علي زبيدات
نفت مختلف الجهات الرسمية الإسرائيلية، في أكثر من مناسبة، الرواية الإماراتية بشأن إلغاء الضم، ولم تتضمن “اتفاقية السلام” الموقعة في واشنطن أي إشارة إلى ذلك، بينما تشير مختلف الترجيحات إلى تأجيله بسبب جملة من الظروف السياسية.
هذه المادة تتحدث عن الحجة الإماراتية حول إقدامها على التطبيع، وأسباب تأجيل تنفيذ قرار الضم الإسرائيلي للضفة الغربية.
جاء قرار الإمارات و”إسرائيل” بإعلان تحالفهما علنًا بعد أن سبقته سنوات طويلة من تحالفٍ مُورس بالخفاء، تواصلًا وتنسيقًا وتبادلًا لكثير من المصالح، في ظل واقع عربي مُتهاوٍ وآخر فلسطيني مأساوي.
وكشفت مساحات التواصل الاجتماعي تحوّل حالة الإعلام الإماراتي المجنّد لصالح الحكومة، من تصريحات تساند الفلسطينيين قبل وقت ليس ببعيد، إلى تصريحات تدعو إلى قبول التحالف وتُظهر كمًّا من الادّعاءات التي تحتاج إلى تفنيد.
ويدّعي الإعلام الإماراتي أن الحكومة فعلت هذا من أجل الفلسطينيين، وأن سلامها مع “إسرائيل” لا علاقة له بتركيا أو إيران أو الولايات المُتحدة أو المصالح المُشتركة وسواها. إذ قيل إنه اتفاق سلام توقّعه الإمارات بمقابل إيقاف أو تأجيل خُطّة الضم الإسرائيليّة التي رحّبت بها الإمارات وشاركت في جميع مراسمها، بدايةً من ورشة المنامة ووصولًا إلى إعلان ترامب.
كما اعتبر الفلسطينيون والرافضون لمشروع التطبيع هذا التبرير نوعٌ من الكذب، استنادًا إلى ما صرّح به سفير “إسرائيل” في الأمم المُتحدة جلعاد أردان، بعد احتفال التوقيع مُباشرةً، لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “الضم لم يسقط من الحسابات، وسيخضع للمناقشة بعد الانتخابات الأمريكية”.
وأضاف: الضم لم يُلغَ! ولكنه نَزَل من سُلّم أولويات الأمريكيين مرحليًا”. وإن إصرار أردان على التوضيح “من سلم أولويات الأمريكيين”، يعني أن مشروع الضّم لا يزال على رأس سلم أولويّات “إسرائيل”، ولم يسقط نهائيًا من حسابات ترامب الذي يحتاج لبعض الهدوء و”الإنجازات” قبيل الانتخابات، ليعود بعدها للواجهة. (1)
بينما صرّح رئيس الكنيست الإسرائيلي (رئيس جهاز التشريع في الدولة العبريّة) وعضو حزب الليكود الحاكم “ياريف ليفين” بالقول “إنه لا يوجد أي تنازل عن الضم”، مُضيفًا: الضم لن يحدث بيوم واحد كما لم تقُم هذه الدولة بيوم واحد، وسنصل لهذا. (3)
ويُوضّح رئيس الكنيست الإسرائيلي ليفين أنّ الضم ليس عملية تحصل بين ليلة وضُحاها، بل فعل دائم مثل فعل تأسيس الدولة. ولا ينجدل هذا التصريح في سياق المُناكفات الإسرائيليّة الداخليّة، بل ضمن واقعٍ جارٍ منذ سنوات طويلة.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر مثلًا: بِدْء العمل على خطّة شارع 935 الذي يخدم مئة ألف مُستوطن في الضفة الغربية، والذي أفادت “محكمة العدل” الإسرائيلية بأنّه سيسبب ضررًا كبيرًا لأملاك الفلسطينيين الخاصّة في الضفّة. إلّا أنّ قرار وزارة المواصلات هو إطلاق المشروع حالًا، والحديث عن مشروع ضخم سيصل بين المستوطنات غربًا، وصولًا لرام الله فالقدس. كما سيمرّ من قلب أراضٍ لسكان رام الله والقدس، ويمنعهم من الوصول لعشرات آلاف الدونمات التي تُعدّ ملكًا خاصًا لهم. (4)
وتستمر “إسرائيل” بقراراتها لأعمال الإخلاء والهدم، إذ كان آخرها قرار “محكمة الّصُلح” في القدس إخلاء عشرات المنازل الفلسطينية لصالح جمعية استيطانيّة تدعي المُلكيّة اليهودية للأرض.(5) وما تلاه من قرار وزير الحرب الإسرائيلي “بيني غانتس” ببناء 5000 آلاف وحدة سكنيّة استيطانيّة في مناطق الضفّة الغربيّة، تركّزت المئات منها في مُستوطنة بيت إيل وجنوب جبل الخليل. (6)
إذًا، فالضمّ لن يتوقف سواء بشكلٍ رسميّ أو غير رسمي، كما أنّهُ مستمر على أرض الواقع كما كان منذ سنوات طويلة على شكل هدم وطرد واستيطان. إذًا لماذا هذا الاحتفاء الإماراتيّ؟ ولماذا تحتاج الإمارات ومساندوها لهذا “البوق الإعلامي”؟
من الجدير بالذكر أيضًا، تصريحات قيادات كبيرة في حزب الليكود التابع لنتنياهو، في ردّهم على تصريحات وزير الخارجية غابي أشكنازي بألمانيا الخارجة عن العُرف والتقليد السياسي الجاري، بعدم مهاجمة البعث الدبلوماسية وهي في أرض المُضيف. إذ اعتبروا أقوال أشكنازي حول تحوّل “إسرائيل” من الضم إلى التطبيع “سخيفة” حيث أشاروا أنه لا يعرف شيئًا عن الاتفاق ولا علاقة له به.
هل من تنافر معرفي لدى موقّعي اتفاق التحالف مع “إسرائيل”؟
يشرح عالِم النفس الاجتماعي ليون فيستينغر نظريته حول التنافر المعرفيّ، أنّها مجموعة اضطراباتٍ نفسيّة تتولّد لدى الفرد نتيجة فقدانه للتوازن بين المعتقدات والسلوكيّات. إذ يُحاول الإنسان التوفيق بين الأفكار والسلوكيّات، فينتج لديه شعورٌ بالتنافر والتناقض يُحاول التعامل معه بسُبُلٍ عدّة. (7)
وفي حين أن قضية فلسطين هي قضيّة عدالة في وجدان شعوب العالم أجمع والعربيّة منها بشكل أخصّ، عدّوها هي الدولة العبريّة، تود الإمارات توقيع اتفاق مع من يُعادي مسألة العدالة هذه. والحلّ للفكاك من هذا، التناقض أو شتم الفلسطينيين بالقول “إنهم باعوا أرضهم”، لإبعاد “شُبهة” العدالة عنها، وهو الجاري منذ فترة، إلّا أن تطبيقه يحتاج لوقتٍ طويل. أو إيجاد حلّ لهذه المُعضلة بُغية تحييد التناقض، أي بالقول مثلًا إنّ الإمارات بهذا الاتفاق أوقفت الضمّ، إلّا أنّنا وهي نعرف أن الضم لن يتوقف، وأن “إسرائيل” ليست معنيّة بإيقافه، ولا ترامب والمُحيطين بهِ ممن انتقلوا من تبني الخط الإسرائيلي، للتبني المُباشر للخط الصهيوني اليميني الليكودي؛ معنيّ باتخاذ موقف كهذا. هذا النوع من التبرير، لا يقصد الفلسطينيين، بل يقصد محاولة تبييض صفحة الاتفاق في الوعي العربي الجمعي، ومحاولة لإعادة توازن وجداني مُختلّ أصلًا.
إن ذهاب الإمارات وبعدها البحرين إلى اتفاق تحالف مع “إسرائيل”، وادّعائها أنه يصب في مصلحة الفلسطينيين، بُغية حل تناقضها مع الوجدان العربي، لم يُسقِط الضّم من الحسابات الرسميّة ولم يوقفه حتى الآن، بل بات يتقدّم بشكلٍ زاحف أكثر من أي وقتٍ مضى. وإن كان هذا الكلام حقيقيًا جدلاً، إلّا أنّه لا يُبرر للإمارات ولا لمن سواها فعل التسليم مع الدولة العبريّة أولًا، وهذه الخفّة والهزالة ثانيًا.
المصدر:
(1) موقع “كيبا”. 16/09/2020: https://bit.ly/36x0ebG
(2) “تصريح رئيس الكنيست”: https://bit.ly/2SoZc9C
(3) “تصريح قيادات في الليكود”: https://bit.ly/3jtuHeB
(4) “بدء العمل في الشارع الذي يصل 100 ألف مُستوطن لغرب الضفة”: https://bit.ly/34muW4S
(5) قرار إخلاء عشرات المنازل الفلسطينية: https://bit.ly/3l9blvJ
(6) “وزير الدفاع الإسرائيلي يطرح خُطّة بناء 5000 آلاف وحدة استيطانية في الضفة الغربيّة”: https://bit.ly/2SqmJXD
(7) Festinger, L. (1957). A Theory of Cognitive Dissonance. California: Stanford University Press.