تغطية المواقع لـ"المشاجرات" العشائرية: جبل الجليد يطفو على السطح
أمام تنافس المواقع الالكترونية الخمس وخمسين، وتوفر وسائل تكنولوجيا حديثة وسهلة الاستعمال في أيدي الناس، لم يعد في الوسع إخفاء أي ظاهرة فكل شيء "ظهر وبان"، نصاً وصوتاً وصورة.
عادة ما تتهم المواقع الالكترونية، وأحيانا الإعلام بشكل عام، كما حصل مع عشرات التعليقات على المواقع، بالتضخيم أو التهويل في الأحداث وكأنه صانعها، لكن هل كان الحال هكذا مع تغطية المواقع لـ"المشاجرات العشائرية"؟
تشير إحصاءات نشرتها الصحف، ويجمع الكثير من محللي وكتاب الصحف على ان ظاهرة المشاجرات العشائرية في زيادة مضطردة، لدرجة أن منهم من "حذر" من زعزعة هيبة الدولة، وتنامي "الهويات الفرعية"...الخ.
درجت الصحف المحلية، اليومية خاصة، على "التقليل" من أهمية، أو خطورة، المشاجرات العشائرية، وانتهجت خطاً محافظاً في نقلها مع اقل التفاصيل، وإخفاء أسماء العشائر المتورطة فيها، وتجاهل ما كان منها "صغيرا" او لم يحدث تداعيات.
وفي العادة كان يصل خبر الصحف باردا في اليوم التالي، عندما تكون قد "هدأت الخواطر"، وتمكنت الدولة أو "وجهاء الخير" من "السيطرة على الوضع".
غير ان المواقع على تعددها وكثرتها، مستفيدة من الناس، أي المواطن الصحفي وتوفر التكنولوجيا السهلة الاستعمال، صارت بالمرصاد لكل مشاجرة مهما كانت صغيرة او بدون تداعيات.
والحال، ان التغطية لم تعد مقتصرة على الصحفيين المحترفين، بل على المواطنين انفسهم، ففي المشاجرة الكبيرة التي وقعت في عجلون الشهر الماضي على خلفية مقتل مواطن، استعانت المواقع بمقاطع فيديو نشرها احد المواطنين على موقع "يوتيوب".
وفي هذا السياق فقد صار مألوفا عدم إيراد وجهة نظر الأمن العام او الاتصال بالمستشفيات او الأطراف المتشاجرة، وعادة ما تكتفي المواقع بسرد الوقائع، وكأن الاعتماد على "مراسلي" الميدان ونقل وقائع الأحدث يكفي لتزويد القارئ بما يريد معرفته عن الحدث.
وعادة ما تنشر بعض المواقع صورا للأحداث قليلة الجودة يبدو انها صورت بكاميرات موبايل او بعدسات هواة، دفعهم انتشار الانترنت وارتفاع الطلب على مثل هذه المقاطع الى العمل بحس اقرب ما يكون الى حس الصحفي.
على أي حال، في موضوع المشاجرات العشائرية تميز موقع "عمون" في تسجيل السبق الصحفي، وفي متابعته اكثر من غيره من المواقع، وامس الاحد، انفرد الموقع بتغطية احدث مشاجرة وقعت في منطقة سحاب بين عشيرتين استخدمت فيها الأسلحة النارية.
وفي المقابل، كان موقع "عمان نت" اقل المواقع اهتماما بنشر أخبار المشاجرات هذه، وبقي الموقع يستند أساسا الى جهد صحفييه لدى الامن العام، ولم يدخل إطار المنافسة على نقل الأحداث في تقارير خاصة، بل في قسم الأخبار المنقولة عن مصادر اخرى.
على ان مواقع اخرى دأبت على نقل الأخبار بدون استناد الى أي مصدر ولكن بصياغات مختلفة لتلحق بالمواقع السباقة، وبدون اضافة أي تفاصيل، وبدون صور او مقاطع فيديو.
والواقع ان اغلب المواقع قامت بنشر تفاصيل كثيرة عن المشاجرات العشائرية نصاً فيما غابت الصور والفيديو والصوت، فمن بين خمس مشاجرات عشائرية وقعت الشهر الماضي، لم ينشر سوى مقاطع فيديوية لمشاجرة عجلون.
وفي هذا الصدد، فان عشرات المواقع لا تزال تمارس عملية "إعادة تدوير المضمون"، مرات بذكر المصدر ومرات بدونه، مما يحرم المواقع المجتهدة من حصاد ثمار جهدها، من ناحية، اما من ناحية الاخرى فان عملية النقل هذه تربك القارئ، خاصة عند ايراد تفاصيل متضاربة.
في تعليق على مادة الزميل احمد ابو خليل المنشورة على موقع "عمان نت" حول تغطية الصحف للجرائم، تقول احدى القارئات: "حينما أسمع عن جرائم من احدى وسائل الإعلام وانا اقرأ عن الجريمة أتخيل إما أننا لسنا في الاردن بلد الامن والسلم والتسامح والتحاب، لا اعرف، أتخيل نفسي أعيش في بلد آخر. أو إما أن تكون قصص مفبركة او مختلقة كي تكون نوع من الجذب لقارئ الخبر او المشاهد كلن حسب مورد الخبر من صحافة او انترنت او راديو او تلفزيون او غيرها لكن للأسف في الآونة الأخيرة بدأنا نشعر بعدم المصداقية فمثلا سمعنا عن الشاب الذي قام بقتل شقيقته 3 طعنات ومصدر يقول 16 طعنة ومصدر آخر يقول 9 وفي نفس الخبر يقولوا التقى فيها في شارع عام وآخر يقول أمام المنزل ومصدر يقول إنها كانت بصحبة شباب فضبها في احد المنازل. وهكذا حال كل جريمة أصبح هناك تشويش للمتلقي مما أدى إلى فقدان المصداقية. فعلا نعم هو في النهاية وجود قاتل ومقتول لكن في إصدار الخبر يأتي من يزيد أو يشفر من صحة الخبر (كل يغني على ليلاه) في سرد الخبر لا أعرف لماذا لكنه حال كل خبر جرمي أو حادث سير او غيره".
والحال، ان هذا التعليق هو خير دليل على ارتباك المواقع، ان لم نقل استسهال إيراد تفاصيل مستعجلة دون التأكد من مصدرها أو مدى دقتها، الأمر الذي يؤدي الى إرباك القارئ نفسه.
مرة اخرى، يغيب عن محرري المواقع وضع سياسات تحريرية واضحة للتعامل مع المضمون، وهو امر تكشفه تغطية مثل هذه الأحداث، فأحيانا يقوم موقع ما بنشر أسماء العشائر والأشخاص المتورطين في المشاجرات، ومرات لا يتم ذكر هذه التفاصيل، وهذه تغطية تعكس غياب هذه السياسة والتعامل بمزاجية مع الخبر او بما يتوفر من تفاصيل لدى المحررين.
على كل، يعطي حجم التعليقات الكبير على اخبار المشاجرات العشائرية، كما على كل احداث العنف، مؤشرات للمواقع في التنافس على نقل هذه الأحداث، ورفعها الى مصاف الخبر الرئيسي احيانا.
وفي هذا، فان ميزة التفاعلية التي وفرتها صحافة الانترنت قد تكون سلاحاً ذو حدين، فهي من جهة تعطي بعض المتلقين ما يريدون معرفته، لكنها قد تشكل خطرا لناحية تجاهل او التقليل من اهمية امور اخرى قد تكون اكثر افادة للناس من الإغراق في أخبار المشاجرات وتكريس الوقت والجهد والموقع لها على حساب غيرها.
الامر الآخر في موضوع التعليقات، هو انتقال بعض المشاجرات للمواقع، بمعنى انخراط الفاعلين في المشاجرة في عملية التعليق والردود على بعضهم بعضا، واذا كانت المواقع أصبحت أكثر حرصا على تحرير الردود، وصار مألوفا استخدام كلمة "نعتذر" في جميع المواقع، الا ان ما يبقى من الردود يثبت ان المشاجرات تنتقل بشكل او بآخر الى العالم الافتراضي.
من الصعب اتهام المواقع بالمبالغة في نشر أخبار هذه الأحداث، وان كان الكثير منها، أي من هذه الاخبار، يفتقد للدقة وغير معزز بأرقام ومعطيات مستندة الى مصادر مباشرة وموثوقة، وتغيب عن بعضها الموضوعية، ويكتفى بسرد الوقائع نقلا عن شهود عيان ومراسلي ميدان، وعدم نسب الحدث إلى المصدر.
لكن يبقى ان كثرة الاهتمام بنقل اخبار المشاجرات العشائرية، فتحت اعين المحللين على الاقل على مسائل مهمة بات النقاش فيها مشرعا مثل دور الدولة وهيبتها والمساواة بين المواطنين وتعزيز سيادة القانون ودور الوجهاء والوسطاء.











































