تناقض أنباء مرض عرفات يكشف تناقضات الإعلام الأردني

الرابط المختصر

أعلن وزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث، في مؤتمر صحفي عقده أمس الثلاثاء بعد زيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مستشفى بيرسي بباريس، أن "الرئيس ما زال على قيد الحياة حيث أن قلبه ورئتيه ودماغه ما زالت تعمل لكنه في وضع حرج". في حين أكد وزير فلسطيني رفض ذكر اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية وفاة الرئيس أمس الثلاثاء. وأضاف "لقد توفي وهذا أمر مؤكد، لكن المسألة تكمن في معرفة كيف ومتى سنعلن ذلك".



انفلونزا أو سرطان الدم .. غيبوبة أو موت سريري .. حياة أو موت ... الإعلام الأردني تجنب الدخول في هذه المتاهة وآثر الراحة، سواء بالالتزام بالرواية الرسمية الفلسطينية أو بالاكتفاء بتقارير وكالات الأنباء العالمية، دون الخوض في تفاصيل تناولتها وسائل إعلام عربية وعالمية.

محرر الشؤون العربية والدولية في صحيفة "الرأي"، حازم مبيضين، يرى أن "الرأي" لم تلتزم بالرواية الفلسطينية الرسمية بقدر ما التزمت بالمعلومات ذات الصدقية العالية. "توفرت لدينا في بعض الأحيان معلومات، لكنها لم تكن مؤكدة وموثوقة مئة بالمئة، وتجاوزناها، لأننا لا نريد أن نفقد مصداقيتنا أمام قارئنا".

قلة من وسائل الإعلام الأردنية حرصت على وجود مراسل خاص بها في رام الله، موقع الحدث، زودها بتقريرين أو ثلاثة خاصة بها. صحيفة "العرب اليوم" مثلا، ليس لديها مراسل في رام الله. يبرر محررها للشؤون العربية والدولية، عزام جرار، ذلك باعتمادهم على اتصالات مباشرة مع المسؤولين الفلسطينيين. "وجود مراسل في مكان الحدث هي مسألة ضرورية، لكن يمكن تحقيق غرضها من خلال علاقات الصحفيين هنا مع المسؤولين في مكان الحدث".

لكن محرر الشؤون الفلسطينية في صحيفة "الدستور"، نواف الزرو، يرى أن الإتكالية والاعتماد على وكالات الأنباء الدولية غير مبرر. "وكالات الأنباء الرئيسية تتولى تغطية الأحداث المركزية على الساحة الدولية. لكن هذا لا يمنع إطلاقا أن تقوم كل مؤسسة إعلامية بواجباتها الخاصة بها وعلى خلفية مهنية، حتى تستطيع تلك المؤسسة أن تكسب ثقة الرأي العام والقارئ".



ويؤكد أن التكاليف المالية تؤخذ بالحسبان. "مؤسساتنا بشكل عام تعاني من المسألة المالية، وتدعي الفقر إلى حد كبير".



التحليلات الإخبارية والمتابعات المحلية للحدث وتبعاته، بما فيها استطلاع آراء شخصيات فلسطينية وأبناء مخيمات في الأردن حول تداعيات غياب عرفات على القضية الفلسطينية، غابت عن اليوميات باستثناء "الغد".

أما الأسبوعيات فقد خلى أغلبها من أي ذكر لتدهور الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني. ومن تناوله منها فكان تحت مانشيتات مثيرة بعيدة عن مضمون التقرير، باستثناء بعض التقارير في أسبوعيات "الحدث" و"اللواء" و"السبيل".

لم تغامر غالبية وسائل الإعلام الأردني بإثارة الأسئلة والشكوك حول الغموض المحيط بماهية وأسباب مرض عرفات والتناقضات في تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، وما أثير من احتمالية تعرضه لتسمم مدبر. وهي قضايا أثارت حيرة وقلق الشارع الفلسطيني الذي استطلعته وكالات الأنباء العالمية وبعض وسائل الإعلام العربية، وأغفلته وسائل الإعلام الأردنية. ولم يتطرق الإعلام الأردني إلى انعكاس غياب عرفات المحتمل على الوضع في الأردن.



كما تجنب الخوض عميقا في مسألة الخلافة والصراع على السلطة في ظل غياب عرفات. فكانت المقالات مجاملة فيها من التمنيات بشفاء الرئيس والحفاظ على وحدة البيت الفلسطيني أكثر مما فيها من التحليل السياسي. ويعزو جرار السبب إلى طبيعة الساحة التي يكتب منها الكاتب. "هنا في الأردن، لقرب الساحة من موطن الحدث، يكتبون بطريقة عاطفية أكثر منها بطريقة تحليلية".

ويشير محرري اليوميات الثلاثة إلى حساسية الوضع الفلسطيني، بما فيه موضوع مرض الرئيس عرفات. يقول جرار: "لا يحتمل أن ننتقد الرئيس في هذا الوقت الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بجوارحه وعواطفه وأن ننكأ جرحه ونقول له عرفات فعل وقصر، والمسؤول الفلاني ينتظر بانتهازية. نحن أمام عدو ينتظر أن نصل إلى شكل من الفرقة أو أن ينهش بعضنا البعض".



هل كان لهذه السكينة الإعلامية مبررا سياسيا تمثل في محاذير حساسية العلاقة الأردنية-الفلسطينية، كما يرى محرر "الرأي"، أم هو نتيجة كسل أو ضعف مهني، كما يشير محرر "العرب اليوم"، أم انخفاض سقف حرية الإعلام، كما يقول محرر "الدستور"؟



يقول مبيضين: "رغم أن الأردن أعلن أكثر من مرة أنه دولة ليست لديها أية أوهام حول استعادة الضفة الغربية لتكون جزء من المملكة الأردنية الهاشمية. السلطة الفلسطينية أحيانا تقبل بهذه المقولة وتستوعبها وتعلن مواقفها على هذا الأساس. في أحيان أخرى لا. أحيانا تترجم هذه الحساسية بصوت عال، والأردن ليس بحاجة إلى أن يسمع هذا الصوت في الأوقات الصعبة".



ويلفت إلى أن الإعلام يجب أن يراعي مصلحة وطنه. "وأتحدث هنا عن مصلحة الدولة الأردنية التي تمر بمرحلة صعبة جدا وهي بين نارين شرقا وغربا، ويمكن لأي شرارة تسير باتجاه الأردن أن تسبب حريقا نحن في غنى عنه".



في حين يرى جرار أن الصحف اليومية على مستوى المنطقة كلها، ليست لديها القدرة على التنبؤ والاستعداد وتقديم خلفية لكل خبر. "يعملون في الخبر اليومي كأنه حدث اليوم ولن يتكرر غدا. فمثل وفاة الشيخ زايد يجب التحضير لها وتسليط الضوء عليها لأن هناك حدثا متوقعا. لكن هذا غير موجود في صحفنا. في الحقيقة هو تقصير. ليس له أية علاقة بالأوضاع المالية، هذا يمكن أن يقوم به فريق أو أرشيف الجريدة إذا كان يعمل بأسلوب مركز معلومات. يعد عن هذه الشخصية".

ويؤكد الزرو على أن حجم الحقيقة والمعلومة له علاقة مباشرة بسقف الحريات العامة، حرية الرأي والتعبير والنشر في مقدمتها. "في بلداننا العربية واضح تماما أن الخطاب الرسمي العربي يفرض نفسه بالكامل على كل وسائل الإعلام. في المشهد الإعلامي الأردني، كغيره من المشاهد العربية، سقف حرية الرأي والتعبير حتى الآن ليس مرتفعا كما يجب. الخطاب الإعلامي الأردني هو خطاب رسمي إلى حد كبير، ونحتاج في الحقيقة إلى مزيد من حرية الرأي والتعبير، حتى يستطيع المواطن أن يتابع الحقيقة كما هي. الوظيفة الإعلامية هي تزويد المواطن بالحقيقة".



ويضيف: "هناك أيضا مخاوف معينة لدى المؤسسات الإعلامية من أن تدخل في دوامة الإشاعات والتنبؤات خوفا من عدم المصداقية في العلاقة مع الشارع. المؤسسات لدينا تخشى في الحقيقة من التحليل والتنبؤ إلى حد كبير. لا تستطيع وسائل الإعلام أن تجازف بتحليلات وتنبؤات معينة قد تؤثر على مصداقيتها وعلاقتها مع الشارع".



قد تكون العوامل السابقة جميعها حددت المعالجة الإعلامية الأردنية لمرض الرئيس عرفات، يضاف إليها الغموض الذي اكتنف مرضه وتضارب الأنباء، وهو ما سبب إرباكا لكافة وسائل الإعلام في العالم.