تقرير: معلمات عن بعد – أعباء مضاعفة

الرابط المختصر

 

سلط مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، الضوء على واقع المعلمات اللواتي يؤدين العمل من المنزل، وقال التقرير ان هذا النوع من العمل ألقى بأعباء جديدة على العاملين في "زمن كورونا" من الجنسين، إذ لم يعد العمل من المنزل، مجرد منهج لاستجابتهم لتحديات العصر.

 

وبين التقرير أن الأجور الشهرية الفعلية للمعلمات في التدريس الخاص في المناطق المستهدفة تتراوح بين 110 دنانير و220 دينارا، إلا أن المعلمات من الجنسية الأردنية وهن مشتركات في الضمان الاجتماعي لكن في نطاق أجر قدرة 220 دينارا، وفقا للحد الأدنى للأجور، يجدن ان ذلك غير مجد عمليا في ظل متطلبات هذا النوع من العمل.

 

ووفقًا للمعلمات المستهدفات في هذا التقرير، فإن مهارة إدارة الوقت، لم تعد تحت السيطرة، فالمعلمات تمضي أوقاتًا طويلة نسبيًا في حشد الطلبة لحضور الحصة الواحدة، وبعد انتهاء الدوام المدرسي، يدخرن وقتًا آخر بهدف التحضير للدروس المقبلة، وتصحيح الواجبات والامتحانات، وهذا كله، كان يمكن إنجازه خلال حصص الفراغ في جدول المعلمات قبل زمن كورونا، ولا يستدعي العمل من المنزل إلا في الأيام التي يتطلبها؛ مثل الامتحانات النهائية وتدقيق العلامات وتسليمها لمديريات التعليم.

 

لكن ما يزيد الأمر تعقيدًا؛ عدم القدرة على التحكم بعوامل خارجية، منها سوء شبكات الإنترنت، متنفس الشريحة الأوسع من المجتمع أثناء فترة الحظر الذي كان على رأس الاجراءات الوقائية الحكومية، للحد من انتشار الفيروس بين المواطنين، وضعف التزويد بالإنترنت.



 

العمل المرن

يوصف العمل الذي يؤدى من المنزل، بـ"العمل المرن"، لما يتيحه من خيارات عمل عديدة للعمال والعاملات، أهمها الموازنة بين متطلبات العمل والاحتياجات الشخصية والأسرية والاجتماعية، والتغاضي عن نفقات عديدة؛ أبرزها: نفقات التنقل.

هذه هي الفكرة السائدة حول العمل عن بعد، لكن إذا نظرنا إلى واقعه في وقت، تهيمن فيه تداعيات الخوف من تفشي فيروس كورونا على العالم، سنلمس قوة الظروف العصيبة التي تحيط به من كل جانب.

وهذا ألقى بأعباء جديدة على العاملين في "زمن كورونا" من الجنسين، إذ لم يعد العمل من المنزل، مجرد منهج لاستجابتهم لتحديات العصر وحسب، بل أصبح ضرورة اقتصادية طارئة، تقتضيها طبيعة مهن معينة، وأصبح "العمل عن بعد"، صراطاً ليس بالمستحدث في الأروقة المهنية، إنما ينتهجه العاملون للحفاظ على فرص عملهم، برغم صعوبته ومتطلباته التي قد تستنفد أوقات استراحاتهم وأيام العطل الأسبوعية والإجازات السنوية، وتفقدهم المرونة، على عكس ما يظنه الكثيرون.

مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، يلقي الضوء في  هذا التقرير، على معلمات القطاع الخاص، وما طرأ من تغيرات شبه جذرية على طبيعة عملهن خلال "أزمة كورونا"، وما اقتضته الحاجة لتفعيل "التعليم عن بعد"، اذ أصبحت غالبية مهامهن خلاله، تنطوي على: مباشرة العمل منذ ساعات الصباح المبكر بتحضير الدروس وتسجيل فيديوهات وإرسال الواجبات اليومية وأوراق العمل الدورية للطلبة، عبر تطبيق "الواتس آب"، أو أي تطبيقات تواصلية موازية، ثم استقبال الاستفسارات من الطلبة عن طريق المجموعات أو المكالمات الهاتفية.

من الغرفة الصفية إلى الافتراضية

كان للفجوة في استخدام الصفوف الافتراضية؛ أعباءً لم تكن في حساب معلمات القطاع الخاص، وقد تواصل "تمكين" مع 23 معلمة في: المفرق، والظليل، وإربد، ودير علا، للوقوف على التحديات الفنية والاجتماعية التي واجهنها في الفترة التي اقتضت عملهن عن بعد؛ فمن الصف المدرسي إلى جوجل كلاس روم (Google Class Room)، وجي سويت (G Suite)، ومنصات التعليم الإلكترونية الأخرى، مهارات فنية وتواصلية، لم تكن معهودة لديهن على نحو كامل قبل الأزمة، فضلًا عن استخدام مجموعات "الواتس آب" كوسيلة تواصل، لتغدو سابقة في عهد التعليم. 

حوسبة التعليم: يشكل استخدام الإلكترونيات وإتقان البرامج التعليمية المؤتمتة، مهارة يفتقدها الكثير من الطلبة والمعلمات معا، لما يترتب عليها من بذل لساعات عمل إضافية، كي يخرج العمل والتعامل مع المنصات التعليمية متقنا، كما وتعتبر المعلمات بأن استخدام الطلبة للإلكترونيات، يعد بمنزلة المؤثر المُشَتِت غالبية الأوقات.  

إدارة الوقت وجودة الإنترنت: وفقًا للمعلمات المستهدفات في هذا التقرير، فإن مهارة إدارة الوقت، لم تعد تحت السيطرة، فالمعلمات تمضي أوقاتًا طويلة نسبيًا في حشد الطلبة لحضور الحصة الواحدة، وبعد انتهاء الدوام المدرسي، يدخرن وقتًا آخر بهدف التحضير للدروس المقبلة، وتصحيح الواجبات والامتحانات، وهذا كله، كان يمكن إنجازه خلال حصص الفراغ في جدول المعلمات قبل زمن كورونا، ولا يستدعي العمل من المنزل إلا في الأيام التي يتطلبها؛ مثل الامتحانات النهائية وتدقيق العلامات وتسليمها لمديريات التعليم.

لكن ما يزيد الأمر تعقيدًا؛ عدم القدرة على التحكم بعوامل خارجية، منها سوء شبكات الإنترنت، متنفس الشريحة الأوسع من المجتمع أثناء فترة الحظر الذي كان على رأس الاجراءات الوقائية الحكومية، للحد من انتشار الفيروس بين المواطنين، وضعف التزويد بالإنترنت.

 

كما أن تغيّب الطلبة عن الحضور، يضطر المعلمة لإعادة الدرس، ويزيد من أوقات العمل الفعلية، وأحيانا تعمد الإدارة إلى عقد اجتماعات يومية، تضم مجموعة كبيرة من المعلمات في الاجتماع الواحد، ليشاركن في وضع ومناقشة الخطط والإنجازات، ما يستغرق وقتًا طويلا منهن ويثقل كاهلهن.

وترى معلمات في دير علا، أن القيام بمهام إضافية، كتحفيز الطلبة باستمرار على "التعلم عن بعد"، وإعداد بطاقات الشكر والثناء، أمرًا يزيد من ازدحام جداولهن، كما أنه لا مناص لهن أمام مطالبات الأهالي المستمرة حول تلبية حاجات ابنائهم التعليمية المختلفة، والتي تتحول أحيانا إلى سلسلة طويلة من إطلاق أوصاف منهم على المعلمات، تشير إليهن بالتقاعس تجاه الطلبة.

التواصل والاستقرار الأسري: يعد التواصل مع الطلبة في السياق المدرسي، أسهل بكثير من التواصل معهم افتراضيا؛ إذ تنطوي أوجه ذلك على التواصل المباشر أثناء الحصص، أما مع أهاليهم فتنحصر في اجتماعات أولياء الأمور، لكن هذا النمط السائد منه لم يعد موجودا في "زمن كورونا"، فالطلبة وذووهم يتواصلون باستمرار مع المعلمات عن طريق المكالمات الهاتفية وتطبيق "الواتس آب"، ويستغرق تواصلهم  ساعات النهار، وقد يمتد حتى ساعات متأخرة ليلا، ما يضيف حملًا مرهقا وساعات عمل إضافية عليهن، لا يمكن حصرها بثماني ساعات، بل وتستمر أحيانا إلى أكثر من اثني عشر ساعة، ليكون ذلك على حساب أولوياتهن المنزلية، وعدم احترام وقتهن وخصوصيتهن، وفق وصفهن. 

وهنا، تفصح معلمات عن أنهن، واجهن مواقف سوء تقدير من الإدارة المدرسية، تبعًا لاعتماد المنصات الإلكترونية في التواصل، بحيث يفرّغ التواصل من محتواه الأصلي، ويقود الطرفان إلى حالات من سوء الفهم، فيزداد التوتر بينهن وبين الإدارة.







 

أما المعلمات الأمهات؛ فواجهن ضغوطات من نوع آخر، تمثل بتصاعد الخلافات الزوجية، لعدم قدرتهن على التوفيق بين متطلبات العمل ورغبات أفراد الأسرة، لأن "التعليم عن بعد" بات يستغرق معظم جهودهن، ولم يعد على غرار ما كان عليه الحال قبله، فرعاية أبنائهن الأطفال وتدريسهم، لم تعد له سوى مساحة ضيقة جدًا من الجدول اليومي عندهن، وهذا بدوره، رفع وتيرة تذمر الأزواج والامتعاض الدائم من المهام المهنية الموكلة إلى زوجاتهم المعلمات.

التدريس الافتراضي وجودة المخرجات

على الرغم من المجهود غير المسبوق الذي بُذِلَ خلال منظومة "التعليم عن بعد"، لكن غالبية المعلمات اللاتي جرى استهدافن أفدن بأنه لا يُؤتِي أُكُلُه كما هو الحال في نظام التعليم التقليدي، كما أن هنالك ملاحظات لدى كثير منهن حول حصول الطلبة على علامات عالية، على خلاف مستوياتهم الفعلية.

تعزو المعلمات كل ذلك للأسباب التالية:

  • كفاءة التعليم الافتراضي منخفضة جدًا، في إيصال المعلومة الفعًالة للطلبة، مقارنة بالتعليم في الصفوف المدرسية، والتي يثبت فيها المعلمون قدراتهم على ضبط الطلبة، خلافا لما هو عليه في التعليم الافتراضي.
  • حداثة التجربة للمعلمين والطلبة، وعدم استعدادهم لها وغياب تزويدهم بالمهارات والأدوات التي من أجلها يتحقق نجاح نسبي في هذا المجال، خصوصًا طلبة صفوف المراحل الأساسية، فقد تنمّط لديهم أن الإلكترونيات، مجرد وسيلة للترفيه بألعابِ يتقنونها تارةً وينتقلون لمشاهدة فيديوهات على اليوتيوب تارةً أخرى.
  • استخدام الأجهزة الإلكترونية؛ قد تكون عاملًا يُفقِد الطلبة تركيزهم.
  • عدم استخدام وسائل توضيحية لإيصال فكرة الدروس للطلبة، لعدم إمكانية توظيف الأدوات والوسائل التعليمية في شرحها كما كان عليه الحال في المدرسة، أما الوسائل المتاحة في التعليم الافتراضي، فتقتصر على إنشاء فيديوهات ودمج وتركيب صور، مما يعني جهدًا إضافيًا يُلقَى على عاتق المُعلمين، ولا يعنى بالضرورة تمكين الطلبة من استيعاب الدروس كما في التعليم المباشر.
  • عدم توافر أجهزة إلكترونية في المنزل تكفي طلبة الأسرة الواحدة، لقيام الطلبة بواجباتهم وحضور الحصص في مواعيدها.
  • غياب الرقابة الذاتية والوالدية، إذ يعتمد السواد الأعظم من الطلبة اعتمادًا كاملًا على الغش في الامتحانات، وتبادل الأدوار مع الآباء، أو أي من أفراد الأسرة لتجهيز الواجبات وحل أسئلة الامتحانات، وهو ما لا تستطيع المنصات الاليكترونية التحكم به، أو استحداث رقابة محكمة عليه حتى الآن.

الأجور والإجازات والتقدير

تتراوح الأجور الشهرية الفعلية للمعلمات في التدريس الخاص في المناطق المستهدفة بين 110 دنانير و220 دينارا، إلا أن المعلمات من الجنسية الأردنية وهن مشتركات في الضمان الاجتماعي لكن في نطاق أجر قدرة 220 دينارا، وفقا للحد الأدنى للأجور، يجدن ان ذلك غير مجد عمليا في ظل متطلبات هذا النوع من العمل.

كما أبلغت معلمات في الظليل والمفرق، عن تأخر استحقاق أجورهن للشهر الثالث، جراء فرض قانون الدفاع، وما انبثق عنه من أوامر دفاع، عطلت العمل في مختلف القطاعات بسبب منع الحركة بحرية، ولعدم سداد أهالي الطلبة للأقساط الشهرية للمدارس، وطالبت معلمات في المفرق، بإشراكهن في برامج التعويض التي طرحتها مؤسسة الضمان، لكن لم تجد مطالبهن أدنى اهتمام من أصحاب العمل.

إلا أن التخوّف الأكبر يبقى في أن استمرار "التعليم عن بعد"، وأوضاع العمل في ظل أزمة كورونا، دفع أهالي الطلبة للمطالبة بتخفيض الأقساط المدرسية، وهذا بدوره يؤثر على المعلمات حتما، وفي دير علا، فإن معلمات لا يتوقعن الحصول على الأجور في حال تمديد فترة تعطيل المدارس.





 

الإجازات: تحصل المعلمات على سبعة أيام من رصيد الإجازات السنوية، بعد التقدم بها قبل "زمن كورونا"، لكنها أوقفت بعده، وإذا ما منحنها، فتُمنَح بشروط، إما بالتعويض أو بالحسم، أو بإنهاء الخدمات في أسوأ الحالات.   

التزويد بالإنترنت: باستثناء بضع معلمات؛ اتفق جميع من عينة التقرير منهن، على تكبد تكلفة التزويد بالإنترنت شهريا، وأن إدارة المدرسة لا توفره، وحتى عند انقطاعه بسبب عدم توافر كلفة تعبئة الرصيد، وعدم قدرتهن على إعطاء الدروس وأداء مهامهن. 

وترى المعلمات أن ذلك يقلل من شأن مجهودهن والعمل في ظروف استثنائية، إذ أنهن يعتبرن مسؤوليتهن تجاه الطلبة أخلاقية، تتعدى المرود المادي؛ لكن جهودهن والتزامهن، لم يلقَ الحد اللائق من التقدير، بل يُعتَبَر التحصيل الدراسي للطلبة مكونًا أساسيًا في تقييم المعلم السنوي، بدلا من التوجه لدراسة ناجعة لمنظومة "التعليم عن بعد"، واستقاء الدروس المستفادة منه، ومعرفة مواطن ضعفه وفرص تطويره.

في سياق آخر؛ تجد المعلمات أن أولياء الأمور، لا يقدرون جهد المعلمات، ومستمرون في مطالبتهن بمتابعة واجبات ابنائهم مباشرة، برغم عدم إرسال تلك الواجبات في مواعيدها المقررة إليهن، وفي حال عدم الاستجابة السريعة لاستفساراتهم، تقع المعلمة تحت وابل اتهامات، تتلخص بالإهمال وعقد المقارنات بين طلبة الصف الواحد. 

التوصيات:

  1. تهيئة وتدريب المعلمات والطلبة والطالبات، للتعامل مع المنصات التعليمية الإلكترونية في حالات الطوارئ.
  2. إيجاد آليه لتزويد المعلمات بالإتصال بالانترنت، والحفاظ على استمرارية وجوده بكفاءة، تساعد المعلمة على تعليم طلبتها.
  3. تحديد ساعات العمل.
  4. تحديد قنوات وآليات الاتصال والتواصل بين المعلمات والطلبة وأهاليهم إن تطلب ذلك.