بيان صحفي لمؤتمر حول الحساسية الجندرية في الإعلام يفتقد الحساسية الجندرية

تحدثت 13 إمرأة و3 رجال في مؤتمر حمل عنوان" تحديات النوع الاجتماعي ومواجهة الإعلاميات في خطوط الدفاع الأولى خلال جائحة كورونا" ، إلا أن البيان الصحفي للمؤتمر اقتصر الإقتباسات على تصريحات من ثلاثة رجال ابرزهم وزير الدولة لشؤون الإعلاىم أمجد العضايلة وسيدة واحدة فقط.

هذا ما يحدث عندما تعتمد مؤسسة عالمية عريقة ولجنة محلية وطنية على شركات علاقات عامة وكتاب بيانات معتادين على "تلميع" المسؤولين بكتابة البيان الصحفي الصادر عن المؤتمر عبر تقنية "الفيديو كونفرنس" 30 حزيران الماضي، وهو ما يزيد المسؤولية على من يدون ما جرى بالأمانة والشمولية الصحفية، خاصة عندما يتعلق  الموضوع بمؤتمر عن المرأة والإعلام ومتخصص بالحساسية الجندرية .

بذل المنظمون هيئة الأمم المتحدة للمرأة، واللجنة الوطنية لشؤون المرأة جهدا في التنظيم وفي كادرهما كفاءات عالية في موضوع الحساسية الجندرية وفعليا دار نقاش مهم من قبل الإعلاميات في المؤتمر ولكن البيان لم يعكس هذا الجهد لتعزيز الحساسية لنوع الإجتماعي في الإعلام، كما أن  عنوان المؤتمر كان مختلفا ما بين اللغتين العربية والإنجليزية. ففي حين جاء العنوان بالإنجليزية "المرأة والإعلام: الكتابة الإعلامية الحساسة للنوع الاجتماعي خلال جائحة كورونا"، جاء العنوان بالعربية  "تحديات النوع الاجتماعي ومواجهة الإعلاميات في خطوط الدفاع الأولى خلال جائحة كورونا."

اختلاف العنوان لم يشكل عائقا  أما الاختيار الجيد للمتحدثين والمتحدثات والضيوف، فغالبيتهم مناسبين لهذا الموضوع، ففي جلسة الافتتاح تمت دعوة وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة والأمين العام للجنة الوطنية للمرأة سلمى النمس، ورئيس مكتب الأمم المتحدة للمرأة زياد الشيخ. كما شارك السفير البريطاني أحد الممولين للمؤتمر بكلمة قصيرة.

أما الجلسات الرئيسية فقد شاركت فيها إعلاميات مرموقات من الأردن ولبنان ودبي.

ورغم الصعوبات المتوقعة في البث عبر الزوم إلا أن ذلك لم يمنع من إجراء مناقشات بعد الجلسة الافتتاحية بين إعلاميات معروفات خلال جلستين زخمتين. فكان عنوان الجلسة الأولى: المرأة في خطوط الدفاع الأمامية خلال جائحة كورونا، شاركت فيها إعلاميات بارزات مثل جزيل خوري، التي تناولت كيفية تأقلم الإعلاميات واستيعابهن لتقنيات التواصل عن بعد، في حين أشارت كارولين فرج وهي إعلامية أردنية مقيمة في دبي ومديرة مكتب "سي ان ان" العربي، إلى أن غالبية الدول التي نجحت في التغلب على كورونا، ترأسها نساء.

 أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان: الإعلام وتحديات النوع الاجتماعي (العنوان بالإنجليزية كان كيفية الكتابة الإعلامية الحساسة) التي جرى فيها نقاش موسع شمل صعوبات التغطية الصحفية خلال الجائحة خاصة بسبب عدم توفير تصاريح للعديد من الصحفيات ، و شاركت فيها رنا الحسيني من "جوردن تايمز" التي  لفتت إلى الخطاب الذكوري للوزراء ومقدمي الإيجاز اليومي، ورانيا صرايرة من صحيفة "الغد" التي انتقدت عدم الإشارة لمهنة المشاركات في عملية محاربة الكورنا (تم الإشارة لهن بـ "البنات")، واقتصار التقدير للإعلاميات العاملات في محطة تلفزيونية واحده، وسمر حدادين من صحيفة "الرأي" التي أشارت إلى الصعوبات في عمل المرأة عن بعد، بسبب الأعباء الأسرية والمهنية.

عزيزتي القارئة.. عزيزي القارئ. ما قرأته لغاية الآن عن المؤتمر يساوي  تقريبا عدد الكلمات التي وردت في البيان الصحفي الرسمي الصادر عن المنظمين فقط على لسان الوزير أمجد العضايلة من خلال أربع فقرات.

أما باقي البيان الصحفي المكون من 883 كلمة فقد تخصصت 240 كلمة منه للقائمين على المؤتمر (100لسلمى النمس و70 لزياد الشيخ و70 كلمة للسفير البريطاني أحد الجهات الممولة للمؤتمر).

أما الجلستان التاليتان فقد حظيت بـ 100 كلمة فقط  في البيان الصحفي شمل أسماء الإعلاميات دون مناصبهن أو مؤسساتهن، ودون إعطاء ولو اقتباس واحد لأي منهن رغم أنهن، كما أسلفت في الفقرتين  الثانية والثالثة من المقال، تحدثن عن أمور مهمة ومتعلقة بصورة مباشرة بهدف المؤتمر. 

ولو سلمنا أن وزيرا يستحق مساحة أكبر، فلا يختلف أحد على أن أي من القامات الإعلامية مثل جزيل خوري أو كارولين فرج أو سمر حدادين أو رنا الحسيني أو رانيا الصرايرة، تستحق أن يتم تعريف العالم بموقع كل منهن، وعلى الأقل باقتباس لما قالته حول هذا الموضوع.

تقول سلمى النمس عبر موقعها على تويتر، إنه في حال حضور وزير لأي نشاط فإن البيان الصحفي يتم نشره من قبل الحكومة. وهذا ليس صحيحا. كاتب هذه السطور شارك ونظم العديد من المؤتمرات بمشاركة وزراء، ولم يتم فرض بيان صحفي على أحد. قد يكون الأمر صحيحا فيما يخص وكالة الأنباء "بترا" الرسمية، رغم أن معشر الصحفيين المهنيين بمن فيهم زملائنا في "بترا" يرفضون ذلك من ناحية مهنية حتى لوكالة أنباء رسمية.  ولكن لو قبلنا بذلك فيما يخص "بترا" فهل تقيدت أيدي العاملين في اللجنة الوطنية للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة عن نشر بيان صحفي أكثر توازنا للنوع الاجتماعي  وهو عنوان المؤتمر؟ الم يكن ممكن نشر بيان معبرا فعلا عما جرى خلال المؤتمر، ويعكس عمق النقاش فيه، ويعطي للمرأة مكانها وصوتها وليس الاقتصار على ذكر عابر لها؟ وهل كان الممولون يعرفون قبل موافقتهم على دعم المؤتمر أن الجهة الوحيدة التي ستنشر ما جرى في المؤتمر هي الجهة الحكومية او شركة علاقات عامة غير حساسة للنوع الاجتماعي؟

وعودة إلى العملية الحسابية البسيطة التي بدأت بها وهي أن المؤتمر اشتمل على  15 متحدثا مداخلة واحدة من اعلامية ، شكل الرجال 3 منها والباقي نساء، إلا أن البيان الصحفي اقتبس من الرجال الثلاثة، في حين لم يتم نقل سوى اقتباس للسيدة سلمى النمس من بين 13 مشاركا، أي بنسبة 8%  من المشاركين مقارنة مع نشر 100% من المشاركين الرجال. وإذا قمنا بمقارنة عدد كلمات ما قيل على لسان الرجال الثلاثة والتي تصل إلى حوالي 400 كلمة، تشكل اقتباسات الرجال نصف الكلمات الواردة في البيان، في حين أن نسبة ما قالته المرأة الوحيدة في المؤتمر وهي المنظمة للمؤتمر 100 كلمة من 883 كلة، لتكون نسبة اقتباس النساء 11% مقابل 50% من أقوال الرجال.

طبعا في علم الجندر، هناك رجال أكثر حساسية لقضايا المرأة وهناك نساء (وقد تكون كاتبة البيان إحداهن) أقل حساسية للأمور الجندرية من الرجال. ولكن القضايا الجندرية في الإعلام لا تزال منحازة بشكل كبير لصالح الرجل. فمثلا، تفيد الدراسات أن أكثر من 80% من الضيوف الخبراء في البرامج الإعلامية الأردنية والعالمية من الرجال وأن عدد الخبيرات اللواتي يظهرن في الإعلام لا يزيد عن 20%.

لقد قامت مؤسسات نسوية محلية ودولية في اليوم العالمي لإعلان "سيداو" وهو الأول من تموز، بنشر بيان صحفي حول مؤتمر عن حساسية النوع الاجتماعي في الإعلام، بصورة غير حساسة للنوع الاجتماعي.

إن المطلوب منا جميعا رجالا ونساء،  ثورة حقيقية في كيفية التعامل مع موضوع النوع الاجتماعي في المجال الإعلامي، وفي زيادة حقيقية للحساسية في هذا الملف لننجح بإقناع المجتمع بها فأول من يجب أن يكون حساسا لهذه القضايا هي المؤسسات المحلية والدولية المتخصصة في شؤون المرأة والعاملين لديها.

أضف تعليقك