تاريخية "هيكل سليمان" تحت مجهر برفيسور أردني

تاريخية "هيكل سليمان" تحت مجهر برفيسور أردني
الرابط المختصر

في حوار مطول أجرته صحيفة "الغد"، فند البروفيسور الأردني "أحمد ملاعبة" الباحث الدولي في التراث الطبيعي، المزاعم الإسرائيلية بوجود هيكل الملك سليمان تحت المسجد الأقصى بالقدس الشريف، ومملكة النحاس العبرانية في بلدة "فينان" في وادي عربة جنوب الأردن، وذلك بالاستناد إلى الشواهد التاريخية والطبيعية الموثقة بالأدلة العلمية.

 ودعا العالم المتخصص في هندسة الجيولوجيا والمعادن والبيئة في الجامعة الهاشمية والملقب بـ"قيصر الصحراء" بحسب ما أطلق عليه الباحثون الألمان، في الحوار الذي أجرته الزميلة حنان الكسواني، إلى البحث الدقيق عن موقع هيكل سليمان بعيدا عن أرض فلسطين، مشيرا إلى أن قصر بلقيس ملكة سبأ شيد من الزجاج "القوارير"على بحر مليء بالأسماك والأحياء البحرية، ومن المحال أن يكون هو البحر الميت الذي لم يطرأ تغيير كبير على شدة ملوحته وانعدام إمكانية تواجد حياة في مياهه منذ 11 ألف عام.

وأوضح ملاعبة أن أسطورة مملكة اليهود التي تمتد من النيل إلى الفرات "مزيفة" ومخالفة للواقع التاريخي، الذي كشفت عنه عدة برديات فرعونية، عندما أكدت أن اليهود عاشوا أولا عمالا في مصر بالقرب من نهر النيل، وبعد خروجهم من مصر وفقا للملاعبة، قام "نبوخذ نصر" بسبيهم وساقهم باتجاه بابل في العراق بجانب نهر الفرات، بعد أن دمر كل أثر لهم، لكنهم ارتأوا بناء على الأيديولوجية الصهيونية بأن يشيروا في علمهم الأزرق أن مملكة سليمان تمتد من النيل إلى الفرات، لكن في الحقيقة هما يدلان على دجلة والفرات.

 ويرى أن التاريخ سيتحول إلى "استغابة موتى" إذا لم يحكمه الدليل العلمي الموثق القادر على نصرة الحقائق.

فراس السواح واستنطاق الصخور:

 لم يكن ملاعبة أول القائلين بزيف الرواية الإسرائيلية حول وجود "هيكل سليمان" تحت المسجد الأقصى علميا وتاريخيا، فقد تركزت أعمال كثيرة للباحث الأركيولوجي السوري "فراس السواح" حول البحث عن مدى انطباق الرواية التوراتية على مجمل الأحداث التاريخية والمواقع الجغرافية في القدس، ليخلص في أحد أواخر كتبه "تاريخ أروشليم والبحث عن مملكة اليهود"، إلى أن البينات الأثرية من الموقع "القدس" تؤكد أن المدينة كانت مهجورة وخالية من السكان خلال تلك الفترة "المفترضة لوجود الهيكل وهي القرن العاشر قبل الميلاد"، ولم تكن منطقة يهوذا تمتلك قاعدة سكانية واقتصادية لقيام مثل هذه المملكة، إضافة إلى عدم وجود وثائق خارجية تتقاطع مع الرواية التوراتية، والممالك الكبرى المجاورة لم تلحظ قيام دولة منافسة امتدت حدودها من الفرات إلى النيل.

ويؤكد السواح أنه "من المستحيل على هيكل سليمان بكل أبهته وعظمته الموصوفة في سفر الملوك الأول "من العهد القديم"، أن يكون قد بني في القرن العاشر قبل الميلاد، كما أنه من المستبعد أن يكون مثل هذا الهيكل قد بُني في القرن التاسع، لأن أورشليم كانت في ذلك الوقت مجرد مركز إداري بسيط، ولم يكن أمراؤها قد حققوا درجة من الغنى أو السلطة المركزية تساعدهم على القيام بمشاريع عمرانية ضخمة.

ويرجح بناء على ذلك، "أن يكون أول هيكل ديني كبير أقيم في أورشليم قد بني في عصر الملك آحاز في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، عندما تحولت أورشليم إلى عاصمة لمنطقة يهوذا، ومع ذلك، فإن التنقيبات الأثرية التي جرت في موقع أورشليم منذ أواسط القرن التاسع عشر، لم تفلح في العثور على أثر واحد من آثار ذلك الهيكل".

وفيما يتعلق بالهيكل الثاني، فإن السواح يرجح "أن يكون العائدون من السبي البابلي قد بنوا في موقع الهيكل الأول المهدم مقاما دينيا متواضعا، جرى توسيعه فيما بعد على يد ملوك الأسرة المكابية بعد أن توسعت دولتهم وازدادات ثروتهم. ولكن البينات الأثرية على هذا الهيكل الثاني مفقودة أيضاً، وكل ما تبقى من هيكل أورشليم عبارة عن أجزاء من هيكل هيرود، الذي يعود بتاريخه إلى أواخر القرن الأول ق.م.

وينقل السواح في كتابه "تاريخ أورشليم" عن المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، وكان يعرف هيكل هيرود حق المعرفة، قوله "بأن هيرود قد وسع هيكل زرُبابل (الهيكل الثاني) وزاد عليه بمقدار الضعف، ولاشك أن هذا التوسيع قد طال المصطبة القديمة التي شُيد فوقها المعبد مثلما طال المعبد المنبي فوقها، فلقد عمد هيرود إلى بناء مصطبة عملاقة استندت قواعدها على السفحين الشرقي والغربي لسلسة هضاب أورشليم، واستوعب داخلها من الجنوب والشمال والغرب مصطبة زرُبابل القديمة، فارتكز جدارها الشرقي على أرضية وادي قدرون (وفق التسمية القديمة التي يستعملها يوسيفوس)، وارتكز جدارها الغربي على أرضية وادي تيبريون".

"وبذلك حلت هذه التقنية المعمارية مشكلة تشييد معبد واسع على ذروة الهضبة الضيقة التي لا يتجاوز عرضها ثمانين مترا، وقد شكَّل سقف المصطبة الباحة الواسعة للهيكل التي أحاطها هيرود بسور، وبني على مستديرها أروقة ذات أعمدة، وفي الوسط، رفع المعبد الذي ركز على مظهره الخارجي".

وفي الحقيقة، يضيف السواح "فإن نتائج أولى الحملات التنقيبية في موقع الحرم الشريف، وهي الحملة البريطانية التي جرت بقيادة المنقب وارن ابتداء من عام 1867، قد أيدت شهادة يوسيفوس، وأظهرت الصلة العضوية بين هيكل هيرود والحرم الشريف.

فقد أجرى المنقب وارن عددا من الأسبار في المدينة التي تقع داخل السور الأخير الذي بناه السلطان العثماني سليمان القانوني، ولكن النتائج لم تكن مشجعة لأن أقدم ما توصل إليه يعود إلى العصر البيزنطي، لذلك فقد قرر التوجه إلى منطقة الحرم الشريف التي كان من المعتقد بأنها موقع هيكل سليمان القديم، ولكن السلطات العثمانية لم تسمح له بالتنقيب داخل سور الحرم، ثم اتفق الطرفان على إجراء الأسبار حول الحرم وعلى بضعة أمتار من السور الخارجي.

"ومن أجل الوصول إلى الأساسات السفلية للمصطبة لغرض معرفة تاريخها والنمط المعماري الذي تنتمي إليه، عمد وارن إلى حفر أنفاق عامودية موازية لجدار المصطبة بعمق ثلاثين مترا وصولا إلى القاعدة الصخرية التي ترتكز عليها الأساسات تحت ذلك الردم الترابي الهائل، وعند ملامسة القاع اتجه نحو الأساس بدهليز أفقي حتى كشف عن حجارته، وقد تبين له أن الأقسام المطمورة في التراب هي استمرار للأقسام الظاهرة فوقه والتي عمد بناة الحرم الشريف إلى ترميمها وإكمالها، وأن الأسلوب المتبع في بنائها وطريقة نحت ورصف حجارتها تنتمي إلى النمط المعماري الهيرودي المعروف من عدد من المنشآت الهيرودية الموثقة".

"وبذلك تم التأكد منذ ذلك الوقت المبكر من أن البقية الباقية من هيكل أورشليم، وهي المصطبة وأساساتها والأقسام الباقية من سور الهيكل ومنها الجدار المعروف بحائط المبكى، لاعلاقة لها بهيكل سليمان، وأن المنشآت الإسلامية للحرم الشريف قد قامت مباشرة على أرضيات معبد هيرود".

ويتابع السواح مسيرة التنقيبات الأثرية في القدس، "فبعد حوالي قرن من الزمان، أكدت تنقيبات عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون، التي جرت بين عامي 1961 و 1967، نتائج المنقب وارن. ولكن كينيون لاحظت بعد إزالة الركام الترابي عن الجدار الشرقي أنه يتألف من قسمين، قسم مبني بحجارة ملساء منحوتة بأسلوب العمارية الهيرودية، وآخر مبني بحجارة خشنة ينتمي إلى نمط فينيقي كان سائداً خلال القرن السادس ق.م، وهذا ما قادها إلى الاستنتاج بأن هذا الجدار الخشن هو الجدار الشرقي للهيكل الثاني الذي وسعه هيرود في الاتجاهات الثلاثة شمالا وغربا وجنوبا، بحيث استوعب مصطبته الجديدة كامل المصطبة القديمة.

هذا وتلخص المنقبة كينيون نتائجها بخصوص هيكل أورشليم بقولها: "إن المصطبة القائمة اليوم هي كل ما بقي لنا من هيكل هيرود الذي يعود إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد، فبعد تهديم المعبد من قبل الرومان في حملتهم على أورشليم عام 70م وفي حملتهم الثانية عام 134م. تم استخدام حجارته في تشييد أبنية مدينة إيليا كابيتولينا التي بنيت على أنقاض أورشليم، وما بقي من الحجارة جرت الإفادة منها في الفترة البيزنطية والإسلامية.

"وحتى إذا سمحت الظروف بالتنقيب تحت الحرم الشريف (من أجل البحث عن المستويات الأقدم للموقع) فإن من المؤكد، بحسب كينيون أن المنقبين لن يعثروا على شيء يُذكر، لأن أرضيات الحرم الشريف تقوم فوق القاعدة الصخرية للتل مباشرة، وهنالك جزء من هذه القاعدة الصخرية يمكن رؤيته الآن تحت قبة الصخرة، ويدعى بالصخرة المقدسة"، وفقا لما ذكره السواح في "تاريخ أورشليم".

للاطلاع على حوار "الغد" مع البرفسور ملاعبة

http://www.alghad.com/?news=531492

أضف تعليقك