برنامج في التنمية: دعاية حكومية.. مجانية!

الرابط المختصر

لاحت بوادر استقلال اقتصادي في الإذاعة الأردنية التي "حققت أخيرا دخلا تجاوز خمسين ألف دينار في مدة قصيرة"، رغم اشتداد المنافسة كلما ظهرت إذاعة خاصة جديدة تقتطع حصة لها من كعكة الجمهور والمعلنين. وتَعد هيئة الإعلام المرئي والمسموع بمزيد من المستثمرين في قطاع الإعلام والقادمين من كل صوب وحدب. وما انفك المجلس الأعلى للإعلام يعلن في كل مؤتمر وندوة عن إنجازاته وخططه في مجال تطوير قطاع الإعلام في الأردن، آخرها كان الإعداد لدراسة مدى تمثيل "الرأي الآخر" في الإذاعة والتلفزيون الأردني. وما زالت تعلو "نداءات" ملكية وحكومية تطالب وسائل الإعلام المحلية برفع مستوى مهنيتها وحريتها.

ويبقى السؤال ملحا: لماذا تصر الإذاعة الأردنية في برنامجها العام على تقديم برنامج دعائي حكومي خالص مثل "في التنمية"، وبدون أي رتوش تضفي، ولو القليل، من المهنية الإعلامية؟

اختار معد برنامج "في التنمية"، مصطفى عيروط، التنمية في محافظة الزرقاء، والتي قلما تحظى باهتمام وسائل الإعلام رغم كثرة قضاياها، موضوعا لحلقة يوم الاثنين الماضي (13 حزيران). كيف لا وقد قام رئيس الوزراء عدنان بدران مع فريق وزراء الخدمات (التخطيط والبلديات والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والثقافة والمياه والري والصناعة والتجارة) بزيارة محافظة الزرقاء والالتقاء مع نوابها وأعيانها ومحافظها. وحضر معد ومقدم البرنامج، عيروط، اللقاء، كما أشار خلال الحلقة.

استضاف البرنامج محافظ الزرقاء، ثامر ملوح الفايز، الذي استهل الحديث بشكر "البرنامج التنموي الذي يُطلع المواطن على خطط ومشاريع الدولة في المحافظات والألوية"، وتابع سرد كافة خطط وإنجازات الحكومة في هذه المحافظة، لمدة ثلاثة أرباع الساعة وهي مدة البرنامج.

إذن، لم يعد هدف البرنامج خافيا على أحد.

قدم معد البرنامج المتخصص في موضوعات التنمية، حلقته معرفا الجمهور بمحافظة الزرقاء على أنها "ثاني مدن الأردن"، لكن في أي مجال؟ لم نعلم. وكرر الخطأ إلى أن صححه ضيفه المحافظ بأنها "ثالث مدن الأردن" من حيث التعداد السكاني.

وبعد مرور عشر دقائق على حديث المحافظ، بدون مقاطعة أو فاصل، رحب مقدم البرنامج بضيف آخر على الهاتف، تيسير عماري، و"له باع في القطاع الصحي ورئيس مؤسسة الإعمار سابقا وابن الزرقاء.. تفضل، معنا المحافظ للحديث عن المشاريع التنموية، تفضل". فشكر الضيف البرنامج ومقدمه وجهود المحافظ والحكومة في المشاريع التنموية في محافظة الزرقاء.

وعاد المحافظ ليتحدث لعشر دقائق أخرى متواصلة إلى أن قاطعة المقدم للترحيب بضيف آخر حيا المحافظ والملك على جهودهما وهنأ مقدم البرنامج على نيله شهادة الدكتوراه، ليعود المقدم ويسلم زمام الحديث للمحافظ حتى أوشكت الحلقة على نهايتها، فتدخل المقدم ليشير إلى أنه "بقي معنا دقيقتين السيد المحافظ، لك ما تقوله، تفضل السيد المحافظ".

جرى الحديث خلال البرنامج عن 160 مشروعا تنمويا في محافظة الزرقاء، رُصد لها 34 مليون دينار من موازنة الحكومة لعام 2005. وقدم المحافظ، بدعم من مقدم البرنامج والضيف المتصل، صورة وردية لجهود الحكومة والمحافظ في خدمة أبناء الزرقاء. وغاب تماما عن البرنامج الاحتجاج الشعبي والجدل الساخن حول الأداء الحكومي وخططها التنموية في محافظة الزرقاء.

يقول بسام حدادين، نائب عن محافظة الزرقاء، والذي لم يحضر لقاء رئيس الوزراء في الزرقاء: "هذه الزيارات تذكرني بزيارات القبور، فكلما تتشكل حكومة تذهب إلى المحافظات بخطاب أبله، وينظم بحضورها جلسات مسرحية معدة مسبقا حيث يجري تحشيد للموظفين ووجهاء (متآكلين اجتماعيا وشعبيا). ويجري الإعلان بطريقة استعراضية غير مؤسسية عن عطايا وما يسمى مشاريع هي في الحقيقة أفكار مقرة سابقا ومرصود لها أموال في الموازنات لكن تخرج بطريقة درامية أكروباتية".

ويؤكد حدادين أن النواب طالبوا بإنشاء متنزه قومي منذ خمس سنوات، وفي حينها أقرت الحكومة السابقة تنفيذ المشروع. "جاءت هذه الحكومة لتعلن عما أقر سابقا. أهل الزرقاء غير سعيدين بهذه المشاريع المتواضعة جدا، ويطالبون بمشاريع أوسع واهتمام أكثر، فالزرقاء هي مدينة العسكر والكادحين والفقراء والعمال، تحتاج إلى رعاية أكثر جدية".

وأضاف أن محافظة الزرقاء، قياسا بعدد سكانها ومساحتها، هي أكثر محافظة مظلومة. "نتحدث هنا عن 37 مليون، في حين أنه تم رصد 55 مليون لمحافظة الكرك. ولنقارن بين عدد سكان كل منهما".

(محافظة الزرقاء: 862 ألف نسمة أي 15,7% من سكان الأردن، محافظة الكرك 220,3 ألف نسمة أي 4% من سكان الأردن، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة 2003).

يمكن القول أن الإذاعة الأردنية ما زالت بعيدة، وبعيدة جدا، عن تحقيق هدفها بأن تصبح وسيلة إعلام دولة تمثل الرأي والرأي الآخر بتوازن وموضوعية.

أضف تعليقك