تغطية زيارة النواب لعزاء الزرقاوي: الصحافة تغزل على منوال الحكومة

تغطية زيارة النواب لعزاء الزرقاوي: الصحافة تغزل على منوال الحكومة
الرابط المختصر

هي بالتأكيد حملة إعلامية عنوانها زيارة النواب الاربعة لبيت عزاء الارهابي القتيل، ابو مصعب الزرقاوي، ولكن لماذا هذه الحملة؟ ولصالح من، وضد من، وما مصلحة الاعلام فيها وأين مهنيته في تناولها؟يقول المثل العربي: اذا وقعت الشاة كثر الذباحون، ولا شك ان حزب جبهة العمل الاسلامي، الحائر بين قواعده المتشددة، وجمهرة الناس الواقفين ضد الارهاب، ارتكب واحدة من اكبر خطاياه عندما انتدب اربعة من نوابه لزيارة منزل عزاء ابو مصعب الزرقاوي، الذي قتل في العراق في الثامن من الشهر الجاري. ولم تشفع كل الاعتذارات او بالاحرى التبريرات التي اطلقها قياديو الحزب للملمة تداعيات الزيارة.
ومن العارفين ببواطن الامور، فان رئيس الوزراء، معروف البخيت، استدعى عددا من محرري الصحف والكتاب، طالبا منهم "فزعة" ضد زيارة النواب الاربعة، ويبدو ان الرئيس ادرج هذه "الفزعة" في نطاق حرب الحكومة على الفكر التكفيري، خاصة وانها (الحكومة) أتت بعد تفجيرات عمان الارهابية في التاسع من شهر تشرين الثاني الماضي، وألقت على عاتقها مهمة محاربة الارهاب والداعين له.
ولقد كان للرئيس ما اراد، ففيما كان من المتوقع ان تنتهي أزمة النواب او خبر مقتل ابو مصعب كأي خبر اعلامي خلال ايام، بقي على مدار الاسبوع الماضي اهم ما تناولته الصحف المحلية، وخاصة صحيفة "الرأي" التي بدت وكأنها رأس حربة الحملة على "النواب الاربعة"، ولكن الحملة الاعلامية امتدت فبدت في جوهرها تستهدف كل حزب جبهة العمل في محاولة لتقليص نفوذه المتنامي في الشارع. وهو ما يؤكده طاهر العدوان في مقال له بصحيفة "العرب اليوم "(18/6) قائلا: "في البداية، قدمت الحكومة القضية على انها مسألة تتعلق بالقضاء الذي تحرك بناء على شكوى اسر شهداء الفنادق، لكن بعد سلسلة من التطورات الميدانية، اعلاميا وشعبيا، لم يعد ممكنا اخفاء الوجه السياسي الذي يوحي بوجود حملة حكومية ضد الاسلاميين، والواقع ان انطباعاتي عن الرأي العام الاردني تؤشر على انه تلقى قضية النواب الاسلاميين منذ اول يوم لاعتقالهم، باعتبارها قضية سياسية واجتماعية وقد جاء سياق تسلسل التطورات ليؤكد ذلك".
واذا كانت الصحافة حقا معنية بمحاربة الفكر التكفيري ومروجيه، اكثر من عنايتها في الانجرار الى معركة فرضتها الحكومة مع الحزب، فمباذا تفسر تسترها على زيارة النائب موسى الزواهرة لبيت العزاء، والذي تذرع بالواجب الاجتماعي كأحد افراد العشيرة، علما ان عشيرة بني حسن تبرأت من الزرقاوي، وعلما ان النائب علي ابو السكر فسر زيارته كواجب ديني. ولماذا سكتت الصحافة عن عدد كبير من الصحفيين الذين زاروا بيت العزاء، كمعزين لا كصحفيين.
هناك من يحاول تصوير الحملة، كجزء من حملة الحكومة لـ"عقلنة" حزب الجبهة، من خلال محاصرة المتشددين فيه، كرئيس أمين عام الحزب زكي سعد بني ارشيد، وافتعال او تضخيم الخلاف بين الحزب وجماعة الاخوان، ومحاصرة علاقة الحزب بحركة حماس الفلسطينية، ولكن الامر لا يتعلق برأي الحكومة، فهي لديها كل الحق في الدفاع عن رأيها واستخدام كل السبل الديمقراطية في ممانعة معارضيها وتحجيمهم.
السؤال يكمن في دور الإعلام ومهنيته.
نستدرك، ليس كل من حمل على حزب جبهة العمل الاسلامي، قام بذلك استجابة لطلب الرئيس، فهناك من الصحف وكتاباها من لهم موقف ضد الحزب وضد الارهاب وضد الزيارة بحكم مفاهيمهم الأيدلوجية او مواقفهم السياسية.
على انه، خلال الاسبوع الماضي فقط، نشرت صحيفة "الرأي" 67 خبرا، هي عبارة عن رصد ردود فعل على الزيارة. وقد استخدمت الصحيفة مصطلح "مجموعة الاربعة"، بما ذكر مواربة بالمصطلح الاعلامي الشهير الذي اطلق على "عصابة الاربعة" في الصين، التي ادينت عام 1980 بالفساد وتم تحميل افرادها مسؤولية تدهور الاوضاع في الصين بعد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، ولا يخفى على احد ما تحمله دلالة المصطلح الذي اختارته "الرأي"، فكان من عناوين الأخبار مثلا:
"ترقب نيابي لمصير "مجموعة الاربعة"، جمع تواقيع نيابية لفصل (مجموعة الاربعة)، استنفار شعبي ورسمي متنام فـي وجه "النواب الاربعة"، "مسيرة غضب" تندد بتعزية "مجموعة الاربعة" بالزرقاوي وتطالب بطردهم من مجلس النواب وقطع دابر الارهابيين ومن يشد على ايديهم.. الخ".
وبالطبع فقد كانت الصحيفة لا تكتفي بتقارير وكالات الانباء، وبخاصة تقارير وكالة "بترا"، فقد نشطت عبر مراسليها في تغطية ردود الفعل، بل وفي إجراء استطلاعات رأي كلها موجه لها هدف واحد، ألا وهو إدانة النواب.
صحيفة "الدستور" لم تكن اقل من زميلتها "الرأي" في الحملة "المنسقة" على النواب، فقد نشرت نحو 30 خبرا، كلها رصد ردود الفعل المنددة بفعلة النواب. وكانت عناوينها لا تختلف كثيرا عن عناوين "الرأي".
أما "الغد" فقد نشرت 20 خبرا، ولكنها زادت على جميع الصحف في ان نشرت على صدر صفحتها الاولى (19/6) استطلاعا للرأي أجرته على نفقتها شركة "ابسوس ستات"، توصلت فيه الى نتائج تشير الى رفض غالبية الاردنيين واستنكارهم لزيارة النواب. وقد اظهر الاستطلاع الذي اجري يومي 16 و17 حزيران الحالي، أن 59% من الأردنيين يطلقون صفة "إرهابي" على الزرقاوي.
ورفض 67% من عينة الاستطلاع التي بلغ حجمها 1014 مستطلعا تجاوزت أعمارهم 18 عاما، إطلاق وصف "الشهيد والمجاهد" على الزرقاوي الذي قتل في بعقوبة شمالي بغداد في السابع من حزيران الحالي.
وقال 73% من العينة التي جرى اختيارها حسب التوزيع السكاني بالنسبة للعمر، الجنس ومنطقة السكن، إن وصف الزرقاوي بـ"الشهيد والمجاهد" يمثل استفزازا لمشاعر الأردنيين ولأهالي ضحايا تفجيرات عمان التي وقعت في التاسع من تشرين الثاني الماضي وتبناها تنظيم الزرقاوي" (الغد 19/6). ولا يعرف بالضبط مدى دقة نتيجة الاستطلاع، ففي استطلاع آخر على موقع صحيفة "العرب اليوم" أيدت أكثرية المصوتين (حوالي 54%)، الزيارة، فهل هذا يعكس توجهات جمهور صحيفة "العرب اليوم"، او طبيعة السؤال الموجه في الاستطلاع، حيث ينص: هل تؤيد تعزية النواب الاسلاميين الأربعة بالزرقاوي من منطلق الحالة الانسانية؟ ام يعكس رأيا عاما لم ير في الزيارة ما يراه الآخرون؟
على كل فإن صحيفة "العرب اليوم" في تغطيتها كانت اقل انتشاء بالحملة على النواب الاربعة وحزب جبهة العمل الاسلامي، وامتنع بعض كتابها عن التعليق على الموضوع تجنبا للاصتدام مع الحكومة رغم أنهم أيدوا الزرقاوي في مقالات سابقة وقاموا بزيارة بيت عزاء الزرقاوي، أسوة بالنواب. والامر يعود الى خط الصحيفة التحريري، الذي لا يخفي توجهاته في دعم "المقاومة العراقية"، وان كان رئيس تحرير الصحيفة طاهر العدوان يشتكي مما يصفه بالارهاب الفكري الذي يمارس على الكتاب والصحف اذا وصفت اعمالا كالتي يقوم بها الزرقاوي بالإرهاب.
الجديد في امر تغطية "زيارة النواب" ان الصحف اكتشفت ان لديها مراسلين، وانهم قادرون على توليد مواد اصلية، وان كانت متشابهة وروتينية مغرقة في السذاجة، من نوع التغطية الباهتة للمسيرات والاعتصامات، او استطلاع ردود فعل مسؤولين وقادة رأي ومواطنين واهالي ضحايا التفجيرات الارهابية، وعدى عن ذلك فلا جديد او لا يوجد ما يستحق الكثير من القراءة في "حملة البروباغندا" هذه. وهي كذلك كانت تغطية "شبه منحازة بالكامل" لموقف جهة واحدة هو موقف الحكومة ولم تعط الرأي الآخر مساحة حقيقية توازن التغطية.
تعليقات الكتاب
اذا كان لا بد للحملة ان تكتمل فلا بد ايضا ان يستنفر الكتاب على مختلف مشاربهم السياسية والايدلوجية وتوجهاتهم ورسائلهم. ومن الكتاب من هاجم النواب الاربعة بشدة، إما بوحي موقف حكومي او ما بسبب موقف خاص بهم "معاد او سلبي" تجاه حزب جبهة العمل. في هذا السياق كان كتاب صحيفة "الرأي" هم الأبرز وقد اختلفت دوافعهم، وان لم يختلف جوهر مقالاتهم. وممن كتبوا في هذا الصدد: صالح القلاب، عبد الهادي راجي المجالي، طارق مصاروة، سلطان الحطاب، رمضان رواشدة، بسام العموش، سامي الزبيدي، محمود الريماوي، وافتتاحيات الرأي لاكثر من مرة، وكتاب تمت استضافتهم مثل النائب عبد الكريم الدغمي وغيرهم كثر.
وفي "الدستور" كتب عريب الرنتاوي، حلمي الاسمر، رسمي حمزة، امجد معلا، يحيى فارس الكردي، باتر علي وردم، ابو يزن، ابراهيم بدران، صبحي عبد القادر خنفر.
وفي "العرب اليوم" كتب طاهر العدوان ثلاث مقالات حاول ان يكون فيها متوازنا بين إدانة الزيارة وانتقاد الحملة على حزب جبهة العمل. فهد الخيطان الذي كتب اربع مقالات، لا يخفي ان المواجهة تحولت مع حزب العمل ولم تقف عند حدود الزيارة. رنا الصباغ (18/6) كتبت مقالا مطولا، جريا على عادتها يضيع القارئ في تلمس أفكارها، لكنه كان بشكل عام يوحي بموقف سلبي من الاسلاميين مطالبة "معتدلي الحركة الاسلامية بأخذ زمام المبادرة". جواد البشيتي لامس الموضوع من جانب واحد مبتعدا عن الدخول في صلبه، فرأى ان يكتب عن فوضى "الفتاوى"، والمعروف ان فتوى الشيخ محمد ابو فارس احد النواب حول شهادة الزرقاوي وقتلى التفجيرات أثارت هذه المسألة. نبيل غيشان كان مغردا خارج سرب كتاب الصحيفة فكان اكثر ميلا لمهاجمة النواب وجبهة العمل، وكذلك فعل حيدر رشيد ومحمد الصبيحي.
وفي "الغد" فكان ابرز من كتب فيها أيمن الصفدي، جميل النمري، ومحمد ابو رمان صاحب الموقف المعروف من حزب الجبهة وجماعة الاخوان وهو معجب بشدة في تصنيف الجماعة بين حمائم وصقور معتبرا ان الحملة على النواب الاربعة زاد من نفوذ التشدد مقابل الاعتدال (19/6).
في كل حال، فإن الحملة امتدت واتسعت كثيرا، فتناولت مرة من جديد حركة حماس وفتحت ملفها وملف علاقتها بحزب جبهة العمل. ولكن ما هو اخطر الحديث عن حل مجلس النواب بعد "الزيارة المشؤومة"، وهو امر بات يحتل حيزا في التغطية الاعلامية، والخوف لدى البعض ان يتم اتخاذ الزيارة ذريعة لحل المجلس، وهو امر كتب فيه سميح المعايطة وآخرون وله متابعة اخرى.
بعيدا عن الموقف من حزب جبهة العمل الاسلامي، وبعيدا عن مبررات وجوده ومدى توافقها مع الدستور الاردني، بعيدا عن كل هذا، فشأننا هو التغطية الاعلامية وليس الحزب او الجماعة، متشدديها ومعتدليها، وشأننا التغطية الاعلامية التي انساقت خلف توجه حكومي وعكست مدى نفوذ الحكومة لدى الصحف وخاصة الكتاب. وقد اصبحت الصحافة في هذه الغطية "قاطرة" لوجهة نظر احادية، ابتعدت عن مهنيتها، ولها ان تسأل نفسها لاحقا ما اذا كان هذا الانسياق سوف يسهم في حل البرلمان او في تشدد الحكومة، وكثيرا ما وقعت الصحافة، بحسن نية وبسبب توافق في وجهات النظر، في مطبات رسمتها الدوائر الرسمية.
الحملة الاعلامية على "الاسلاميين" حرفت اتجاه المعركة، فبدل ان تبقى بين الحكومة والحركة صارت بين الحركة والصحافة، فقد وصف المراقب العام لجماعة الاخوان الشيخ سالم الفلاحات الكتاب الذين هاجموا الحركة الاسلامية بـ"الموتورين". اما امين عام حزب الجبهة فقد اعتبر كتابات المعلقين "هجمة مخطط لها لمحاولة محاصرة الحركة. هكذا ببساطة خططت حكومة معروف البخيت منذ اسابيع ان يموت الزرقاوي فتستدرج نواب الجبهة الى بيت العزاء ثم تطلق "كتّاب الحكومة الموتورين اصحاب الولاءات الخارجية" الذين كانوا جاهزين وفاهمين للخطة"، كما نقل عنه محمد الصبيحي، العرب اليوم (13/6).
الصحافة يجب ان تكون موضوعية، والحملات الاعلامية هي نوع من العمل الدعائي يقترب من البروباغندا، ونتائجه ليست دائما في صالح حرية الاعلام نفسه، فما هو حصاد الصحافة في كل هذه الحملة، نخشى ان "تجني براقش على نفسها".

أضف تعليقك