تفكيك الجندر: التصنيف الكويري

تفكيك الجندر: التصنيف الكويري
الرابط المختصر

شكل تثييم التقاطعات الجندرية الخطوة النظرية الأولى نحو تفتيت ما بعد الحداثة لهذا المفهوم، كما خضعت فئة الجندر لمزيد من التحول العميق في المعنى في سياق منظور ما بعد الحداثة التفكيكي.

 

ترتبط التفكيكية ارتباطا وثيقا بما بعد البنيوية، وتذهب بتبعات اللا ـــ جوهرية إلى أقصاها. ويوظف مصطلح "التفكيكية" استجابة لدعوة هيدجر لتدمير المفاهيم الغيبية (الميتافيزيقية). ليس من السهل أن تعطي تعريفا للتفكيكية. كما أن منظري هذا الخط من الفكر يتهربون عمدا من أي محاولات لتعريف أي مفهوم، ويمكن القول إن (تفكك) يعني أن تتبنى المعنى الذي يسلط الضوء على الافتراضات الضمنية، والتحيزات المخفية، والتناقضات بين فئات الفكر التقليدي. للتفكيكية وجوه كثيرة، كما أنها لا تعترف بالتسلسل الهرمي: لقد تم تكوينها بوصفها منهجية لقراءة فئات الميتافيزيقا التقليدية، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على الثغرات والكسور، والانقطاعات، والهياكل الإيديولوجية، بدلا من الوحدة المزعومة والتفرد المنسوب للمعنى الجوهري. أن (تفكك) يعني أن تلتقط التنافرات والمفارقات التي تقوض مزاعم تحقيق الحلم الشامل الواعي للتنظير المنهجي.

 

انطلاقا من التفكيك كان هناك تحول لغوي ودلالي إلى المنهج التفكيكي"deconstructionis" الذي يصنف على أساس الأنماط المعتادة من تاريخ الفلسفة، بوصفه الفكر غير القابل للتصنيف في الحقيقة، لأن التصنيف يحد في نهاية المطاف من نطاقه. يشير المنهج التفكيكي إلى عدمية مزاعم ما بعد الميتافيزيقية بالوصول إلى المنهجية والواحدية. التفكيك هو إعادة الدفاع عن "الآخر"، الذي يفهم بأنه ما قد غُفل عنه واستبعد من أي تصنيف. وينفي إمكانية وضع المفاهيم والمعاني الفريدة والمطلقة. إنه منفتح على تعدد المعاني التي لن تكون قابلة للفهم أو الصياغة التامة كما في التحول الثابت. كل معنى ليس سوى أثرا لمعاني غائبة ممكنة، وهو كناية عن شيء غير موجود هنا. ترتبط ما بعد البنيوية ارتباطا وثيقا بالتفكيكية. فالبادئة "بعد"، التي تميز هذا التيار الفلسفي عن البنيوية، تدل على إنهاء تبعات المفاهيم حتى انحلالها في اتجاه التفكيكية ما بعد الحداثية. يتعارض هذا الفكر مع كل بناء (ينظر إليه على أنه شكل خفي من المجال)، بوصفه كلاني عضوي قابل للتفسخ إلى عناصر يتم تحديد قيمتها الوظيفية من خلال علاقات مجموعية بين كل مستوى مستقل وجميع المستويات الاخرى. وتهدف ما بعد البنيوية إلى التفكيك، بمعنى، فضح وهز أساسات كل ادعاء بتحديد الهياكل، من أجل تمجيد الفوضى وعدم التنظيم، بوصفه تحررا من القمع الذي تفرضه أي سلطة هيكلية منظمة.

 

تمثل التفكيكية ما بعد البنيوية تغييرا جذريا في طريقة فهم التصنيف الجندري، مما قاد إلى انحلال المعنى ذاته. تعتقد البنيوية الاجتماعية أن الجندر كان نتاج التنشئة الاجتماعية، وبالتحديد بناء المعنى في مجتمع معين، في حقبة تاريخية، ضمن ثقافة معينة. تذهب التفكيكية أبعد من ذلك وتفسر نتائج البناء الاجتماعي بوصفه هيكلا أنتجته ونظمته السلطة والذي ينبغي، بالتالي، تفكيكه.

 

الجندر بوصفه بناء اجتماعيا هو "قناع إلزامي" مفروض من أعلى، ومرتكز على خلق تسلسل هرمي اجتماعي: وهو بناء خيالي، دون أي أساس أو مأسسة. لا شيئ أمامه أو خلفه: وفي الواقع، فإن السلطة تتخفي وراءه. والطبيعة هي مجرد افتراض، لأنه يجري بناؤها من قبل السلطة مثلها مثل المجتمع. ووفقا لهذا المنظور، بات من الضروري تفكيك الهياكل، وفضح السلطة، وإلغاء كل تنظيم وتسلسل هرمي. وذلك للسماح بحرية التعبير للفرد المتعدد المتشظي الذي جرى اقصاؤه من النظام الاجتماعي الذي هيكلته السلطات. وفي هذا السياق فإن البناء الاجتماعي للجندر يتم تفكييكه، لإعطاء مساحة للبناء الفردي.

 

وإذا كانت البنيوية الاجتماعية قد أبعدت وفصلت الجنس الطبيعي عن الجندر المركب اجتماعيا وثقافيا، فإن التفكيكية ما بعد البنيوية تخلت أيضا عن الجندر الاجتماعي والثقافي، وتحركت بعييدا نحو إنكار الجنس الطبيعي، وأفسحت المجال للـ"الجندر الفردي". وكما أن الجندر الاجتماعي والثقافي قد لا يتوافق مع الجنس الطبيعي، فإن "الجندر الفردي" يمكن أيضا أن لا يتوافق مع "الجندر الاجتماعي". وباختصار: فإن الفرد هو الذي يقرر الجندر الذي يرغب به ويريدة شخصيا، بغض النظر عن الطبيعة والمجتمع. نقطة البداية وجذر الجندر في منظور ما بعد الحداثة، هو الفرد، وليس الطبيعة ولا المجتمع.

 

تشير نظريات ما بعد الحداثة المتعلقة بالجندر صراحة إلى المفهوم الذي طوره ميشال فوكو، وعلى الرغم من أن فوكو لم يتحدث مباشرة عن الجندر، إلا أن كتاباته مهدت لتنظير ما بعد الحداثة لهذه الفئة. ينفي فوكو الجنسانية (النشاط الجنسي) sexuality الطبيعية، ويقول أنها نتيجة لعملية معقدة من البناء الاجتماعي. يتحدث فوكو عن تأريخ الجنسانية وأيضا عن التنشئة الاجتماعية لها. وفي رأيه، أن الحياة الجنسانية ليست جوهرا ثابتا متأصلا في البشر، فهي نتاج التاريخ والمجتمع والسياق، ولكن أيضا وقبل كل شيء الخطاب والسلطة، وتحديدا "السلطة الحيوية". وكجزء من مفهوم التاريخ بوصفه "تواصل" ممارسات قمعية يتم تنفيذها من خلال المؤسسات التي أنشأتها السلطة للسيطرة على المجتمع، يتتبع فوكو جينالوجيا أو أركيولوجيا الرغبة الجنسية. إذا كانت الجنسانية تُحكم في ما قبل الحداثة من خلال الخطاب الديني والأخلاقي فإن الحداثة قد أدخلتها إلى الخطاب العلمي، في سياق العلوم الطبيعية بوصفها مجالا محددا ومستقلا نسبيا. وفي المنظور الفوكوي فإن السلطة الحيوية هي التي طورت خطابات الجنس للسيطرة على جسد الإنسان من خلال تنظيم المواليد والسكان. ووفقا لفوكو فإن الرغبة الجنسية هي منتوج خطابي واختراع اصطناعي من قبل السلطة، باعتبارها "أداة للهيمنة" 'أو "آلية للسيطرة ''. كل فئة اجتماعية هي هيكل تنظيمي، يحدد الأجساد ويخصص السلوكيات بطريقة إلزامية، ويقصي الأجساد والأفعال والرغبات الأخرى المخالفة. تمتلك الهويات وظيفة اجتماعية في تنظيم والسيطرة على الأجساد والسلوكيات من خلال آلية المكافأة/ العقاب، وتعد الأجساد والسلوكيات "عادية" و "طبيعية" مقارنة بما قد يعتبر "غير عادي " و"غير طبيعي"، وبالتالي مريض أو منحرف أو حتى مجرم. إنها السلطة، من خلال الكلام واللغة والمجتمع، هي التي تمنح معنى للأجساد والممارسات والرغبات. أصبح المنظر الفرنسي نقطة مرجعية لتحالف ما بعد البنيوية والنسوية، على الرغم من أن فوكو كتب القليل من الإشارات الصريحة إلى النساء بوصفهن قضية خاصة كما فعل في قضية الجندر في أعماله، إلا أن تحليلاته الفلسفية للعلاقات بين السلطة والجسد والجنسانية قد أثرت في بعض الاتجاهات النسوية. ساهمت فكرة فوكو أن كلا من الجسد والنشاط الجنسي هو بنيات ثقافية بدلا من كونها ظواهر طبيعية للنسوية، في النقد النسوي وما بعد النسوي للجوهرية.

 

بهذا المعنى فإن نظريات الجندر، في سياق ما بعد النسوية وما بعد الحداثة، تصبح مواضيع تطبيق هذا النهج. عملت العديد من النظريات على تفكيك الجنس الاجتماعي والجندر، معتبرة ذلك خطوة هامة لتحرير الجسد والهوية والذاتية الفردية من ادعاء الجوهر الطبيعي أو الاجتماعي، الذي يفترض أنه واحد، بسيط، متجانس، ساكن ومستقر. يحطم هذا المنظور الهوية إلى تحديد معقد، غير متجانس وحيوي باعتبارها عملية. ويترتب على ذلك رفض كل الفئات: حتى فئات الجنس ذاته والجندر. وقد أفرغت كل فئة من المحتوى و باتت توظف على مضض، لأنها تفترض دائما التنظيم والدلات اللفظية المفاهيمية.

 

ومن الجدير بالذكر الإشارة، حتى لو أنها ليست هدف المقال، إلى بعض استجابات النظريات النسوية للمنظور الفوكووي .

 

هناك انتماءات وتوترات بين نظرية فوكو والنسوية المعاصرة؛ ففي حين أن هناك اتفاقا على أن مفهوم فوكو للسلطة يحتوي على إضاءات هامة للنسوية، إلا أن النسويات لا زلن منقسمات حول الآثار المترتبة على هذا المفهوم على النظرية والممارسة النسوية. وأكدت بعض النسويات على قيود معينة في فكره، على سبيل المثال في المجال السياسي فيما يتعلق بتعزيز استقلال المرأة: حيث يبدو ميل السلطة لاختزلال الأفراد إلى "أجساد منصاعة" إشكاليا، ويقوض الأهداف التحررية النسوية و قدرة المرأة على مقاومة السلطة.

 

فهم فوكو للموضوع، باعتباره تأثير السلطة، يهدد تحرير النساء ويبشرهن بالقمع الأبدي. ترتكز الاعتراضات النسوية على فوكو حول مسألتين: نظرته للذاتية بوصفها شيدت من قبل السلطة وفشله في تحديد المعايير التي تغذي مشروعه النقدي، كما أنه لا يترك أي مساحة لمقاومة السلطة. فإذا كان الأفراد هم الآثار المترتبة على السلطة و"الأجساد سهلة الانقياد" التي تتشكل من خلال ذلك، فإنه يصبح من الصعب، بل من المستحيل شرح من يقاوم السلطة.

 

هذا فضلا عن أن وصف فوكو المحايد معياريا للسلطة يحد من قيمة عمله للنسوية لأنه فشل في توفير الموارد المعيارية اللازمة لانتقاد هياكل الهيمنة وتوجيه البرامج نحو التغيير الاجتماعي.

 

وظفت بعض النسويات مفهوم فوكو للسلطة من أجل تطوير تحليل أكثر تعقيدا للعلاقات بين الجندر والسلطة بحيث تتجنب الافتراض الهيكلي البنيوي، وعلى أساس فهم فوكو للسلطة بوصفها "تُمارس" بدلا من أن "تمتلك"، كما" تدور "في المجتمع بدلا من أن "تنطلق من الأعلى"، وبأنها "مثمرة / تأسيسية" بدلا من "قمعية"، سعت الحركات النسائية لتحدي طرح العلاقات الجندرية من منطلق نموذج الهيمنة / الإيذاء إلى فهم جديد لدور السلطة في حياة المرأة، مستكشفة سبلا جديدة تساعد المرأة على أن (تفهم وتختبر وتتصرف) داخل تحولات المجتمع. وإذا كان البرنامج السياسي التحرري النسوي يهدف إلى التحرر الكامل للمرأة من السلطة، فإن النسوية المتأثرة بفوكو تركز على المستوى السياسي الدقيق لتحديد إمكانيات ملموسة للتغيير الاجتماعي، مركزة على الجسد بوصفه الموقع الرئيسي للسلطة في المجتمع الحديث.

 

في سياق التفكيكية ما بعد البنيوية فإن تصنيف الجندر هو ما قاد إلى نظرية الكوير Queer. والكوير لغة (الإنجليزية) يعني الغريب، والعليل، والمنحرف، وقد كانت المفردة في الأصل تستخدم لتوصيف الإحساس بالازدراء، إلا أنها الآن توظف بفخر من قبل أولئك الذين كان ينظر إلىهم بازدراء مع مثل هذه الصفات. تقدم نظرية الكوير في بعض جوانبها استمرارية مع النظريات الجندرية، كما أنها تقدم عناصر جديدة أكثر تطرفا في جوانب أخرى، تجعلها منفصلة عن الفكر السابق.

 

نظرية الكوير، وإن كانت تتأثر جزئيا بتيارات معينة من الحركة النسوية، لا تعرض مسألة خضوع المرأة أو إخضاعها بوصفها ثيمة أساسية للتفكير والعمل. هناك عنصران يشيران بطريقة ابتكارية للكويرية وهما: تعدد الأشكال polymorphism وشمولية تأثير الجنس pansexualism.

 

ويعبر عن التعددية الشكلية في المَشْكلة الراديكالية للثنائية الجنسية وإنكارها. تشير الكويرية إلى طريقة التفكير والعيش والجنسانية على النقيض من ثنائية الذكر والأنثى الجامدة. هذه المسألة كانت موجودة بشكل هامشي فقط في التفكير الحداثي عن الجندر. علما بأن أجزاء منها قد تناولتها موني والنسوية الراديكالية. ترتكز الكوير على قيمة الرفض الصريح لأي شفرة ثنائية متقابلة.

 

توسع الكوير صراحة فئة الجندر لتشمل، بالإضافة إلى الإشارة إلى الجنس، الإشارة أيضا إلى النشاط الجنسي أو الجنسانية أو التوجه الجنسي، وهذه هي مجموعة من السلوكيات والمواقف والأفعال والرغبات التي تهدف إلى الارتباط بالآخر، وجذب انتباه الآخر (حيث يجب أن يفهم الانجذاب بالمعنى الايروتيكي فضلا عن العاطفة والشعور الرومانسي).

 

تتجاوز الكوير دراسات الجنسانية من خلال نظرية شمولية تأثير الجنس pansexualism، التي تُمشكل وتنفي العلاقة مع الجنس الآخر المغاير بوصفها امتيازا في المجتمع. هناك انتقادات قوية لكل من التميز لصالح الغيرية الجنسية heterosexism، الخطاب الغيّري البحت (الهترونورماتيف) heteronormativity، هيمنة الذكور الغيريين في المجتمع heteropatriarchy.

 

وتعتبر الكوير كل الميول الجنسية متعادلة، سواء تم التعبير عنها تجاه الجنس الآخر أو الجنس نفسه أو نحو كلا الجنسين. فهي تمجد omnisexuality، polysexuality وmulitsexuality، حيث كل تفضيل جنسي مبرر بمجرد التعبير عنه في اللحظة وعلى النحو الذي يعبر عنه.

 

لذا فإن الكوير هو مصطلح غير متبلور ومنفتح: مرن، ومائع، متغير، فئة قابلة للاختراق ضد الثنائيات المغلقة، الجامدة، الثابتة، والثنائيات غير المنفِذة.

 

يمثل الكوير كل شيء ولا شيء. تظهر التعبيرات المتكررة "لا هذا/ ولا ذاك، "أو "إما هذا/ أو ذاك" التناقض والغموض الذي يحطم الثنائيات المتعارضة في ازدواجية الذكر والأنثى، وغالبا ما يشار إلى كوير بــــ"مصطلح المظلة" الذي يشير إلى العديد من النظريات التي لديها قاسما مشتركا في الحد الأدنى: تحرير كل النشاط الجنسي من أجل "تطبيع" كل ما كان يعتبر "غير طبيعي".

 

يشير الاختصار LGBTI الموظف على نطاق واسع إلى المثليين والمثليات وثنائيي الجنس والمتحوليين جنسيا وجندريا والمخنثيين. والميزة المشتركة بينهم هو بناء هويات جنسهم على أساس معارضة الحتمية البيولوجية والجوهرية.

 

والهدف هو مَشْكلة ممارسة الشكل الجنسي القائم على ثنائة الذكر والأنثى، ومركزية الغيرية الجنسية heterocentrism الجامدة على المستوى النظري والصمود في وجهها عمليا. تخط الكويرية، كما تزعم، نوعا من التضامن بين أفرادٍ وجماعات داخل المجتمعات، يختلف كل منها عن الآخر، ولكن انضم إليه رغبة في استفزاز النموذج التقليدي وانتهاك وزعزعة استقرار القواعد الاجتماعية المعتادة، بهدف تفكيك أي اختلاف وعدم مساواة، من أجل تحقيق المساواة بمعنى التكافؤ.

 

ترفض نظرية الكوير أي تسلسل هرمي وتنبذ التمييز بين المركز والطرف، والابتدائي والهامشي فيما يتعلق بالهوية الجنسية وكذلك بالتوجه الجنسي. وتعتبر التمييز سببا في التسلسل الهرمي الذي يعززها بدوره، موسعا المسافة بين الطبيعي الذي يعتبر متفوقا وغير الطبيعي الأقل شأنا.

 

يمكن للمرء ـــ حسب الكويرية ـــــ أن يكون إما امرأة في جسد أنثى أو رجلا في جسد ذكر أو امرأة في جسد رجل أو رجلا في جسد أنثى، سواء عن طريق تحويل الجسد (المتحولون جنسيا)، وكذلك عن طريق قبول الغموض، والتهجين، وتعايش الذكورة / الأنوثة في جسد واحد.

 

كما يمكن للمرء أن يكون غيريا، أو مثلي الجنس، أومخنثاً. تعلي الكويرية من حالة ثنائية الجنس في جسد واحد أو الإنترسكس أو الخُنُوثَة ( Intersexuality) بوصفها حالة جنسية وسيطة "بين" و"أبعد" من حالة الذكورة والإنوثة، باعتبارها المتغيرات بين قطبي الحتمية الجنسية (الذكر والأنثى) وجزء من الطيف المتصل بفروقات دقيقة بين الذكر والأنثى، والأنثى والذكر.

 

يعد إدراك أن هناك خمسة أجناس ــــ إذ بالإضافة إلى الذكور والإناث، نجد الخنثوى الذي جَمَعَ بَيْنَ الذُّكُورَةِ والأُنُوثَة hermaphrodites (هيرمس)، والخنثى المذكر (merms) والخنثى المؤنت (ferms) ـــــ حقيقة إيجابية وليس سلبية أو مرضية بالضرورة. كما أن عدم توافق الهرمونات، والغدد التناسلية، والأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية والخصائص الجنسية الثانوية يتوسع كميا ويوضح نوعيا حالة وتصنيف الجندر (ما يسمى ب 'الجندر الإضافي").

 

تصبح الذكورة أو الأنوثة "مسألة درجة"، تتفاوت في النسبة والشدة من فرد إلى آخر، بناء على وجود أو عدم وجود خصائص معينة.

 

تعتبر نظرية الكوير أنه من المناسب بل من الواجب تعيين الأفراد ذوي الغموض في الأعضاء التناسلية ب "الجندر الثالث"، لا ذكر ولا أنثى بل ذكر وأنثى معا. وهذا هو المنظور الذي يرى أن كل شخص ينبغي أن يكون قادرا على اتخاذ خيار شخصي فيما يتعلق بإعادة تعيين جنسه أو حتى قبول حالته، حتى لو كان خنثى دون اجباره على "التطبيع" القسري، بمعنى تأنيث الذكر أو تذكير الأنثى. لذا فإن العلاجات الهرمونية أو الجراحة التي لا رجعة فيها للأطفال تعتبر غير مشروعة، من أجل أن الفرد يمكن أن ينمو في حالة ثنائيي الجنس ثم يقرر ما يريد عند البلوغ (أو لا يقرر) على أساس رغبته الفردية.

 

الكوير حاسمة تجاه تغيير الجنس، الأمر الذي يرفض التحول إلى جنس معين تبعا للجندر، وإلا فإننا، من وجهة نظرها، سنرتد الى الثنائية الجنسية.

 

تفضل الكوير عدم التحديد الجنسي على التحديد. وحالة المغايرة في الهوية الجندرية مفضلة على تغيير الجنس. المغاير الجندري هو شخص يعبر عن هويته الجندرية في الجسد والسلوك بطريقة عابرة أو مستقرة، وهذه الهوية منفصلة وغير متفقة مع الجنس البيولوجي. وترد أنواع جديدة: المرأة المتحولة أو العابرة وهو الفرد الذي ولد ذكرا ويعيش كأنثى، والرجل العابر، وهو الفرد الذي ولد أنثى ويعيش كما ذكر. ولكن أيضا الفرد الذي يجمع بين صفات ومواقف كل من الذكور والإناث في الوقت نفسه أو يتأرجح من أحد الجنسين لآخر بكل سهولة.

 

 

الكويرية، بوصفها نظرية نقدية، هي أي هوية متعددة، جمعية أو متغيرة. وأي سلوك يعد عموما انحرافا عن / وانتهاكا للتقليدي. تسلط الكويرية الضوء على الاختلافات وعلى اللا-اختلافات في الوقت نفسه، وبذلك فإنها تستجوب الهويات الثابتة والمستقرة والمتوافقة إنها تفكك التمثيلات الفردية والاجتماعية؛ كما أنها تعزز غير المحدد وما يتعذر الجزم فيه، في البحث الدينامي عن الهوية متعددة الأشكال.

 

في هذا المنظور، فإن الهوية غير موجودة: التعريف فقط هو الموجود، وذلك لأن هياكل الهوية متجهة دائما للتغيير ولا بد من تجاوزها وفقا للخبرات اليومية. ومن هنا يمكن النظر إلى الجسد بوصفه "مشبكاً " للهوية التي تفهم بوصفها وسيلة للحياة متغيرة باستمرار. يصبح الجسد مكانا تتداخل فيه معان عديدة، تتغيير بشكل مستمر في وقت واحد أو تعاقبي. ويشار أيضا إلى هذا المنظور ب"criss-crossing" أو" الخلط "لأنه يعزز تقاطع، واختلاط، واضطراب التركيبات بين الذات والآخر. الارتباك والتعقيد الجنسي هو المهيمن وفقا لنظرية الكوير، وتدعي النظرية أن ذلك موجود أيضا في بعض الثقافات، وفي الحيوات غير البشرية.

 

* باحثة ومترجمة فلسطينية حاصلة على ماجستير تكنولوجيا حيوية، ماجستير تربية وعلم نفس، بكالوريوس صيدلة، صدر لها مجموعة أبحاث أبرزها:

1- أفق يتباعد: من الحداثة إلى بعد ما بعد الحداثة، دار نينوى للنشر والتوزيع. دمشق 2014.

2- الإنسان في ما بعد الحداثة، دار يوتوبيا، بغداد، 2014

3- نهايات ما بعد الحداثة: إرهاصات عهد جديد، مكتبة ودار عدنان للنشر 2013.

4- فصل في موسوعة: الفلسفة الغربية المعاصرة: صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج- الجزء الثاني

أضف تعليقك