تهريب النصاب من "المجلس" إلى "القمة"
لو انعقدت جلسة مجلس النواب أمس وناقشت في بند ما استجد من أعمال موضوع القمة العربية، هل كان باراك سيوقف حملته على غزة؟ هل كان باراك أوباما سيدخل البيت الأبيض فازعاً للرئيس بوش مرددا أغنية فيروز "كنت أدري يا صديقي أنا أيامي قليلة؟" هل وهل..؟
لا شيء مما ذكر أعلاه. كان سيقف رئيس الوزراء أمام النواب (سيقوم وزير الخارجية بتدوين ملاحظات أثناء إلقاء الكلمة) وفي الخطاب سيقول كل شيء، ولن يقول شيئاً. سيكرر موقف الأردن الرسمي بوصف ما يجري بالعدوان، ويضع عنوانا للتحرك السياسي "وقف العدوان". وسيسرد ما قدمه الأردن على مستوى سياسي وإنساني. مشيدا بتحرك الشارع، مؤكدا أن الحكومة ستواصل نهجها الانفتاحي..
لن تقدم الكلمة إجابة قاطعة إن كان الأردن سيشارك في قمة الدوحة أم لا؟ فالأردن بالمحصلة، على رأي الزميل فهد الخيطان، "اختار الوقوف في المنطقة الوسطى او الرمادية، فيما يخص القمة الطارئة رغبة منه في الحفاظ على علاقاته التقليدية مع مصر والسعودية من جهة، ومن جهة اخرى الابقاء على خطوط الاتصال القوية مع الدوحة التي استعادت زخمها مؤخراً".
من حق النواب أن يسعوا للشعبية في موضوع مثل موضوع غزة. والحكومة في المقابل حاصلة على الثقة، ولم تطرح الثقة بها وتستطيع اتخاذ الموقف الذي تراه مناسبا بخصوص القمة. وقد فوّت من هرّبوا النصاب منبرا مهما يحتاجه المجاهدون الصامدون في غزة، بقدر ما يحذره المجرمون القابعون في واشنطن وتل أبيب.
ليس صحيحا أن الموقف اللفظي لا قيمة له. فالمعركة هي على الرواية. والنتائج على الأرض لن تتغير. فحماس لن تقضي على إسرائيل وإسرائيل لن تقضي على حماس. إلا أن رواية المقاومة صدحت في العالم كله –باستثناء تل أبيب وواشنطن– فثمة شعب مظلوم يقاوم وثمة احتلال واغتصاب. حتى عاصمة الحل السلمي أوسلو لم تسلم فيها سفارة دولة الاحتلال. وكذا لندن عاصمة وعد بلفور. يدرك الإسرائيليون حجم الخسائر التي سببها صمود أهل غزة. فسفاراتهم في كل العالم غدت كمرجم إبليس الذي يرجمه الحجيج. وتعرت قوتهم منزوعة من أي معيار أخلاقي، ونسف معظم الزيف الذي نسجوه في العقل الغربي بأنهم ضحايا العرب الذين يريدون رميهم بالبحر.
ترسم ريشة العدو وعملائه المعركة الأسطورية في غزة بأنها حرب غير مجدية، مثل معركة نهر البارد التي قضى فيها نحو ثلاثة آلاف. هذه رواية زيف لم تنطل على الأمة. كل قطرة دم فيها لها قيمة، وبلا مبالغة يتمنى كثيرون لو تراق دماؤهم فيها. وإن كان في العراق قضى أربعة آلاف عربي في مواجهة الأميركي، فغزة لو فتحت إليها طريق لقضى أضعافهم.
في العراق اختلطت الحرب الأهلية بالمقاومة، هنا معركة إجماعية لا ينعزل فيها إلا العملاء. من صمد كأهل غزة؟ غطيت حرب تموز في خطوط التماس. لبنان كان قارة مقارنة بغزة. لم تنقطع المياه ولا المحروقات عن الناس فضلا عن المقاتلين، غزة محاصرة ومخنوقة منذ حصول حماس على الأكثرية. وأهلها يخوضون أشرس معركة عرفها التاريخ الحديث.
ألا يستحق هؤلاء قمة لأجلهم؟ ألا يكفي ما فعله العجوز التركي من إحراق نفسه؟ لم يكن مطلوبا من النواب أن يحرقوا أنفسهم. على الأقل أن لا يهرّبوا النصاب.











































