تتأرجح وسائل الإعلام بين النقل الموضوعي أو إثارة الهلع بشأن كورونا!
كتب عبد الكريم عوير، وهو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه بدورته السادسة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين: لم تكد منظمة الصحة العالمية تعلن فيروس كورونا المستجد كوباء حتى بات حديث الجميع، من سياسيين واقتصاديين وأطباء وعامة. وذلك لما له من آثار تتعدّى فترة تفشي الوباء نفسها.
في مراحل الأزمات والكوارث ينبغي على الإعلام أن يكون أكثر حذراً في ما ينشر من معلومات وفي ما يجيب عليه من تساؤلات، حيث يمكن للكلمة الواحدة أن تصيب مجتمعاً كاملاً بالقلق أو تدفعه للهلع، كما يمكن لكلمة واحدة أيضاً أن تطمئن مجتمعات بأسرها.
وسائل الإعلام كفيلة بخفض حالة الهلع
الموازنة بين تثقيف المجتمع وطمأنته في الوقت ذاته ليست بالعملية السهلة لا بل هي شاقة على كم هائل من الصحفيين. فأخبار الفيروس القاتل الذي أصاب أكثر من نصف مليون إنسان في غضون أشهر قليلة لا تبدو مُطمئنة، ولكن في الوقت ذاته إنّ نشر معلومات متكررة بشكل يومي عن الوباء يعرّض المتلقين لضغط نفسي هائل.
وفي هذا السياق، أجرت جامعة - كارنيجي ميلون - عددًا من الأبحاث تبين فيها أن فرصة الإصابة بنزلة البرد العادية تزيد مع الأشخاص الذين يعانون من الضغط العصبي، في إشارة لتأثير الضغط العصبي والنفسي على الجهاز المناعي. ويفرز جسم الإنسان وقت الضغط العصبي مجموعة من الهرمونات مثل "الكورتيزول" التي تعمل على تثبيط عمل الجهاز المناعي عن طريق تقليل الأجسام المضادة التي تحمي الجهاز التنفسي، بالتالي تزيد فرصة الإصابة بنزلة برد.
وفي تقرير نشرته يمنى أيمن في مجلة نقطة العلمية، قالت إنّ الحال نفسه ينطبق على فيروس كورونا المستجد، إذ يعمل جسم الإنسان بنفس الطريقة، فانتشار الأخبار الكثيف سيؤدي إلى حالة من الهلع الكبير التي من الممكن أن تؤثر على جهازنا المناعي، وبالتالي تتسبب بحالات أكبر للعدوى.
وفي حوار مع عبد الحكيم محمود وهو باحث وصحفي علمي من اليمن، قال: "إنّ المبالغة في نقل اخبار انتشار وباء كرورنا او اسلوب التجاهل والاستهزاء من الاجراءات الاحترازية كلاهما ينبعان من جهل وعدم معرفة علمية حقيقية بكارثية الوباء. وأضاف: "مع نقل أخبار الملوك والساسة الذين أصيبوا بالفيروس وهم في قصور محصّنة، يبقى السؤال الذي يراودني كإعلامي ما هي الرسالة التي يجب أن أنقلها للمواطن البسيط في مدينة تعيش حرباً منذ أعوام، كمدينة عدن التي أسكنها، وهي منهارة اقتصاديا، وصحياً وأمنياً وبيئياً؟".
الأخبار الكاذبة قاتلة أيضًا
من جهته، قال مدير منظمة الصحة العالمية في تصريح سابق: "نحن لا نحارب الوباء فقط، نحن نحارب وباء المعلومات"، في إشارة منه لتفشي الأخبار الكاذبة حول الوباء.
كذلك فإنّ الصحفيين أنفسهم عرضة لتلقي الأخبار الزائفة مثلهم مثل الجميع، لكن تقع على عاتقهم مهمة تحليل هذه المعلومات والتأكد من مصداقيتها، خاصة مع انحسار دور غرف الأخبار التقليدية وزيادة دور صحافة المواطن.
والجدير ذكره أنّ الانتشار الكبير للمعلومات المغلوطة والكاذبة، والإشاعات حول فيروس كورونا في عدد من مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي دفع موقع The Lancet لإجراء دراسة ضخمة حول مسألة شاعت بشكل كبير مؤخراً وهي انتقال العدوى من الأم المصابة إلى الجنين أثناء الحمل، وهو ما دأبت على ذكره صفحات كثيرة مستغلة ضعف فهمنا للغة الصينية وترويجه على أنه خبر موثوق من مصادر صينية.
وفي نتائج الدراسة التي أجراها الفريق البحثي الذي عمل على تحليل عينات مأخوذة من 9 سيدات حوامل أصبن بالفيروس في فترة حمل بين 36 إلى 39 أسبوع، ونُقِلنَ إلى مستشفى تشونغنان في مدينة ووهان التي انتشر فيها المرض، تبيّن أن العدوى لم تنتقل عامودياً (من الأم لجنينها). هذه الدراسة على الرغم من صغرها (٩ سيدات فقط) لا يمكن أن تكون وحدها كافية لتأكيد عدم انتقال الفيروس، ولكنها تعد مؤشراً جيدا إلى أن ما نشر في وقت سابق كان بمثابة أخبار كاذبة.
توازيًا، قال د. أسامة أبو الرب، محرر الشؤون الطبية في شبكة الجزيرة "إنّ المعلومات الخاطئة تشكّل خطراً على صحة الناس لا يقل عن خطر فيروس كورونا المستجد، وقد تقود لوفيات". وأضاف أبو الرب: "المعلومات الخاطئة التي تم تناقلها في إيران عن أن شرب الكحول يساعد في الشفاء من كورونا، أدت إلى وفاة 27 شخصاً تسمموا بمادة الميثانول نتيجة شربهم كحولاً مغشوشًا. كما أن المغالطات التي تهون من الفيروس وتقول إنه مؤامرة أو خدعة، تقود إلى استخفاف من قبل الجمهور بالفيروس وعدم اتباعهم للتوصيات الطبية من حيث العزل المنزلي والوقاية وغيرها، وهذا يقود إلى تفشي الفيروس، ولاحقاً تسجيل وفيات".
أول وباء من نوعه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
انتشر وباء سارس في ٢٠٠٣ ووباء انفلونزا الخنازير الذي تمّ الكشف عن أوّل حالة تعاني منه في المكسيك تعود لعام ٢٠٠٩، إلا انّه في كلا الحالتين لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد احتلت جزءاً كبيراً من حياتنا، وبالتالي فإن سرعة انتشار المعلومات كانت مختلفة كلياً.
ولمواجهة هذا التحدي في انتشار المعلومات المغلوطة والتحكم بها بمقدار كبير، عينت منظمة الصحة العالمية 20 موظفاً وبعض الخبراء الاستشاريين في مجموعات الاتصالات التابعة لها لمكافحة المعلومات المغلوطة بالتعاون مع Facebook و Twitter و Tencentو Pinterest وتيك توك.
سيل الأخبار الكاذبة هذا دفع منصة "فتبينوا" وهي مؤسسة عربية لتدقيق المحتوى العربي على الإنترنت للعمل على مدار الساعة، للتحقق من الاخبار الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعية، وفي حوار مع مدير المؤسسة الدكتور معاذ الظاهر أخبرنا أن عدد الأخبار الكاذبة والمفبركة أو العناوين المضللة قد ارتفع بشكل كبير خلال فترة تفشي الوباء. وأضاف الظاهر: "لقد كنا بحاجة لتغيير طريقة عمل الفريق، حيث قمنا بوضع أخبار فيروس كورونا في الصدارة للعمل عليها، وتحققنا من أكثر من ١٠٠ خبر خلال فترة تفشي الوباء". يذكر أن فايسبوك وقعت شراكة مع مؤسسة فتبينوا لمتابعة والتحقق من المحتوى في ١٩ دولة عربية.
أما الصحفي الموريتاني محمد لحبيب، والذي توجهنا له بالسؤال عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار أو انحسار الفيروس قال: "منذ 2009 أعلنت حالة الطوارئ الصحية العامة لدى منظمة الصحة العالمية خمس مرات، ورصد خبراء منظمة الصحة العالمية حدوث 1483 انتشار وبائي في 172 دولة بين 2011 و2018.. لكن لا شيء من هذه الأوبئة وصل حجم تداول الأخبار الذي وصل إليه الكورونا".
وأضاف لحبيب: "إن امتلاك كل إنسان لوسيلة توزيع للمعلومات، على نطاق واسع بدرجة تفوق الخيال، واحتراف كثير من العامة صناعة الكذب، وضعف القدرات النقدية للأخبار لدى غالبية المتلقين (الذين يعتبرون في نفس الوقت موزعي أخبار) زادت من منسوب الهلع، وانعكست سلباً على سلوك كثير من الناس حول العالم؛ فحين يصل الإنسان إلى مرحلة توزيع خبر ما فمعناه أن مستوى القناعة به سيدفعه إلى ترتيب سلوك عليه، مما سيزيد من حجم كرة ثلج (الهلع) التي اجتاحت العالم."
استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل جيد
يستطيع الصحفي الجيد أن يلجأ إلى شبكات تحليل البيانات الضخمة أو استخدام برامج الاستماع للمنصات الاجتماعية أو يلجأ الى social media listening toolsومنها البرنامج الشهير Talkwalker لمعرفة ما يدور في شبكات التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها في الرصد، حيث يمكن للمنصات والمنتديات عبر الإنترنت أن تعطي مؤشراً على وجود خطر ينبئ بالوباء.
وفي معرض حديثه عن وسائل التواصل الاجتماعي يرى الصحفي الموريتاني محمد لحبيب: "إن لوسائل التواصل الاجتماعي أثراً إيجابياً أيضاً، فقد سهلت التوعية والتواصل بين المسؤولين والمختصين، وبين الجمهور من جهة، ما أسهم في نشر المعلومات بشأن الوباء وطرق الوقاية منه. وأسهم كذلك في الضغط على المسؤولين من أجل التعاطي الجدي مع الموضوع". كما يؤكد أنها "سهلت عملية التواصل، ومكنت من تطبيق القرارات الخاصة بالعمل من المنازل، كما ساعدت وسائل الإعلام خاصة على إيجاد بدائل للتواصل المباشر مع الضيوف، ومع زملاء العمل وجعلتها في بحبوحة من المعلومات غير مسبوقة عن أي وباء".