بيت العمال: الفصل من العمل في تعديلات قانون العمل
في ضوء التصريحات الحكومية حول تعديلات قانوني العمل والضمان الاجتماعي، يتبين بأن الموضوع الرئيسي لهذه التعديلات هو موضوع الفصل من العمل، أما باقي التعديلات ورغم أهميتها فهي ثانوية بالمقارنة مع هذا الموضوع وخلفيته المنبثقة كما هو واضح عن سياسات تعزيز مرونة سوق العمل.
يشير مصطلح مرونة سوق العمل (Labor Market Flexibility) إلى منح الشركات صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتعيين العاملين وفصلهم وتحديد ظروف عملهم بأقل ما يمكن من قيود تشريعية، ويزعم مؤيدو زيادة مرونة سوق العمل بأن ذلك يساهم في انخفاض معدلات البطالة وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تخفيف كلف العمالة وتعويضاتها على أصحاب العمل، بينما يرى خبراء سوق العمل ومعايير العمل بأنه يتسبب في زيادة الوظائف المؤقتة غير المستقرة وانخفاض الدخل وانقطاعه المتكرر عن العدد الأكبر من العاملين، وتوترات في علاقات العمل، ما ينعكس سلبا على الإنتاجية وعلى الإقتصاد وعلى الأمن المجتمعي.
يرى صندوق النقد الدولي أن وتيرة النمو الاقتصادي "المتواضعة" في الأردن؛ التي تتراوح سنويا بين 2-3% "ليست كافية" لإحداث تغيير ملموس، وقد صرح في بداية العام الحالي إلى أن ترتيبا جديدا سيتم بناء على طلب الحكومة تجديد الإتفاق المبرم مع الصندوق لمدة أربع سنوات جديدة، سيركز على تسريع الإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو أقوى وخلق فرص العمل، وذلك من خلال عدد من الإصلاحات، منها مرونة سوق العمل، وتحسين بيئة الأعمال، والإدارة العامة.
تضمن مشروع تعديلات قانون العمل إحالة صلاحية تحديد الحالات التي تعتبر فصلا من العمل والحقوق والمستحقات التي تترتب على ذلك إلى نظام يصدر عن مجلس الوزراء، وذلك كبديل للوضع الحالي الذي يتولى فيه القانون نفسه تحديد قواعدها بشكل عام ومن ثم يتولى القضاء تطبيقها وتفسيرها والحكم بناء عليها، وذلك كما هو معمول به في مختلف دول العالم، حيث تكونت لدى القضاء المحلي والمقارن على مدى سنوات طويلة ذخيرة كبيرة من القواعد الراسخة لمثل هذه الأحكام التي تشمل مختلف الحالات التي لا يمكن للتشريع نفسه أن يحتويها بتفاصيلها كاملة سواء في قانون أو نظام.
من الواضح بأن تدخل السلطة التنفيذية في هذا الموضوع بهذا الشكل سوف يخل بالتوازن الدقيق المفترض بين كل من الدور التشريعي والدور القضائي والدور الإداري في تنظيم علاقات العمل، ويعتبر تجاوزاً لصلاحيات السلطة التنفيذية، وتعديا على صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، فهو ينزع صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية في هذا الشأن ويضعها في يد السلطة التنفيذية بصلاحيات تقديرية واسعة ستخضع لضغوطات قوى مؤثرة باتجاه توسيع نطاق حالات الفصل من العمل بيد صاحب العمل.
وسوف يؤدي التوجه نحو تنظيم موصوع الفصل من العمل بنظام تصدره الحكومة إلى تقويض استقرار التشريع والإجتهادات القضائية وإلى التضارب في المصالح، حيث سيكون لأصحاب العمل تأثير كبير في صياغة بنود النظام، وإلى عدم الاستقرار التشريعي والتعارض مع الاجتهاد القضائي في قضايا العمل والذي تطور على مدى سنوات طويلة، وإلى صعوبات في التطبيق، وإلى تغيير متكرر في القواعد لتلبية مصالح أصحاب العمل، مما يخلق بيئة من عدم الاستقرار التشريعي وعدم اليقين بالنسبة للعمال ومزيد من النزاعات.
سياسات زيادة "مرونة سوق العمل" من خلال تسهيل إنهاء الخدمات، لها آثار جانبية قد تمتد لتشمل الاقتصاد والمجتمع ككل، فمن الجانب الإقتصادي سوف يتسبب ذلك بزيادة معدلات الفصل ما سيؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في سوق العمل، وزيادة معدلات البطالة ويشجع على العمل المؤقت، وبالتالي يؤثر على الاستهلاك والنمو الاقتصادي.
كما سيزيد من التكاليف الاقتصادية الكلية بسبب زيادة معدلات البطالة وتراجع الإنتاجية، وكذلك في تراجع الاستثمار في رأس المال البشري، فالشركات التي تملك فصل العاملين بسهولة ستكون أقل حماساً للاستثمار في تدريب وتطوير موظفيها، وسوف يؤدي المناخ غير المستقر في العمل إلى تراجع الابتكار والإبداع، ما يؤثر سلباً على الإنتاجية وجودة القوى العاملة على المدى الطويل.
ومن الناحية الاجتماعية سيؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار، وتراجع الالتزام الوظيفي حيث يشعر الموظفون بأنهم مجرد أرقام وليسوا جزءًا من فريق، وإلى ضعف التماسك الاجتماعي حيث يصبح الأفراد أكثر انشغالاً بمحاولة الحفاظ على وظائفهم على حساب الجوانب الإجتماعية الأخرى.
إن أي سياسات تتعلق بموضوع الفصل من العمل يجب أن تستهدف أساسا حماية حقوق العمال، ودعم استقرار سوق العمل وعلاقات العمل، وتحقيق شروط العمل اللائق وفق المعايير الدولية، وتشجيع الاستثمار في رأس المال البشري بتحفيز الاستثمار في تدريب وتطوير قدرات العاملين، ودعم خلق فرص عمل جديدة من خلال تنفيذ سياسات اقتصادية تحفز النمو وخلق فرص عمل مستدامة.