تعوزنا الملايين ونسمع عن البلايين، كيف؟

الرابط المختصر

لماذا يُعلن عن مشاريع استثمارية تساوي البلايين بينما نعاني كثيرا على مستوى آخر لتوفير بضعة عشرات الملايين لمشاريع حيوية أخرى؟

في مجال العقار والانشاءات نقرأ عن مشاريع بقيمة بليون وبليونين وثلاثة أمّا في المجال الصناعي والتكنولوجي فإنه لإنجاز كبير الاقدام على انشاء مشاريع تكلف بضعة ملايين، وفي مشاريع البنية التحتية التي ينفذها القطاع الخاص بطريقة الـB.O.T نعاني بشدّة لتوفير التمويل فتقدم الدولة جزءا وتتشارك عدّة بنوك في ائتلاف قروض ويجري البحث عن صناديق اقليمية ودولية لتقديم جزء ثالث والاجمالي يصل في اضخم المشاريع لبضعة مئات من الملايين، و"يتجرجر" المشروع سنوات تؤدي لمضاعفة الكلفة بسبب صعوبة توفير التمويل كما حصل مع مشروع الديسي أو مشروع القطار الخفيف (الزرقاء– عمّان) الذي سينشأ بعد مراوحة وتعثّر بكلفة 235 مليون دينار توفر منها الحكومة 60 مليونا واذا كان هذا الحال لخط واحد فماذا عن الطموح بتوفير شبكة من السكك الحديدية لمناطق مختلفة؟
بالمقابل فإن شركات تنفذ مشاريع عقارية تعلن عن استثمارات بالبلايين في عمّان والزرقاء، ونسمع من رئيس منطقة العقبة الخاصّة المهندس حسني أبو غيدا أن مجموع الاستثمارات العاملة وتلك التي تمّ التوقيع عليها وصلت لأكثر من 18 بليون دولار وما وقع عليه فقط خلال الأشهر الستة الماضية بلغ أكثر من عشرة بلايين دولار!
معقول! كيف تتدفق البلايين هنا ويكون المال عزيزا صعب المنال هناك؟
السرّ هو أن هذه البلايين لا توجد فعلا أو تنفق فعلا أكان من المستثمر الاجنبي أو المحلي فهي القيمة المفترضة للمشاريع بعد اكتمالها أي بعد أن يتوفر المستثمرون اللاحقون في البناء والمشترون للشقق والبيوت والمشاريع الفندقية وغيرها.
يمكن أن تبدأ العملية بتوفير بضعة ملايين من مساهمين أساسيين ثم طرح أسهم للاكتتاب ومجموع الرأسمال المدفوع في العادة لن يتجاوز عشرات الملايين، وهذه تمكن من شراء الأرض ووضع المخططات وربما شق البنية التحتية ليتمّ بعد ذلك استقطاب المستثمرين والمشترين، وبالطبع ترتفع قيمة الارض سلفا وترتفع قيمة الشركة بحساب الأصول المملوكة الى اضعاف الرأسمال المدفوع فتصبح ارقام الاستثمار خادعة قياسا الى القيمة المنفقة والتي تسهم في النمو. والمشاريع العقارية التي تتحمل كلفة انجازها كاملة جهة واحدة هي نادرة ولا نعرف حتى الساعة منها سوى برجي الدوار السادس اضافة الى مشاريع الفنادق. ومن طرائف ما حدث أن مشروعا لشركة فلسطينية اعلن عنه بقيمة بليونين فصنع ضجة في فلسطين وتساؤلات عن اصل المال وتحققت السلطة الفلسطينية من الأمر فظهر أن رأسمال الشركة هو بضعة ملايين فقط انفق قسم منها على شراء الأرض التي يفترض ان تقوم عليها مشاريع لتصل قيمة المشروع كما هو مفترض على الورق الى بليونين!
ولا نعترض على آلية عمل المشاريع العقارية هذه التي توفر رأسمالا فعليا للإنفاق لا يزيد عن عشرات الملايين لكن الحديث عن البلايين سلفا على افتراض ان المشروع سينجز بالكامل وفق المخططات والنماذج الجميلة المصممة على موائد العرض أو على شاشات الكومبيوتر يكون حديثا مضللا فليس هناك انفاق يضخ فعلا هذه المبالغ التي لو كانت تنفق فعلا لكان الرواج والنمو ومستوى المعيشة والتشغيل قد ارتفع أكثر كثيرا مما يحدث فعلا على الارض.
 * نقلا عن الغد