حادثة "اللنبي" قابلة للاحتواء لكنها تنذر باستمرار التوتر

الرابط المختصر

ماذا حدث؟

وقع حادث إطلاق نار على المعبر الحدودي بين الأراضي الفلسطينية والأردن في 8 سبتمبر 2024، أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين من "حراس الأمن" وإصابة اثنين، بالإضافة إلى مقتل مطلق النار، فيما أعلنت سلطة الموانئ الإسرائيلية عن إغلاق جميع المعابر الحدودية مع الأردن، في حين أعلنت عمان إغلاق جسر الملك حسين إثر "إغلاقه من الجانب الآخر لإشعار آخر".

 

نظرة عن كثب:

أعلنت كل من إسرائيل والأردن عن بدء التحقيقات في الحادثة، التي تُشير المعلومات الأولية أن منفذها أحد سائقي الشاحنات الأردنية التي تنقل البضائع التجارية إلى الضفة الغربية عبر الحدود. ووفقاً لسيناريو الجيش الإسرائيلي للحادثة، فقد فتح المنفذ النار من مسدس على عناصر الحراسة التي كانت تؤمن عمليات التفتيش. بخلاف ذلك؛ فإن تفاصيل إطلاق النار ومعلومات المهاجم قيد التحقيقات الرسمية في الدولتين، والتي يُفترض أن تجيب عن تساؤلات مُلحة حول طبيعة العملية وخلفياتها واحتمالية أن تكون عملية "منفردة" أو تأثر منفذها بأيديولوجيات معينة.

وفي الواقع، تم تسليط الضوء على الحادثة، بالنظر إلى سياقها، إذ تعتبر الأولى من نوعها على المعبر الحدودي بعد أن ظل بعيداً عن تداعيات الحرب في قطاع غزة وعن الممارسات الإسرائيلية التي ترتب عنها كُلف إنسانية غير مسبوقة على الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية، إلى جانب الاستفزازات والانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى ومحاولات تغيير الوضع القائم فيه، وتُضاف هذه الحادثة إلى غيرها من الحوادث السابقة التي كانت عاملاً في توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية، من بينها قتل إسرائيل قاضٍ أردني عند المعبر في مارس 2014، والقبض على نائب أردني بمحاولة تهريب كميات من الأسلحة والذهب عبر الحدود في أبريل 2023، قبل إعادة تسليمه للأردن لاستكمال التحقيق معه.

وفي الوقت نفسه، تُجدد الحادثة المخاطر المترتبة عن استمرار الحرب وتداعياتها، خاصة في تأثيرها على الخطاب العام والتحذيرات المستمرة من اتجاهه لتفضيل العمل المسلح، كما تُعيد إلى الأذهان تهديدات عمليات إطلاق النار الفردية، بعد عقود من آخر عملية مشابهة وقعت في مارس 1997، في منطقة الباقورة.

 

نقطة انعطاف!

إن تداعيات الحادثة على المستويين الأمني والسياسي وعلى العلاقات الأردنية الإسرائيلية ستبقى محدودة، بالرغم من سياقها المتزامن مع الحرب في قطاع غزة والتصعيد في الضفة الغربية، وتوتر علاقات الدولتين جراء ذلك، إذ تتطلب الحوادث من هذا النوع ضبط النفس لدى الطرفين، ومن المحتمل أن يشهد التحقيق الذي تجريه كل دولة على حدا تنسيقاً متبادلاً ونتائج مشتركة.

مع ذلك؛ قد تتمثل نقطة الانعطاف؛ في تغذية الحادثة لخطابات الحكومة اليمينية الإسرائيلية والمتطرفين فيها، خاصة تجاه ادعاءاتهم المستمرة بتهريب السلاح من الأردن إلى الضفة الغربية، والإعلان بين الحين والآخر عن إحباط عمليات تهريب أسلحة قادمة من الأردن، وغالباً ما تتهم إسرائيل، إيران في محاولات التهريب تلك، إذ سبق أن اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في أواخر أغسطس 2024، إيران بمحاولة فتح ما أسماها "جبهة شرقية"، عبر تهريب الأسلحة إلى الأردن. وذلك في محاولة لتحويل الحدود من "سلمية إلى جبهة مشتعلة".

وقد استمرت الحكومة الإسرائيلية بادعائها ذلك في تصريحاتها حول عملية إطلاق النار، إذ سارع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقول بأن إسرائيل محاطة بـ" أيدلوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني"، بالرغم من استبعاد صلة المنفذ بإيران، واستباقاً لنتائج التحقيقات. إلا أن الحوادث المتكررة على الحدود تضع الأردن وسط معادلة الصراع الإسرائيلي-الإيراني، بالرغم من محاولاته تجنيب أراضيه كُلف ذلك الصراع وتداعياته، وقد أثبت قدرته على إدارة ذلك الصراع من خلال كفاءة مؤسساته المعنية التي امتلكت خبرات تراكمية في منع الأزمات وإدارة الصراعات المحيطة ومنعها عن التأثير على أمن البلاد واستقرارها.

وبذلك؛ فإن الاستخدام الإسرائيلي للورقة الإيرانية، يُشير إلى نمط بات يُستخدم بكثافة في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، بهدف تغيير الوقائع وإرساء معادلات جديدة على حدوده المشتركة مع كل من الأردن ومصر، ما يُشير إلى احتمالية استغلال الحكومة الإسرائيلية لحادثة إطلاق النار في تجديد نواياها ومخططاتها لبناء جدار على طول الحدود مع الأردن، حيث تربط ذلك بدواعي أمنية. وعلى غرار تمسكها بالبقاء في ممر فيلادلفيا بالرغم مما يُسببه ذلك البقاء من توتر مع مصر، ما يُنذر ببقاء العلاقات الإسرائيلية مُتوترة مع دول الطوق وتحديداً الأردن ومصر، لكن دون تصعيد سياسي أو دبلوماسي يتعدى وتيرته الحالية.

من جهة أخرى؛ من المُرجح أن تنعكس الحادثة سلبياً على عمليات إيصال المساعدات الأردنية إلى قطاع غزة، والتي تعتمد على جسر الملك حسين في طريقها إلى القطاع، وبإغلاق المعبر من الطرفين فإن المساعدات الغذائية التي تتضمن وجبات وطرود غذائية جاهزة منها مُهددة بالإتلاف، وقد يؤخر دخول المساعدات شهور قادمة، إلى جانب أن إسرائيل ستستغل هذه الحادثة بإضافة قيود ومعيقات على عمليات إدخال المساعدات، حيث يُرجح أن تعدل إسرائيل إجراءاتها وبأن تتبع عمليات تفتيش معقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً.

أضف تعليقك