استمعت محكمة جنايات عمان يوم الأربعاء لشهادة شاهد النيابة وزير العدل الأسبق أيمن عودة، والتي استمرت لـ4 ساعات متواصلة.
وأكد عودة خلال الجلسة التي ترأسها القاضي اميل رواشدة وعضوية القاضي أشرف العبد الله، أن الدولة لم تتكبد خلال وزارته أي دينار لصالح المستثمر البريطاني، كما أنها لم تؤجر للمستثمر ولم تبعه ولم تتنازل له عن أي "متر أرض" واحد، لقاء وقف رخصة الكازينو.
وأضاف بأن المستثمر، شركة أويسيس، البريطانية، حصل على موافقة مجلس وزراء في عهد حكومة معروف البخيت الأولى على إنشاء كازينو في البحر الميت، لكن الحكومة نفسها قررت تأجيل العمل بالقرار إلى إشعار لم تحدده.
وقال عودة للمحكمة إن رئيس الوزراء الذهبي استدعاه إلى مكتبه المخصص له في مبنى مجلس النواب، بعد تشكيل الحكومة، لكنه لم يستطع تحديد متى كان ذلك بالضبط.
وقال في شهادته المطولة، إن الذهبي عرض عليه نسخة اتفاقية كازينو البحر الميت، طالباً منه مراجعتها وبحث السبل القانونية لإنهائها.
وأضاف أنه استعان بمحام إنجليزي مرخص في بريطانيا، عندما تبين له أن الاتفاقية تحتكم للقانون البريطاني، وتم ذلك بناء على تكليف شفوي من الذهبي، رئيس الوزراء.
وأشار في رده على سؤال للفاعوري إلى أن عدّة اتفاقيات وقعتها الحكومة الأردنية، تعتمد للتحكيم الأجنبي خارج الأردن.
وكانت النية تتجه بادئ الأمر، وفق عودة، لإنهاء الاتفاقية برمتها، وتم إعداد صيغة قرار أولية لهذه الغاية، إلا أن بعض الوزراء طلب منه البحث عن بدائل أخرى.
وبناء على طلب الوزراء، استعان عودة حسبما قال في شهادته، بمكتب محاماة بريطاني، غير المحامي الأول الذي استعان به.
وبين عودة في شهادته أن مكتب المحاماة طرح 4 بدائل، من بينها تسليم الشركة المستثمرة (أويسيس) إشعاراً بمخالفات قامت بها، وانتظار ردها، على أساس أن تقوم الحكومة بإنهاء الاتفاقية الأصلية عندما تمر المهلة دون رد الشركة.
إلا أن (أويسيس) ردّت في رسالة جوابية، ورد فيها إقرارها بعدّة وقائع، من بينها موضوع "ملكية الشركات التي قدمت عرضين" لغايات إنشاء الكازينو، ولم يكشف عودة مزيداً من تفاصيل لأنه أفاد بعدم تذكره بالتحديد لمضمون الرسالة.
في تلك المرحلة، يقول عودة، أجرت الحكومة اتصالاً مع شركة (أويسيس) وتم ترتيب موعد لاجتماع في مكتب رئيس الوزراء الذهبي، وهو ما تم بحضور عودة ووزيرة السياحة في حينه مها الخطيب، والمستثمر مالك الشركة شوّان الملا – المتهم بالقضيّة -، وممثل الملا في الأردن، ميشيل هربرت.
وبناء على سماع عودة باستعداد المستثمر لإنهاء الاتفاقية مقابل منحه حق الأفضلية لإنشاء الكازينو حالما تقرر الحكومة ذلك، قام – وفق شهادته – بإعداد اتفاقية بسيطة قصيرة، لكنه لم يبرزها في الاجتماع كونه تم التوصل لـ"خطوط عريضة للتسوية".
وشعر ممثلو الشركة، خلال الاجتماع، بتوجه الحكومة لإنهاء اتفاقية الكازينو – التي كانت مؤجلة بقرار من حكومة البخيت الأولى – تحدثوا عن نيتهم طلب تعويض يقدرونه بناء على أرباح كازينو أريحا، إلى جانب مبلغ يتراوح من 2 – 3 ملايين دولار، خسائر مباشرة لهم، إلا أن ذلك لم يحدث، ورفضه الذهبي عندما أبلغه عودة بإمكانية التفاوض وتعويض الشركة بمليون دولار مقابل إغلاق الملف، حسب الشهادة.
ووفق ما نقل عودة عن الاجتماع، فإنه تم التوافق شفوياً على إنهاء ترخيص الكازينو مقابل منح المستثمر حق الأفضلية بإنشاء واحد إذا قررت الحكومة الأردنية ذلك، وتمكين (أويسيس) من إقامة مشروع سياحي على الأرض المخصصة لبناء الكازينو والبالغة مساحتها 100 دونم، بواقع 25 ألف دينار للدونم، إلى جانب تخصيص قطعة أرض ثانية في منطقة البحر الميت، مساحتها 50 دونماً بواقع 15 ألف دينار للدونم الواحد.
وتابع عودة ناقلاً عن ذلك التوافق، أنه جرى على أساس أن يتم تأجير قطعتي الأرض للشركة لمدة 3 سنوات يتم خلال هذه المدة تطوير الأراضي من حيث البنية التحتية وغيرها، تمهيداً لبيعها.
وفي غضون السنوات الثلاث، حسب الشهادة، تلتزم الشركة بدفع 35% من إجمالي كلفة تطوير الأرض الأولى البالغة 25 مليون دولار، و35% من إجمالي تطوير القطعة الثانية البالغ 10 ملايين دولار.
وقال عودة إنه وفق الاتفاق "إذا تم صرف هذه المبالغ (من قبل أويسيس) خلال مدة 3 سنوات تلتزم الحكومة بنقل ملكية (قطعتي الأرض) للشركة".
وتم إعداد مشروع اتفاقية مكملة لتنفيذ الاتفاقية، وفق عودة الذي قال إنها تجبر المستثمر على تقديم ما يزيد عن 12 مليون دولار كاستثمارات في الأردن.
وبعد جدل في الحكومة، نقل عودة عن رئيس الوزراء الذهبي طلبه أن يتم توقيع الاتفاقية مع المستثمر بحيث لا تكون نافذة إلى بعدما تعرض على مجلس الوزراء، ويوافق الأخير عليها.
ووقع عودة والخطيب من طرف الحكومة الأردنية، ووقع المستثمرون من جانبهم، وعرضت الاتفاقية على مجلس الوزراء وصادق عليها، حسب شهادة وزير العدل الأسبق.
وانقطع عودة حسب شهادته عن الموضوع من شهر نيسان 2008 عندما تم توقيع الاتفاقية، حتى تموز من العام نفسه، إلا أنه علم في وقت لاحق أن الدولة بصدد تسليم الشركة قطعتي الأرض "وربما تكون سلمتها فعلاً".
وقال عودة إنه خاطب رئاسة الوزراء أو وزارة السياحة مؤكداً ضرورة أن يتم توقيع عقد إيجار لمدة 3 سنوات مع المستثمر قبل البيع والتنازل، كما أن قطعة الأرض الثانية يجب أن تكون أقل سويّة (مواصفات أدنى) من القطعة الأولى.
وأكد أنه بعد ذلك، تم وقف إجراءات تسليم قطعتي الأرض للمستثمر.
وجرت اتصالات حكومية داخلية لاختيار قطعة أرض بمواصفات أقل من القطعة ذات الـ100 دونم، وعندما تم ذلك، رفض المستثمرون مقترح الحكومة، حيث كانوا يرغبون بقطعة أفضل، وفق عودة.
وتابع الشاهد أن موقف الحكومة كان عدم جواز تخصيص القطعة الثانية لتكون بجوار القطعة الأولى، لأن السعر مختلف.
وامتدت المفاوضات لفترة، وتخللها ورود الحكومة كتاباً من مكتب محاماة أجنبي، وصفه عودة بأنه من "أكبر 5 مكاتب محاماة في العالم"، يطلب حل الموضوع ودياً مع الشركة بما يرضيها.
وقال عودة إن المكتب أشار إلى أنه "بخلاف ذلك، سيطالب بفسخ الاتفاقية المكملة، وتعويض المستثمر" وأن المحامين الأجانب "قد يلجأون باسم الشركة ومساهميها لحماية حقوقهم من خلال تطبيق اتفاقية دولية تتعلق بحماية الاستثمارات الأجنبية".
وجرت اتصالات على إثر ذلك مع مكتب المحاماة المشار إليه ومع المحامين الإنجليز الذين قال عودة إن الحكومة عينتهم، ليتم التوصل في النهاية إلى تعديل الاتفاقية المكملة.
وبالمفاوضات، تم التوصل إلى إلغاء تخصيص قطعة الأرض الثانية ذات الـ50 دونماً، وتوسيع قطعة الأرض الأولى (100 دونم) في الوقت نفسه، لتصبح مساحتها 117 دونماً، بسعر 25 ألف دينار للدونم، وفق عودة، الذي أشار إلى أن ذلك جاء "لتمكين الشركة الأجنبية من إقامة مشروع سياحي أو عقاري حسما تقرر".
وعندما تم إعداد مشروع اتفاقية معدلة للاتفاقية المكملة لاتفاقية الكازينو لهذه الغاية، أصبحت منطقة البحر الميت منطقة تنموية، تخضع لسلطة هيئة المناطق التنموية، بدلاً من سلطة وادي الأردن، وتواصلت المفاوضات بحضور أطراف حكومية جديدة، لكن دون طائل.
وقال عودة إن حكومة الذهبي استقالت في حينها، وبقي هو وزيراً في حكومة سمير الرفاعي الأولى.
وأضاف أنه بعد تشكيل حكومة الرفاعي بفترة، أرسلت كتاباً لرئيس الوزراء لأطلب تشكيل لجنة وزارية تحدد إجراءات السير بموضوع الأراضي والاتفاقية المعدلة الجديدة، لكنه لم يتلق رداً.
وبين أنه علم في وقت لاحق، بحفظ كتابه في الرئاسة، فأتبعه بكتاب لاحق يطلب فيه التوجيه.
وقال "لم أتسلم جواباً .. وخرجت من الحكومة" الأولى.
وأكد عودة أنه في فترة عضويته بالحكومتين، لم يتم تأجير المستثمر "ولا متر أرض .. ولم يتم بيع أي قطعة أرض للشركة أو التنازل عن أي متر أرض .. ولا دفع دينار واحد" تعويضاً للمستثمرين.
وشهدت مناقشة وكيل الدفاع عن الدباس – المتهم بالقضية – المحامي الفاعوري، إجابات مطولة من عودة، وأخرى أفاد فيها بأنه لايستطيع التذكر على وجه التحديد، التفاصيل التي يسأل وكيل الدفاع عنها.
لكنه أفاد بأن الشركة لم توجه أي إنذار عدلي من قبل كاتب عدل للحكومة، ولم تقم أي دعوى قضائية عليها في الأردن أو في الخارج.
وفي سؤال للفاعوري بشأن السبب الذي دفع الذهبي للطلب من عودة إنهاء الاتفاقية برمتها، لم يقدم عودة إجابة محددة لذلك.
وقال أول مرّة "لأنه كان فيه قرار صادر عن حكومة البخيت بتأجيل العمل" بقرار تفويض الدباس بالتوقيع على الكازينو.
ثم قال "لا أستطيع الحديث نيابة عن الذهبي" وأردف بإجابة ثالثة "لا أستطيع أن أحدد ماذا" دار من حديث مع الذهبي في اللقاءات المختلفة.
وقال أيضاً "لأن الذهبي لم يكن يرغب بإنشاء الكازينو" وعاد وقال "تذكرت الموضوع"، بسبب وجود قرار تأجيل العمل، لكنه لم يجب ما علاقة قرار التأجيل كمبرر لوقف الاتفاقية.
وحاول الفاعوري الحصول على إجابة دقيقة من الشاهد حول سبب التأجيل إلا أنه لم يقدم ذلك.
على صعيد آخر، قال عودة إنه لا يتذكر قول معروف البخيت خلال لقائه به بحضور الخطيب والمحامي الإنجليزي توني وايت إن الاتفاقية توجيهات "من فوق".
ونفى أن يكون هو والخطيب قاما بأي تحقيق بمعنى التحقيق الجزائي أو الإداري مع موظفين حكوميين أو وزراء سابقين، كما أن الذهبي لم يطلب منهما ذلك.
وخلال المناقشة، قال عودة إن الشركة أرسلت كتاباً للحكومة في شباط 2008، تقول إنها ستحيل الأمر للتحكيم الدولي إذا لم ينته الموضوع، مشيراً إلى أنه اطلع على هذا الكتاب.
وهذه أول مرة يذكر شاهد من بين عشرات الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم بقضية الكازينو، هذا الأمر.
وكشف عودة عن أن وزارة المالية تحملت أتعاب المحامي الإنجليزي المترافع (وايت) ومكتب المحاماة البريطاني، وربما تكون هيئة المناطق التنموية تحملت تكاليف ذلك لاحقاً عندما أصبح البحر الميت خاضعاً لسلطتها واشتركت في المفاوضات.
وقال إن الاتفاقية المكملة – السارية حالياً – تعدل بعض بنود اتفاقية الكازينو، وتلغي أي مطالبات لأي طرف على الآخر نشأت قبل تاريخ توقيعها (نيسان 2008).
وأكد أن الحكومة ليست ملزمة بإنشاء أي كازينو "إلى الأبد" بعد الاتفاقية المكملة، كما أنه لا يحق للمستثمر إنشاء أي كازينو دون موافقة الحكومة الأردنية.
وقال إنه اطلع ضمن ما اطلع عليه من أوراق خلال جمعه لوثائق الكازينو، على عروض مقدمة من شركات لغايات إنشاء الكازينو، وعلى تقييم لتلك العروض.
وأشار إلى أنه لا يذكر الآن إذا كان المستثمر شوان الملا يعلم بتأجيل العمل باتفاقية الكازينو عندما اجتمع مع نادر الذهبي والخطيب وعودة، كما أنه لا يذكر إذا تم إخبار الملا بذلك.
ولدى سؤال الفاعوري بشأن الجهة التي حددت أسعار قطعتي الأرض، (25 ألف دينار للدونم و15 ألف دينار للدونم)، قال عودة إنه لم يكن له دور بتحديد السعر، لكن الذهبي أبلغه به.
وقال إن الذهبي أبلغه بسعر 25 الف دينار للدونم للقطعة الأولى، بينما حدد سعر 15 ألف دينار للدونم للقطعة الثانية على أن يتم اختيار قطعة أرض بسعر قريب من هذا.
وأجلت محكمة جنايات عمّان جلسة الاستماع لشهادة وزير العدل الأسبق أيمن عودة، لاستكمال مناقشته من قبل وكيل الدفاع عن وزير السياحة الأسبق أسامة الدباس، المحامي يوسف الفاعوري، إلى يوم الأحد المقبل، في قضية كازينو البحر الميت.