بين بورصتين

الرابط المختصر

هنا في الأردن يقدم رئيس الوزراء نادر الذهبي على إجراء عملية جراحية ضرورية
لاستئصال ورم اقتصادي خبيث اسمه شركات البورصة العالمية التي تخدع أصحاب الوفر
القليل لتستولي على نقودهم القليلة أصلا .. وهذه العملية بالرغم من كونها خطوة
واسعة وشجاعة لإنهاء ملف مقلق من الفساد المعولم إلا أن أهميتها الاستثنائية تأتي
من كونها تضرب ثقافة فاسدة لا تقيم وزنا لأبسط المعايير الأخلاقية فهذه التجارة
الفاسدة تستند إلى فلسفة الثلاث ورقات والخداع والاستثمار في جهل الآخرين ولعل في
هذه الخطوة الشجاعة تطوى صفحة التلاعب بالأرقام والكذب على البسطاء وافتعال
النجاحات الوهمية في أكثر من قطاع.هذه الثقافة التي أتت مترافقة مع بروز اليمين الجديد والنيوليبرالية مطلع العقد
الحالي والتي سيطرت على القرار الاميركي لثمانية أعوام تتلقى الآن الضربات على
المستوى الكوني وأضحت مجلبة للازمات والإفلاس وتنذر بالانهيارات في العديد من
الأسواق ولعل انهيار بنك ''ليمان براذرز'' رابع اكبر البنوك في العالم يؤكد أن
الأزمة التي جلبتها سياسات اليمين الجديد لم تعد وبالا على العالم فقط بل وعلى
الاميركيين أنفسهم أيضا.

هذه الثقافة تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن وإذا كانت
الإدارة الجمهورية الحالية تعد بطلة كل هذا الخراب في العالم فان صنائعها في العالم
من نخب تجيد اللعب بالورقات الثلاث مسؤولة بنسب متفاوتة عن الخراب الجزئي كل في
بلده وكل حسب طاقته الاستيعابية وقدرته على تعميم القيم الفاسدة وبالتالي فان نهاية
حقبة النيوليبرالية قد بدأت بالفعل ليس في مهدها ( الولايات المتحدة ) بل وفي أصقاع
الأرض قاطبة ..

في لحظة واحدة تغير المزاج الاميركي برمته عقب انهيار بنك
''ليمان براذرز'' وتحول النقاش العام هناك من الشؤون الشخصية والجنسوية إلى المربع
الأول حيث القلق بشأن السياسات الاقتصادية وهي شؤون يتقن الديمقراطيون التعامل معها
أكثر من الجمهوريين الذين يستثمرون في هامش الخوف لدى الناخب الاميركي.

أمس
تحديدا كان يقول المرشح الجمهوري جون ماكين في برنامج صباح الخير أميركا انه جاد في
الاهتمام في الشأن الاقتصادي محاولا الابتعاد ما أمكن عن ظلال إدارة بوش بوصفها
صاحبة السجل الأسوأ اقتصاديا ولم يتطرق لخصمه الانتخابي بتاتا كي لا تجري عملية عقد
مقارنات ليست في مصلحته.

وفي الواشنطن بوست كتب دان بالز و روبرت بارنز بان
انهيار وولستريت أعاد الاقتصاد إلى قلب الحوار الانتخابي في الولايات المتحدة
وبالتالي سيكون السؤال أي من المرشحين يستطيع تقديم إجابات أكثر إقناعا للناخبين
وبالتالي يقدم تصورا لإخراج الاقتصاد الاميركي من المستنقع ويبدو الآن التحدي لدى
الجمهوريين أكثر صعوبة منه لدى خصومهم.

الولايات المتحدة التي تضع جدول
أعمال العالم وتصنف الاولويات الكونية هي اليوم في مخاض كبير خصوصا بعد أن تراجعت
مفردات دبلوماسية القوة وانهيار تلك اللغة في أكثر من مكان في العالم وغرق سياسيوها
في مستنقع الأزمات الاقتصادية ولان هذا المخاض سينعكس بالضرورة على أرجاء العالم
فإننا مدعوون لطي صفحة النيوليبرالية بكل تجلياتها المهلكة.