تمجيد العنف في المجتمع

الرابط المختصر

لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ ونسمع ونشاهد حدوث حالات من العنف الاجتماعي التي تتمثل في المشاجرات الجماعية باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة إلى الجرائم العائلية إلى الجرائم الاجتماعية التي تصل إلى حد القتل ولأسباب واهية. عشرات التعليقات والتصريحات حاولت فهم أسباب هذه المشاكل وكان أكثر التفسيرات تداولا الابتعاد عن الدين والأخلاق وكذلك الضائقة الاقتصادية ، بينما وجد البعض أن أفضل التفسيرات هي تحميل المسؤولية للحكومة كما هي العادة حتى في حال قام جار بقتل جاره بسبب هاتف خلوي. ما يثير الإنزعاج أن هذه المشاكل تحدث حتى في شهر رمضان حيث يفترض أن تكون التقوى والإيمان والاحترام والتراحم عناصر أساسية في السلوك اليومي.

يجب أن نكون منصفين وواقعيين ونعترف بأن "العنف" أصبح جزءا رئيسيا من ثقافتنا العامة وذلك لأسباب تاريخية وثقافية تعتبر أن العنف واقتناء السلاح واستخدامه تعتبر كلها دلائل على الرجولة والقوة. الرجل الصارم يضرب زوجته ، والحازم يضرب أولاده ، والولد الأقوى يضرب أقرانه في المدرسة ، والأم تفرغ الكبت في أولادها الذين يضربون أولاد الجيران بدورهم.

العائلة الكبيرة تتفاخر بقوتها العددية وقوة سلاحها حتى عند الفرح حيث تصبح الأعراس مناسبات لإظهار الترسانة التي تحملها العائلة من الأسلحة ، ولكن المناسبات "الأفضل" هي تعرض أحد أفراد العائلة لجريمة أو هجوم حيث تصبح غريزة الانتقام الجماعي سائدة فوق اي قانون وتتحول العائلات إلى ميليشيات مسلحة ترنو وراء الثأر.

سائق السيارة يقود وفي سيارته قنوة جاهزة للاستعمال ضد عباد الله الآخرين ، وصاحب البسطة يتجول ومعه مسدس يستخدمه في حل الخلافات على احتلال مساحة أقل من متر مربع في الشارع مصدرا للرزق. العنف اللفظي جاهز للاستخدام بين كل الناس وحوار بسيط قد يتحول إلى حالة اعتداء مباشر. حتى الرياضات الوحيدة التي يمكن أن نفكر بالحصول على انجازات عالمية من خلالها هي الرياضات القتالية مثل التايكواندو والكاراتيه والكيك بوكسينج،.

يحدث هذا في دولة لا يعتبر العنف جزءا من تركيبة نظامها السياسي ، وهنا المفارقة. في دول أخرى قامت السلطات باستخدام كافة أشكال العنف ضد المجتمع سواء العنف الجسدي ضد المعارضة السياسية أو العنف الفكري والثقافي لمنع التعبير والعنف الاقتصادي الذي سبب الحرمان. في الأردن لم تستند السلطة إلى العنف بالرغم من أن ذلك لا ينفي وجود حالات فردية وغير منهجية تعرض فيها مواطنون إلى عنف غير شرعي وغير مبرر من الدولة.

المشكلة أن هذا السلوك والميل نحو العنف بات وسيلة مبررة بل ومدعومة بعناصر ثقافية. إذا ما استمعنا إلى نمط "الأغاني الوطنية" الجديدة التي تتحفنا بها الإذاعات كل صباح فهي كلها قائمة على الضرب والقلع والخلع والقتل وهذا ما يساهم في ضخ نسبة عالية من أدرينالين العنف في الدماء المتوترة أصلا في كل صباح. وفي المساء فإن جولة واحدة على محطات التلفاز تعطي جرعة من العنف والدماء لا يمكن تصور أنها تصدر عن فكر واع ومدرك لمخاطر هذه المشاهد على المتلقين.

نحن بحاجة إلى التعاون والهدوء والاحترام في مجتمعنا. ندرك تماما بأن الظروف الاقتصادية الصعبة والضغوطات الاجتماعية تجعل الهدوء هدفا شبه مستحيل ولكن من المهم اتخاذ خطوات ملموسة خاصة على مستوى العائلة والمدرسة والمسجد والإعلام لتعزيز فكرة أن العنف آفة مرفوضة وليست مدعاة للفخر الرجولي وأن هناك عقابا سيقع على كل من يستخدم العنف وكذلك من المهم أن يتم تعزيز الرقابة الصارمة على إظهار الأسلحة علنيا ناهيك عن استخدامها ومنع أي شخص من إظهار سلاحه إلا إذا كان من أفراد الجيش أو الأمن العام لأن التساهل القانوني والأمني مع مظاهر الفخر بالعنف والسلاح تعتبر سببا رئيسيا لتعزيز قناعة أن استخدام السلاح والعنف هو توجه مقبول اجتماعيا بل ويحدد المكانة الاجتماعية للشخص الذي يستطيع استخدام العنف والسلاح بدون مساءلة.