بيت العمال:عمالة الأطفال في المملكة بتزايد

بمناسبة اليوم العالمي لعمل الأطفال الذي يحتفل به العالم في الثاني عشر من حزيران من كل عام، أصدر مركز بيت العمال للدراسات والأبحاث تقريراً حول واقع عمل الأطفال في الأردن، أنه على الرغم من مصادقة الأردن على أهم الإتفاقيات الدولية في هذا الشأن، بدءاً من إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل التي صادق عليها عام 1991، ثم اتفاقية العمل الدولية رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" التي صادق عليها عام 1997، واتفاقية العمل الدولية رقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال" التي صادق عليها عام 2000، وعلى الرغم من أن قانون العمل قد تضمن أحكاماً متعددة بهذا الخصوص تنسجم مع المعايير الدولية، فمنع عمل الأطفال بكافة صورة قبل بلوغ سن السادسة عشر، وحتى سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل أن تعرض صحتهم أو سلامتهم للخطر، إلا أن أعداد الأطفال العاملين في المملكة ما زال في تزايد، حيث تضاعف عدد الأطفال العاملين ممن أعمارهم 5-17 سنة من (33,190) في عام 2007، إلى (75,982) طفلاً عام 2016 وفق المسح الذي أجري بالتعاون بين الحكومة الأردنية ومنظمة العمل الدولية، كما تبين بأن (69,661) طفلاً منهم تنطبق عليهم صفة عمل الأطفال المحظور قانوناً، و(44,917) يعملون في أعمال خطرة.

 

وبين التقرير أن للظروف المعيشية الصعبة التي تواجه المجتمع الأردني بسبب الزيادة السكانية، والتفاوت في المستويات الاقتصادية، انعكاس على الخدمات التي يتم تقديمها للأفراد خاصة في مجالي الصحة والتعليم، إضافة إلى انخفاض الدخل الفردي نتيجة تلك الظروف، الأمر الذي أدى إلى توسع نطاق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، التي كان من بينها مشكلة عمل الأطفال، التي تلقي بآثارها الخطيرة على الأطفال الذين يمارسون العمل في مرحلة عمرية مبكرة على حساب التعليم الأساسي والتدريب الملائم لقدراتهم، فضلا عن حرمانهم من ممارسة حياتهم في ظروف طبيعية تتلاءم مع أعمارهم.

وأكد بأن الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى المعيشة تشكل عوامل رئيسية لتسرب الأطفال إلى سوق العمل، فمعظم أسر الأطفال العاملين تعاني من مشكلة الفقر أو من تعطل رب الأسرة عن العمل، أو من عدم كفاية دخل الأسرة لتغطية احتياجاتها، حيث يساهم دخل الطفل العامل في هذه الحالات في تغطية بعض التزامات الأسرة، وهناك عوامل أخرى تلعب دورا في عمل الأطفال، منها الأسباب التربويه التي تؤدي إلى التسرب المدرسي إما لغياب المتابعة من قبل المدارس والأهل للطلاب وسلوكهم وتحصيلهم الدراسي أو للعنف المدرسي وعدم ملائمة البيئة التعليمية، إضافة إلى الأسباب الاجتماعية كالتفكك الأسري وكبر حجم العائلة وتواضع المستوى الثقافي للأسرة، يضاف إلى ذلك توجه بعض أصحاب العمل لتشغيل الأطفال بسبب تدني أجورهم وسهولة السيطرة عليهم واستغلالهم.

وفي مجال سياسات الحد من عمل الأطفال، يشير التقرير إلى أن قضية عمل الأطفال لم تحظى بالدراسات الكافية المبنية على مؤشرات مفصلة ومحدثة تشمل أسبابها وآثارها، واقتصرت في الغالب على جوانب ومؤشرات محدودة، كما لم تخرج بتصور شامل لحل المشكلة أو حتى التقليل من حجمها أو من آثارها الضارة، فالإستراتيجية الوطنية لعمل الأطفال 2006 والأطار الوطني لعمل الأطفال لم يتم مراجعتهما أو تحديثهما منذ عام 2011، رغم تفاقم المشكلة وتضاعف أعداد الأطفال العاملين منذ ذلك الوقت، كما أن هناك قصور واضح في الإجراءات التي تتعلق بالوقاية من هذه الظاهرة، فقد إقتصر دور الجهات الحكومية المعنية بالوقاية على مراجعة التقارير ومقارنتها مع الحالات التي يتم إكتشافها من خلال الزيارات الميدانية، وإدخال البيانات على قاعدة البيانات ومشاركتها مع جميع الجهات ذات العلاقة، وحصر أعداد الطلبة المتسربين من المدارس وإصدار التقارير حول ذلك.

كما أن الإطار الوطني لم يأت منسجماً مع الأهداف التي وضعتها الاستراتيجية الوطنية، خاصة من الجانب الإقتصادي كدعم وتشجيع القطاع الرسمي والأهلي والتطوعي على إنشاء المشروعات الإنتاجية والمشروعات الأسرية الصغيرة، لتوليد الدخل للأسر الفقيرة وتعزيز الإستخدام، وتوحيد الجهود لإنشاء شبكة أمان للفقراء ما بين مشاريع برنامج حزمة الأمان الاجتماعي وصندوق الزكاة والقطاع الأهلي وغيرها من الصناديق والبرامج والمشاريع الأخرى ذات العلاقة، وإنشاء بنك للفقراء لزيادة القروض الميسرة للأسر الفقيرة والمخصصة لدعم المشروعات القائمة وإنشاء مشروعات جديدة، وحث منظمات أصحاب العمل والعمال على دعم المشاريع الإنتاجية الخاصة لأسر الأطفال العاملين،... والتي لم يترجم أي منها على أرض الواقع لغاية الآن.

وعلى مستوى السياسات الإقتصادية بين التقرير بأن من المفترض اتخاذ الإجراءات لتقليل احتمالات دخول الأطفال إلى سوق العمل، وبشكل خاص التي تساهم في رفع معدل النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل بشكل أفضل والحد من التضخم وزيادة الاستثمار وإدارة الاقتصاد بشكل يضمن استغلال الموارد المادية والبشرية بشكل أفضل، ودعم وتشجيع إنشاء المشروعات الإنتاجية الأسرية الصغيرة التي تستهدف أسر الأطفال العاملين، وإنشاء شبكة أمان للفقراء وإعطاء الأولوية في العمل للأفراد البالغين من أسر الأطفال العاملين.

أما على مستوى السياسات الاجتماعية فأشار إلى ضرورة العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين أو المعرضين للإنخراط في سوق العمل، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف، وتصميم وتنفيذ برامج إرشادية لتغيير الاتجاهات الاجتماعية السلبية حول الأطفال العاملين، وتطوير نظام متابعة لأسر الأطفال العاملين والمشردين لتقديم الدعم الاجتماعي والإرشادي لهم.

وفي مجال السياسات التعليمية والتدريبية أكد على أن زيادة الاستثمار في التعليم يمكن أن يخفض حجم عمل الأطفال بصورة كبيرة، خاصة إذا ما تحسنت نوعية التعليم والبيئة المدرسية، كما أن تخفيض تكاليف التعليم سيساهم في بقاء الطلبة في المدارس أو حتى إعادة من تسرب منهم إلى مقاعد الدراسة وإعادة تأهيلهم ودمجهم اجتماعيا.     

وأن للتدريب المهني دور هام في إكساب الطلبة معارف ومهارات واتجاهات تجعلهم أفرادا منتجين ومؤهلين لدخول سوق العمل بطريقة منظمة وهادفة، حيث يستطيع الطلاب بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي اختيار المسار المناسب وذلك من خلال توسيع قاعدة المهارات المهنية في مرحلة التعليم الأساسي، كما يمكن تصميم وتنفيذ برامج تدريبية لأفراد أسر الأطفال العاملين ورفع كفاءتهم بما يمكنهم من دخول سوق العمل وتوفير معيشة كريمة لأسرهم بعيدا عن تشغيل أطفالهم.

وحول دور إجراءات التفتيش للحد من عمل الأطفال، أشار إلى أن حجم الإنجاز في هذا المجال يعد ضئيلاً جداً بالمقارنة مع حجم المشكلة، إضافة إلى التراجع الواضح في أعداد حالات تشغيل الأطفال التي تم ضبطها في السنوات الأخيرة، ففي عام 2017 تراجع معدل إكتشاف حالات عمل الأطفال عن عام 2015 بمعدل (67%)، حيث تم ضبط (1,273) حالة عام 2015 مقارنة مع (420) حالة فقط عام 2017، إضافة إلى تراجع في الإجراءات المتخذة بحق أصحاب العمل المخالفين رغم الأعداد المتزايدة في عمل الأطفال، حيث تم توجيه (356) مخالفة و(328) إنذار عام 2017، مقابل (440) مخالفة و(576) إنذار عام 2015.

وعلى الرغم من ذلك ينبه التقرير إلى أنه لا يجوز بأي حال اعتبار إجراءات التفتيش التي تتولاها وزارة العمل بحق أصحاب العمل ومعاقبتهم حلا نهائيا لمعالجة مشكلة عمل الإطفال، خاصة إذا ما علمنا بأن فقر الأسرة وضعف إمكاناتها المادية تقف خلف معظم حالات عمل الأطفال، الأمر الذي يتطلب جهودا مكثفة للتعامل مع هذه القضية من هذا الجانب، بتوفير الخدمات والبرامج التي تحارب الفقر وأسبابه وبشكل خاص بتوفير بدائل إقتصادية للأسر كإيجاد فرص عمل لرب الأسرة التي يوجد بها طفل عامل أو للأخ الأكبر بما يمكن الطفل من العودة إلى الدراسة وإعادة إحياء صندوق الطالب الفقير الذي يجب ان يقدم دعماً يمكن الطالب من التوجه إلى المدرسة، وتوعية آباء الأطفال العاملين إلى أهمية التعليم والآثار السلبية لعمل الأطفال، وإيجاد آليات عمل واضحة للتعامل مع قضية التسرب من المدارس وعقابية لرب الأسرة المخالف لقواعد التعليم الإلزامي.

وأوصى بأنه لا بد من وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني ومعالجة أسباب تعثر تطبيقه ووضع الحلول المناسبة لها، كما تعتبر الحاجة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال ذات أهمية كبرى، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.

أضف تعليقك