بعد عام من العدوان على غزة.. الأردن بين الضغوطات السياسية والتحديات الاقتصادية
بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تأثرت الأردن بتداعيات سياسية واقتصادية واضحة، حيث تصاعدت التوترات الإقليمية وزادت الضغوط على الموقف الأردني في دعمه المستمر للقضية الفلسطينية، اما على الصعيد الاقتصادي، فعانت قطاعات حيوية مثل التجارة والسياحة من تبعات تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة.
ففي السابع من شهر تشرين الأول الماضي، نفذت حركة حماس عملية "طوفان الأقصى" البرية والجوية والبحرية في محيط غلاف غزة، كرد فعل على الانتهاكات الإسرائيلية في القدس وقطاع غزة.
أسفرت هذه العملية عن مقتل أكثر من 1100 إسرائيلي وأسر أكثر من 240، ومنذ ذلك الحين، تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة، مع تلاشي الآمال بوقف إطلاق النار.
طوال هذ العام، استخدم الاحتلال الإسرائيلي كافة أنواع الأسلحة، مما أدى إلى استشهاد قرابة 42 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة نحو 96 ألف آخرين، كما تعرضت البنية التحتية في قطاعي الصحة والتعليم للدمار، مع تدمير واسع للمنازل والمنشآت.
وتسببت الغارات الإسرائيلية في تدمير أكثر من 70 ألف وحدة سكنية في غزة، ونزوح حوالي 1.9 مليون شخص قسرا، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وفي الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل 726 جنديا إسرائيليا منذ بدء العدوان.
الجهود السياسية
هذه التداعيات السياسية القت بظلالها على الأردن، حيث مر بالعديد من المواقف والمحطات التي تؤكد من خلالها دعمه للشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، كما ركزت الجهود الملكية في التأكيد على ضرورة حل الدولتين لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
ويشير المحلل السياسي الدكتور حسن الدعجة إلى أن الأردن شارك في جميع المحافل العربية والدولية التي تسعى لوقف إطلاق النار، بما في ذلك القمة العربية والقمة العربية الإسلامية.
ويضيف الدعجة انه شكلت لجنة عربية إسلامية لشرح الموقف العربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية في العواصم المهمة، وكان لهذه الجهود دور فعال في إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان في فلسطين.
ويرى أن الأردن لعب دورا مهما في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد لبحث وقف إطلاق النار، حيث نجح في الحصول على موافقة المنظمة الدولية بجهود أردنية وعربية، موضحا أن الخطاب السياسي الأردني كان متميزا بثقافته العربية والإسلامية العالية، وكان يركز على تجنب ربط الحرب بتهجير الفلسطينيين، محذرا من أن مثل هذا الأمر قد يعتبر إعلان حرب على الأردن.
تداعيات الحرب على الإقتصاد
خلال السنوات الثلاث الماضية، واجه الأردن ثلاث أزمات اقتصادية متتالية، بدءا من أزمة فيروس كورونا، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، وصولا إلى العدوان على قطاع غزة، وقد أثرت هذه الأزمات بشكل خطير على الاقتصاد الأردني، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد المحلي.
ويشير الخبير الاقتصادي منير دية إلى أن استمرار هذه الأزمات على مدى السنوات الماضية ترك تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأردني، حيث شهدت البلاد ارتفاعا حادا في معدلات البطالة وتزايد نسب الفقر، إلى جانب وصول الدين العام إلى حوالي 115% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى في تاريخ الأردن، كما شهدت معدلات النمو الاقتصادي تباطؤا ملحوظا.
ويوضح دية أن العدوان على قطاع غزة أثر بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، لاسيما السياحة والخدمات، ونتج عن هذا التأثير إلغاء آلاف الحجوزات السياحية، مما أدى إلى تراجع معدلات الإشغال في الفنادق والمطاعم، وخاصة في مناطق المثلث الذهبي والبحر الميت، حيث انخفضت معدلات الإشغال إلى أكثر من 90%، ولم تقتصر الخسائر على قطاع السياحة فحسب، بل امتدت إلى القطاعات المساندة مثل النقل البري والجوي والخدمات المرتبطة بها.
ويؤكد دية أن هذا التراجع الحاد في القطاع السياحي أثر بشكل مباشر على العاملين في هذا القطاع وأصحاب المنشآت، مما أدى إلى تسريح مئات الموظفين وإغلاق العديد من المنشآت، خاصة في مناطق وادي رم والبتراء والبحر الميت والعقبة، يعد القطاع السياحي من أهم القطاعات التي تساهم في دعم خزينة الدولة بأكثر من خمسة إلى ستة مليارات دينار سنويا.
كما تأثر قطاع النقل والتخليص والشحن البحري نتيجة أزمة البحر الأحمر وتدخل الحوثيين في الحرب، مما أدى إلى إغلاق مؤقت لمضيق باب المندب وتهديد السفن البحرية، هذا التحدي أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الشحن البحري والتأمين، مما أثر بشكل مباشر على الصادرات الوطنية، بحسب دية.
وفي هذا السياق، شدد خبراء اقتصاديين على ضرورة تدخل الحكومة بإيجاد بدائل لدعم القطاعات المتضررة، سواء من خلال البحث عن أسواق جديدة في مجالات السياحة والتصدير والشحن، أو من خلال تنفيذ برامج إنقاذ عبر البنوك ومؤسسة الضمان الاجتماعي، كما حدث خلال أزمة كورونا.