جدل حول استخراج نحاس من محمية ضانا.. لصالح من؟
جدل كبير يدور في الساحة الأردنية، بعد قرار السلطات الأردنية التنقيب عن النحاس في محمية ضانا الطبيعية، التي تقول الحكومة إنها تحتضن في باطنها ملايين الأطنان من مادة النحاس.
وتأسست المحمية عام 1989، وتعد أكبر محمية طبيعية تديرها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، حيث تبلغ مساحتها 292 كم من المناظر الطبيعية، بالإضافة إلى التضاريس المتعرجة التي تواجه حفرة الانهدام.
وتعدّ المحمية الوحيدة في الأردن التي تحتوي على الأقاليم الحيوية الجغرافية الأربعة: إقليم البحر الأبيض المتوسط، الإقليم الإيراني-الطوراني، إقليم الصحراء العربية، والإقليم السوداني؛ لذلك فهي أكثر المناطق تنوعاً في الأردن من ناحية الأنظمة البيئية والأنماط النباتية، كما تتميز المحمية بأنها موئل ما تبقى من غابات السرو الطبيعية المعمرة.
وأثار توجه الحكومة للتنقيب في المحمية حفيظة المدافعين عن البيئة، إذ أطلق ناشطون أردنيون وسم #انقذوا_ضانا، الذي تصدر موقع تويتر؛ رفضا لقرار الحكومة التنقيب في المحمية، بينما تساءل آخرون حول مصير هذه الثروة إذا استخرجت، وكيفية إدارة عوائدها.
"احتياطات كبيرة"
بدورها، قالت الحكومة الأردنية إن دراسات أجرتها سلطة المصادر الطبيعية سابقا قدرت كميات النحاس في مناطق بمحمية ضانا بحوالي 20 مليون طن، وفي منطقة خربة النحاس بحوالي 25 مليون طن.
بينما أعلنت الأمينة العامة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، أماني العزام، أن كميات النحاس تقدر بـ45 مليون طن تقريبا في منطقتين في محمية ضانا.
وأشارت إلى أن الاحتياطات تقدر في المنطقة الشمالية بـ(40-50) مليون طن من النحاس، وفق دراسات أولية.
وبينت وزارة الطاقة في بيان صحفي، الخميس، أنه "نظرا لأهمية استغلال الخام كثروة وطنية ترفد الاقتصاد وتخلق فرص العمل، وافق مجلس الوزراء في عام 2016 على السماح بالتنقيب عن النحاس والمنغنيز، ضمن إحداثيات منطقة محددة من محمية ضانا".
وتابعت الوزارة عليه، فقد تم بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 2016 توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة المتكاملة للتعدين والتنقيب، ضمن إحداثيات منطقة محددة داخل المحمية، وبمساحة 61 كم في المنطقة الشمالية من المحمية (خربة النحاس)، و45 كم من المنطقة الجنوبية للمحمية (فينان)، علما بأن مساحة محمية ضانا تبلغ 292 كم، وقد تم تمديد هذه المذكرة منذ ذلك التاريخ أربع مرات.
إلا أنه وبسبب تكرار ممانعة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من دخول الشركة ومستشاريها إلى العديد من مناطق مذكرة التفاهم، لم تتمكن الشركة منذ عام 2016 وإلى تاريخه من استكمال متطلبات مذكرة التفاهم، بما في ذلك دراسة الأثر البيئي للمنطقة الجنوبية، واستكمال الدراسات التنقيبية للمنطقة الشمالية.
وأكدت أنه "تجنبا للتجربة السابقة بهذا الخصوص، ولأهمية الاستثمار في استغلال النحاس، ولتجنب ما حدث سابقا من عدم السماح للشركة الراغبة في التنقيب عن النحاس من الدخول إلى المنطقة المقترحة، فقد تم التداول مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من خلال وزارة الطاقة ووزارة البيئة، وذلك لتحديد منطقة مقترحة من محمية ضانا لغايات التنقيب التفصيلي عن النحاس، وبحيث تكون الأقل ضررا إذا ما تم اقتطاعها من المحمية، على أن يتم تعويض المحمية بمنطقة بديلة عنها، بحيث تحافظ المحمية على مكانتها الطبيعية والحيوية والسياحية، وبحسب المعايير الدولية السائدة".
"رفض التنقيب"
واستهجنت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة سعي الحكومة للتنقيب في المحمية، التي قالت إنها معترف بها في الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
وقال رئيس مجلس الجمعية، وزير البيئة الأسبق، خالد الإيراني، "إن محمية ضانا تعد جوهرة من جواهر الأردن، باعتراف المؤسسات الدولية، من بين أهم 100 موقع عالمي، فيها 900 نوع نباتات بعضها جديدة لم يسجلها العالم.. صناعة التعدين، خصوصا النحاس، صناعة ملوثة، كما أننا نشكك بالجدوى الاقتصادية لذلك".
وأضاف لـ"عربي21": "الأهمية العالمية والمجتمعية أهم من التعدين اقتصاديا.. لم نستشر في قرار الحكومة باقتطاع أراضٍ من المحمية، ونستنكر ذلك، ونستغرب تصريحات وزارة البيئة التي تقوم سيتم منح مناطق أخرى للمحمية مقابل الأراضي المقتطعة، الموضوع ليس تبديل أراض، إنما كل أرض لها أهميتها العالمية والطبيعية".
يضيف أن "الفرصة الاستثمارية الجيدة هي وجود المحمية بأهميتها العالمية، والأموال المستدامة المتأتية من السياحة البيئية، دون أن نلوث هذه المنطقة المهمة، فلو أدخلنا التعدين -لوكان مجديا- ممكن أن تستفيد الأردن مؤقتا، سندمر المنطقة، ولن تستفيد منها الأجيال اللاحقة، قيمتها البيئية تفوق بكثير القيمة التعدينية الملوثة".
تغير مناخي
أما المختصة بالتغير المناخي، والخبيرة البيئية، صفاء الجيوسي، تقول لـ"عربي21": "الحكومة تريد تجريف محمية ضانا للتنقيب عن النحاس في إحدى المحميات الطبيعية العالمية، ضاربة بعرض الحائط تلوث الهواء وبصمة الأردن الكربونية وتبعات التغير المناخي، وتريد الاستيلاء على أجزاء من المحمية، والأسوأ أن الوزارة المعنية بالبيئة في بيانها تريد أن تجد أماكن جديدة للمحمية، وكأن الموضوع بهذه السهولة، وهذه هي الجهة المسؤولة عن حماية البيئة، وأن الدراسات التي تبين الموارد التي سيتم استخراجها والجدوى الاقتصادية، ولماذا لا تكون منشورة للاطلاع؟".
وتابعت: "بحسب قانون حماية البيئة الأردني ٢٠١٧ المادة ١٢، يحظر القيام بأي نشاط أو أي تصرف من شأنه التأثير سلبا على البيئة في مناطق الشبكة الوطنية للمناطق المحمية، أو من شأنه التأثير سلباً على النظم البيئية البرية والبحرية، أو التسبب في تدهورها، أو القيام بأي تصرف من شأنه الإخلال بالتوازن الطبيعي في أي منها، بما في ذلك ما يلي تدمير أو قلع أو صيد الطيور أو الكائنات البرية والبحرية النباتية منها والحيوانية والمرجان، أو نقلها أو قتلها أو إيذائها أو حيازتها، أو القيام بأي أعمال من شأنها القضاء عليها كليا أو جزئيا، أو بيعها أو عرضها، أو التجول بها حية أو ميتة، أو التصرف فيها، وكذلك إتلاف التكوينات الجيولوجية أو الجغرافية أو الأماكن الطبيعية والجمالية، التي تعد موطنا لأنواع الحيوانات والنبات ولتكاثرها، أو تدمير أي منها".
إلا أن وزارة الطاقة الأردنية أكدت في بيانها على ما أسمته "التنويع الحيوي، وفي الوقت ذاته الاهتمام بالمشاريع الاستثمارية الواعدة، وبما يحافظ على حقوق ومصالح جميع الأطراف، بما في ذلك المجتمعات المحلية، والتوسع في فرص العمل، حيث من المتوقع أن تبلغ كلفة الاستثمار في المنطقة حوالي 200 مليون دينار، وأن توفر فرصا للعمل، خاصة لأهالي المناطق المحيطة بها، تقدر بحوالي 1000 وظيفة مباشرة، ونحو 2500 وظيفة غير مباشرة".
بعد سياسي وأزمة ثقة
وتحاول الأردن البحث عن مصادر دخل من خلال استكشاف ثرواته مثل النفط والمعادن لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة، إذ بلغ إجمالي الدين العام للأردن سجل العام الماضي 47 ملياراً ونصف المليار دولار، ويتوقع أن يتخطى الدين العام الأردني العام الحالي 50 مليار دولار.
من ناحيته، شكك المحلل الاقتصادي والسياسي، فهمي الكتوت، في قدرة الحكومة الأردنية عكس هذه الاستثمارات والموارد على الاقتصاد.
وقال لـ"عربي21": "لا يوجد ثقة بالحكومات الحالية، تجارب سابقة مريرة لاستثمارات فشلت في تنمية البلاد، سلطة المصادر الطبيعية قدمت سابقا تقارير عن المعادن الموجودة في الأردن، لكن لم تجر الاستفادة منها، أو تم خصخصتها لصالح مستثمرين أجانب".
يتساءل: "كيف تبلغ مبيعات الأردن من البوتاس وأملاحها 500 مليون دولار سنويا، بينما على الطرف الآخر الاحتلال تبلغ مبيعاته ما يقارب 6 مليارات سنويا".
آراء الأردنيين تنوعت بين مؤيد ومعارض، ونشر مغردون صورا للمحمية، مطالبين الحكومة بالحفاظ عليها، بينما دعا آخرون إلى خلق توازن بين استثمار كنوز الأردن الدفينة والمحافظة على البيئة.