بيع الخرداوات..ولقمة العيش المغمّسة بالشقاء
يصطف" ناصر شوشة" بعربته بالقرب من التجمعات السكنية صباحا، وعلى استحياء يقترب أبناؤه من الحاويات، يلتفتون يمنة ويسرة، لتتسلل أيديهم إلى قيعانها.. ينتقون منها كل ما يمكن استصلاحه من الأدوات وما لا يمكن استصلاحه أيضاً.
كأنهم استأصلوا حاسة الشم من أنوفهم، فما عادت تظهر على ملامحهم علامات الاشمئزاز وهم يقلبون بأناملهم القمامة، يحدوهم البحث والتنقيب عن قطع "الألمنيوم" و"الحديد" و"المواد البلاستيكية".
يعملون بصمت، وتغيب الكلمات عن شفاههم الملوثة بالسخام والأوساخ، لتتيه في عالم كدّهم، ويتربع القهر في كل يوم على صدر والدهم "ناصر"، فينفث زفرة حرى قبل أن يقول لـ"السبيل": "عندما أقترب من الحاوية أشعر بالخجل من نفسي، وعندما أرسل أطفالي ليفعلوا ذلك أتمنى لو أني كنت نسيا منسيا"!
وتزداد قتامة الأسى على وجهه غداة يستدرك: "ما حيلتي إن كانت لقمة العيش الحلال ثمنها العمل، حتى وإن كان خسيسا في عيون كثير من الناس، لكنه في عين رب الخلق سبب للرفعة، فاليد العليا أفضل من اليد السفلى".
ويتابع: "عملي في جمع الخرداوات من الحاويات والمنازل أهون عندي من أن أكون سببا في إدخال النار إلى جوف أبنائي بالعمل في الحرام".
حالما يفرغ "ناصر" وأطفاله من جمع الحاجيات وتكديسها في عربته العامرة بأصناف الخرداوات يتوجه إلى المحلات المخصصة لبيعها، فكل 80 علبة بيبسي توزن كيلو يبيعها بـ35 قرشا، وكيلو البلاستيك يباع بـ16 قرشا، وكيلو الحديد تشتريه المحلات مقابل 7 قروش، بحسب ناصر وتبعا لتسعيرات حددها أرباب هذا العمل، الذين يقومون بإعادة بيعها للمصانع الكبيرة.
اللافت أن" ناصر" يقول أن هذا العمل بالكاد يؤمن له قوته وقوت أولاده اليومي الذي لا يتجاوز الـ9 دنانير.
لكن الصدفة التي جمعت "السبيل" بأحد مدراء البنوك، ألقت الضوء على جانب مهم من هذه التجارة الغامضة. فقد أكد أن أحد تجار الخردة ممن يقومون بمثل ما يقوم به ناصر "له أرصدة في البنوك تتجاوز عشرات الألوف".
قصارى القول أن الفوارق عجيبة بين ما "ترى" وما "تسمع"، إلا أننا نتفق جميعا على أن العمل فعل مقدس، حتى وإن كان بالعبث في الحاويات، وثمنه الذل الذي يولد العزة بنكهة "القرش الحلال"!











































