ثلاثون عاما على أول معاهدة سلام عربية - إسرائيلية

الرابط المختصر

نهض الخطاب السياسي الذي قاد الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس المحتلة وصولا إلى توقيعه قبل ثلاثين عاما على أول معاهدة سلام عربية مع إسرائيل.. نهض هذا الخطاب على ما يمكن اعتباره ركائز أو فرضيات ثلاث:

الأولى: أن السلام على الجبهة المصرية سيستتبع سلاما على الجبهة الأساسية: الجبهة الفلسطينية ، وستتاح لأول مرة بعد عقدين على نكبة العرب الكبرى في فلسطين ، فرص حل هذه القضية حلا عادلا وشاملا.

الثانية: أن سلام مصر مع إسرائيل ، بما سيؤسس له من سلام عربي إسرائيلي شامل ، سيجعل حرب أكتوبر ـ تشرين الأول 1973 آخر الحروب العربية الإسرائيلية.

الثالثة: أن السلام سيأتي بالرفاه الاقتصادي ويفضي إلى بناء "مجتمع الوفرة" الذي يستحقه ملايين المصريين الذين دفعوا من دمهم ودموعهم وعرقهم التكاليف الباهظة للحروب العربية الإسرائيلية المتعاقبة.

اليوم ، وبعد مرور ثلث قرن تقريبا على زيارة السادات التاريخية الأشهر للكنيست الإسرائيلي ، لا يبدو أن أي من هذه الفرضيات قد ثبتت صحتها أو صمدت في مواجهة عاتيات الأحداث ، فكيف ذلك؟.

الفرضية الأولى ، أنه وبعد ثلاثين عاما من المعاهدة ، نشهد اليوم ، ما يشبه الإجماع العربي والفلسطيني ، على أن فرص حل القضية الفلسطينية إلى تراجع ، وأن فرص قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني إلى تقلص ، خصوصا بعد أن تأكد في مرحلة ما بعد "الحرب على غزة" و"الانتخابات الإسرائيلية" أن الدولة العبرية ، لم تنضج بعد للسلام على الجبهة الفلسطينية ، وأن مرور الزمن يجعل فرص التوصل إلى حل تفاوضي للقضية الفلسطينية متعذرة تماما.

الفرضية الثانية: وتلخصها عبارة "لا حرب بدون مصر ، ولا سلام من دون سوريا" ، سقطت هي الأخرى ، فمنذ المعاهدة وحتى يومنا هذا ، شنت إسرائيل ست حروب واسعة النطاق على الشعبين الفلسطيني واللبناني 1978( ، 1982 ، 1996 ، 2002 ، 2006 2008و ـ 2009 ) ، وقارفت مئات "العدوانات" ضد أهداف فلسطينية ولبنانية وعربية (بغداد ، تونس ودمشق) ، وفجّر الشعب الفلسطيني انتفاضتين كبريين ضد الاحتلال الإسرائيلي عامي 1987 و,2000

وترتب على هذه الحروب والعدوانات سقوط أعداد من الضحايا تفوق ما سقط منها في الحروب السابقة للزيارة وكامب ديفد والمعاهدة ، وارتكبت إسرائيل خلالها من المجازر بحق المدنيين العزل والأبرياء ما يجعل "المجازر المُؤَسًسَة للدولة العبرية" كدير ياسين وقبية وغيرها ، تفاصيل صغيرة.

أما الفرضية الثالثة: فرضية أنهار "عسل السلام ولبنه" التي ستتدفق بغزارة في محيط النيل وبموازاته ، فقد كانت الأكثر تهافتا من بين كافة الفرضيات المؤسسة لكامب ديفيد والمعاهدة ، بدلالة حقائق الواقع الاقتصادي والاجتماعي لثمانين مليون مصري ، التي تؤكد أن وعود الرفاه والازدهار لم تكن سوى "حقن تخدير" لطمأنة الشارع كسب تأييده ، ووسيلة مؤقتة وآنية لتسويق عمل لم يكن العقل الجمعي العربي قادر على تخيله قبل حدوث الزيارة بساعات.

لكن ، وبرغم سقوط فرضيات المعاهدة انهيار ركائز فلسفتها ، إلا إنه يسجل للرئيس السادات أنه بقفزته الكبرى إلى الكنيست ، نجح في تحطيم حاجز نفسي كبير ، حيث أصبح الاتصال والتفاوض وتبادل الزيارات مع إسرائيل أمرا مألوفا في عالم السياسة والأعمال في المنطقة العربية ، ولولا العدوانية الإسرائيلية المنفلتة من عقالها ، ولولا نجاح قوى المقاومة في إثبات نفسها كلاعب رئيس على مسرح المنطقة في السنوات العشر الأخيرة ، لتفككت كل الجدران النفسية وانهارت ، لكن كل جدار كان الرئيس الراحل من معه وتبعه ، يطيحون به ، كانت إسرائيل بغطرستها وعنصريتها وفاشيتها ، تبني مقابله عشرة جدران ، ويكفي ما أدت إليه الحرب على غزة من تعميق الفجوة ورفع الجدران التي تباعد ما بين الرأي العام العربي والاحتلال الإسرائيلي.

اليوم ، وبعد مرور ثلاثين عاما ، يظل سلام مصر مع إسرائيل "سلام حكومة لحكومة" لا "سلام شعب لشعب" ، والأرجح أن قاعدة مؤيديه تتآكل يوما إثر آخر ، فيما الدعوات لإعادة النظر فيه ، مبنى والتزامات ، تتسع لتشمل سياسيين ومثقفين كانوا من أشد داعميه ذات يوم.