني الذي يحمله تيار وبين خطاب الأصالة والموروث الشعبي أو الخطاب المحافظ "الراديكالي إن شئتم"، لكن أي من هذه الخطابات والتيارات لا يحق لها الإدعاء بإمتلاك الإجابات عن جميع الأسئلة، وأرجوا الّا تكون "الحرب الباردة" بين هذه الخطابات في المدارس، بعد أن كانت في الأحزاب والمواقف والصالونات السياسية وأعمدة الصحف.
آن الأوان لمنظومة تربوية متكاملة صحيح، آن الأوان لجلوس العلماني والسلفي والإخواني واللآديني والمسيحي والمختفي للجلوس إلى طاولة واحدة "ليست طاولة ملكية ولا طاولة منسف ولا طاولة سفيرة" طاولة يتعلمون عليها سماع بعضهم وتقبّل واحترام الآراء المطروحة، وأن يعلنوا "اتفاقية سلام" تؤسس لما بعدها.