تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحولاتها في المنظومة التعليمية الأردنية
منذ 3 سنوات قررت الطالبة تقى الغزلان، البالغة من العمر 20 عامًا، أن تلتحق بتخصص علم البيانات والذكاء الاصطناعي في جامعة اليرموك الواقعة في محافظة إربد شمال الأردن، تبدأ نهارها كل يوم بزيارة مكتبة الجامعة (مكتبة الحسين) لدراسة كتب جديدة تتيح لها معلومات أكثر عن الخوارزميات والبرمجيات التي تساهم في تطوير مهاراتها، كما أن حاسوبها المحمول لا يفارق حقيبتها اليومية وأصبح يلازمها كهاتفها الذكي.
"مجرد ما دخلت السنة الأولى من تخصصي، أيقنت أن هدفي لا يقتصر على العلامات العالية وإنما أن أفهم أكثر هذه البرمجيات وكيف أمارسها بحياتي اليومية ومن خلالها أخدم وطني" كما قالت الغزلان.
وقد فرضت التحولات التكنولوجية الجديدة العديد من التغييرات على الجانب التعليمي الجامعي في الأردن. كالتعليم عن بُعد وإتمام الوظائف المطلوبة إلكترونيًا وغيرها الكثير، حيث أن علم الذكاء الاصطناعي اجتاح جميع التخصصات التعليمية؛ منها الطبية والإنسانية، ولم يقتصر دخوله على التخصصات التي لها علاقة بالتكنولوجيا فقط وإنما امتد لأبعد من ذلك.
يُعّرف الباحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمصارف العربية أبو بكر خوالدة، أن الذكاء الاصطناعي يجمع بين علوم الحاسوب والتحكم الآلي من جهة وعلم الرياضيات من جهة أُخرى، فهو يهدف إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، لتزويد الحاسوب بهذه البرامج التي تمكنه من حل مشكلة ما أو اتخاذ قرار في موقف ما، بناءً على وصف المشكلة أو المسألة لهذا الموقف.
"دائمًا أكرر مقولة أن الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة، لذلك يجب أن نستعد له وأنصح بعدم الخوف من هذا العلم وإنما ندخل إلى هذا المضمار وأن نتعامل معه كصديق، لأن القادم أعظم". كما قال الدكتور قاسم الردايدة عميد كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب في جامعة اليرموك.
علم الذكاء الاصطناعي شقّ طريقه في أغلب الجامعات الأردنية ليصبح تخصص منفرد بحد ذاته، وكانت جامعة اليرموك، من الجامعات السبّاقة في مواكبة التطور والحداثة وذلك عن طريق استحداث تخصص يختص بعلم البيانات والذكاء الاصطناعي في عام 2021. جامعة اليرموك.
إلى جانب ذلك، هناك 450 طالب بحسب الردايدة في جامعة اليرموك متخصصين بعلم البيانات والذكاء الاصطناعي لمرحلة البكالوريوس، وفي السنة القادمة سيتم تخريج الفوج الأول من هذا التخصص، و 45 طالب في مرحلة الماجستير وأن اليرموك كانت أول جامعة أردنية تدرس هذه المرحلة بشكل متخصص، وهناك أكثر من 15 دكتور متخصص بعلم الذكاء الاصطناعي وتفرعاته. كما أن المختبرات الحاسوبية مجهزة بلغات البرمجة الحديثة والتي تساعد الطلبة في إتمام مهامهم الدراسية.
تقول الغزلان: "أنا معدلي بالتوجيهي كان 94 وما كانوا أهلي موافقين أدخل هذا التخصص، بس أنا بحب الرياضيات وعلم الحاسوب و لهيك اخترت هذا التخصص".
كما أن الغزلان أصبحت تقضي ساعات دراسية أطول منذ دخولها تخصص الذكاء الاصطناعي، وتسعى دائمًا بتطوير مهاراتها من خلال مشاركتها بمسابقات مع شركات عالمية، مثل شركة هواوي والتي تختص بتطوير وإنتاج البرمجيات للتقنيات الذكية.
صوت" تقى"
إستمع الآن
ويضيف الردايدة: نحن ندّرس الطلبة على إنتاج برمجيات ذكاء اصطناعي ولا نستخدم تطبيقاته، وإنما نطورها أو نستحدث تطبيقات جديدة، ما يهمنا البرمجة في كلية تكنولوجيا المعلومات، وإنما الكليات الأخرى تستخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي لتسهيل المهام لديها، لأننا نريد من طلابنا أن ينتجوا هذه البرمجيات من خلال استخدام لغات برمجة؛ مثل بايثون وهي لغة مُفسرة وجافا وهي لغة مترجمة. وهما لغات برمجة سهلة الاستخدام والتعلّم لبناء برامج مستقلة مختلفة.
(صوت) العميد
إستمع الآن
ويوضح الردايدة بأن التعليم يركز على الجانب العلمي وهي ما يطلق عليها بالخوارزميات التي تنتج هذه التطبيقات، على سبيل المثال دراسات حول تحليل المشاعر للجمهور تجاه منتج معين أو لقضية مفصلية في العالم.
هذا وتم مناقشة رسالة طالب ماجستير مؤخرًا من إعداد الباحث أشرف مساعدة تحت عنوان "تقنيات التجميع للتنبؤ المبكر بنوع مرض الغدة الدرقية". والتي تجمع ما بين الذكاء الاصطناعي والعلوم الطبية في كلية تكنولوجيا المعلومات، حيث ركزت على اقتراح نموذج يتنبأ بنوع مرض الغدة الدرقية.
قفزت نسبة خريجي الدكتوراة الجدد في علم الذكاء الاصطناعي في الجامعات الأمريكية من 10.2% عام 2010 إلى 19.1% عام 2021، بحسب مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 . كما أن هناك 8 جامعات أردنية حكومية تُدّرس علم الذكاء الاصطناعي و11 جامعة خاصة. ووصل عدد مستخدمي تطبيق شات جي بي تي (ChatGPT) إلى 100 مليون مستخدم حول العالم بحلول يناير 2023.
الذكاء الاصطناعي وتجارب الطلبة
"لا شك أن الذكاء الاصطناعي دخل في جميع المجالات، وحاليًا هناك أدوات ووسائل تساعد المصمم بإكمال عمله بوقت قصير ولكن ذلك لا يعني أن الذكاء الاصطناعي حلَّ مكاننا، هو سهّل عملية التصميم من ناحية التعديل، الحذف واقتراح الأفكار" كما قال الطالب عبدالرحمن المتخصص بالفنون البصرية في الجامعة الأردنية.
ويكمل عبدالرحمن، من أكبر مخاوف علم الذكاء الاصطناعي بأنه علم مبني على طريقة تفكير الإنسان، ويمكن في السنوات القادمة لا نستطيع أن نسيطر عليه وهذه الفكرة لوحدها ترعبنا.
تطمح الغزلان بأن تختص مستقبلًا بمجال المناخ، حيث أنها قضية عالمية وملّحة في وقتنا الحاضر، ولأن الذكاء الاصطناعي بحسب رأيها يساعد بشكل كبير في هذا المجال، حيث أنه يستطيع أن يُخزن محتوى كبير من البيانات لكي يقدر أن يتنبأ بحسب المعطيات المخزنة لديه بشكل أدق.
"يجب أن لا تكون الكليات الإنسانية في جزر منغلقة أو معزولة عن مواكبة التكنولوجيا يجب أن يكون هناك تشاركية" الردايدة.
إستمع الآن
مساق مختص بعلم الذكاء الاصطناعي لكافة الطلبة
ومن ناحية أخرى تسعى وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، "إلى إدماج التطبيقات والمهارات الأساسية التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية و الجامعية وكليات المجتمع وبرامج التدريب التقني والمهني". بحسب قسم الذكاء الاصطناعي في الوزارة.
نتيجة لذلك يؤكد الردايدة بأنه سيكون هناك مساق مفتوح لكافة الطلبة في الجامعة يكون متخصص بعلم الذكاء الاصطناعي، بحسب بحيث يكون هناك معرفة لكل الطلبة في الجامعة حول هذه التكنولوجيا وأن يكونوا مواكبين لهذا التطور، وخصصت جامعة اليرموك مساق لكل الطلبة في الجامعة تحت مسمى الذكاء الاصطناعي للجميع، ويشمل هذا المساق على الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، ومبادئه التي تحدد الضوابط والأخلاقيات في استخدامه.
هذا وتزايد الطلب على إدماج الذكاء الاصطناعي في مختلف كليات جامعة اليرموك؛ حيث يتم الآن التنسيق بين كلية تكنولوجيا المعلومات وبين عمداء الكليات الأخرى بالجامعة من أجل إدراج مساقات جديدة بكل كلية تتعلق بالذكاء الاصطناعي، مثل مساق الذكاء الاصطناعي للهندسة وسيكون متطلب كلية إجباري، و تخصص الذكاء الاصطناعي للعلوم الطبية لتخصصات الطب والصيدلة ويشمل ذلك الكليات الإنسانية الأخرى مثل كلية السياحة والتربية وغيرها بحسب الردايدة.
الذكاء الاصطناعي وسوق العمل
يشرح الردايدة أنه من الضرورة أن تكون هناك آلية منظمة لسوق العمل من أجل احتضان خريجي تخصص الذكاء الاصطناعي من خلال التعاون ما بين 3 أقطاب لهذا العلم في الأردن؛ القطاع الحكومي، القطاع الأكاديمي والقطاع الخاص.
"إذا لم تقف هذه الأقطاب الثلاث إلى جانب بعضها البعض، خريج علم الذكاء الاصطناعي ممكن يضيع".
ويتابع، من جهة القطاع الأكاديمي فهو التقط الرسالة وبدأ بإدخال هذا التخصص إلى الجامعات الأردنية، أما القطاع الحكومي يقف عليه أكثر من جانب؛ الأول بأن يضع التشريعات وبدأوا بذلك من خلال الميثاق الوطني والاستراتيجيات ودراسة حاجة السوق، الثاني بأن تساعد الحكومة في ترويج ما ينتجه خريجي الذكاء الاصطناعي وذلك بضرورة اقحام هذا العلم في كل مؤسسة أو وزارة، والقطاع الخاص حاليًا لديه اهتمام كبير بهذا العلم وبأن يُشغّل خريجيه، مثل البنوك وشركات الاتصالات، ويجب أن يركز هذا القطاع على الإبداع بشكل أكبر من أجل إنتاج برامج مبتكرة وغير مقلّدة. وإذا لم يتم التعاون بين هذه الأقطاب سيصبح لدينا خريجين عاطلين عن العمل.
Video insert
https://drive.google.com/file/d/1Im76MgNVieL6tIRfh9eFP--pnSAnMclz/view?usp=drive_link
بالنسبة للطالبة منار رواشدة والتي تدرس تخصص لغات حديثة (فرنسي- اسباني وانجليزي) في جامعة بلد الوليد الأسبانية (University of Valladolid)، ترى أن برمجيات الذكاء الاصطناعي تساعدها في تخصصها من خلال ترجمة الكلمات الصعبة والجديدة لمعرفة أصولها ومعانيها المختلفة، ولكن لا تستطيع الاعتماد عليه في ترجمة النصوص الأدبية والقانونية، لأن المعنى يختلف إذا تمت ترجمته بشكل حرفي.
وتضيف الرواشدة: : "لا ننكر أن الذكاء الاصطناعي سهّل على الطلاب إنجاز واجباتهم بطريقة احترافية ومتقنة، لكن لغى فكرة البحث عند الطلبة أو القراءة بشكل موّسع".
انعكاسات الذكاء الاصطناعي على الحياة الاجتماعية
ومن الجانب الاجتماعي يقول الدكتور لؤي أحمد رئيس شعبة الاستشارات والتدريب في الجامعة الأردنية، "أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزء لا يتجزأ عن المجتمع ككل، فيصعب على الفرد أن يمتنع عن اقتناء هاتف محمول ذكي يتوفر عليه تطبيقات مختلفة من الذكاء الاصطناعي، أو أن تجد طالب جامعي لا يحمل حاسبه المحمول. فهو علم فُرض علينا ويتوجب أن نواكبه من أجل تطور المجتمعات، ولكن ما نكون حريصين على أن لا يتعدى هذا العلم خصوصيات الأفراد والمؤسسات والدول".
"من واجبنا أن نشجع على استخدام الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات وأن لا نتخوف منه، لأن قضية أن الذكاء الاصطناعي سيلغي وظائف حالية، هذه قضية طبيعية ولكن سيأتي بوظائف جديدة غيرها، مثل الإعلام كان تقليديًا وأصبح رقميًا، وهذه سنة الحياة". كما لفت الردايدة.
تم إعداد هذا المحتوى، من قِبل مؤسسة ويش بوكس ميديا، بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية والتعاون الإعلامي، ضمن برنامج قريب ٢٠٢٤.