بازار سري في عين الشمس

بازار سري في عين الشمس
الرابط المختصر

تلجم الفرامل السيارة عن الحراك لكنها لا تعيق دفق الكلام عن الإنطلاق. "بكم؟" يسألها بيقين الزبون الباحث عن سلعة عصية على الإنقراض، ليأتيه الجواب "25 دينارا"، يدخل معها في جدال أسعار ينتهي بتخفيض بسيط، ليعود ويسألها من جديد "بواقي ذكري أو بدونه؟"، ودون إكتراث ترمي له الجواب المجبول بجهل السؤال، "مثل ما بدّك" وكأن المطلوب جزء من حالة ترف جنسي تفتقر إلى عنصر الضرورة.

كان المشهد يبث إلينا مباشرة عبر شاشة الكاميرا السرية الخاصة ببرنامج لجنة تقصي الحقائق والتي كانت تصور ما يدور على الجانب الأخر من الطريق. أما الصوت فكان يأتينا من قلب السيارة، المستأجرة خصيصا لهدف التصوير، عبر جهاز بث زرعناه تحت أحد المقاعد.

كانت الصور متتالية مصحوبة بحوار يشبه ذلك الذي تزدحم به الأفلام، لكنه كان يعكس ظاهرة تخطت حدود المحدود في منطقة تحكمها العادات والتقاليد ومجتمعها يصنف عادة في خانة المحافظ.

"دعوة"

قبل التصوير كان علينا معاينة مكان في عمّان يمكن وضع كاميرا سرية فيه، توجهنا إلى إحدى الحدائق المشهورة بإنتشار مقاهي الدعارة فيها، وما كادت أرجلنا تطأ المكان حتى حاصرتنا خمس أو ست فتيات وبدأت كل واحدة منهن بدعوتنا إلى المقهى، واعدات إيانا بأفضل الأوقات "ما بتطلع إلا مبسوط من عندنا، تدخل معنا على القهوة و منجلس جلسة رواق". طلبنا منهن خمس دقائق لجلب شيء من السيارة، لكننا لم نعد.

في اليوم التالي رتبنا التصوير كما سلف، وإتفقنا مع الشاب على الأسئلة التي سيطرحها على الفتاة. كانت سيارتنا تمشي وراء سيارته من مكان إلى مكان في العاصمة الأردنية، توقف للمرة الأولى بالقرب من فتاة بدت في الثلاثينات من عمرها. صعدت معه في السيارة وبقينا وراءهما، لكن المشكلة ان التصوير كان من الخلف بحيث لم يظهر شيء للكاميرا. توجهنا وإياه إلى منطقة أخرى وهناك كان الحوار المنشور أعلاه.

بالتوازي مع التصوير السري كان لا بد من إيجاد فتاة تقبل الحديث أمام الكاميرا، لتقربنا بشكل أو بآخر من العالم السري لبائعات الهوى في الأردن.

لم يطل البحث كثيرا وبمساعدة البعض قابلنا روان وريما، الأولى في أوائل الثلاثينات والثانية لم تتخط العقد الثاني من عمرها، لكل منهن قصة ونقطة بداية لكن الواضح ان مصيرا متشابها لحق بهن.قبل الكلام امام الكاميرا نريد ان نغطي وجهينا" قالت روان التي لم تثق بأن بإمكاننا إخفاء الوجوه وتغيير طبيعة الصوت، ففضلت ورفيقتها إرتداء نقاب يخفي أي تفصيل بسيط في الوجوه على قاعدة الوقاية خير من قنطار علاج.انا مطلقة وعندي أولاد ولا أحد يرضى بتوظيفي وإن وظفوني فسأدفع الثمن من جسدي". للوهلة الأولى ظننتها ستبكي، لكن روان حبست الدموع ، سكتت لبرهة ثم نظرت إلي وكأني قاض في محكمة تحل وتربط "انا لا أريد ان أستمر في هذا العمل، لكني خياراتي معدومة".

ريما بالمقابل بدت أكثر تماسكا، لكن جرحها أكبر. طلاق والديها أوصلها إلى ملجا للأيتام ومنه شقت طريقها إلى حيث هي الأن. "والدي مسافر ووالدتي لا أعلم عنها شيئا، تطلقا وأنا صغيرة وتركاني في ملجأ الايتام وهناك تعرفت على من دلني على هذا الطريق" تطرق قليلا ثم تسألني "هل من وظيفة يمكن ان تؤمن لي مستوى الدخل الذي أحصل عليه هنا".

بين النوادي الليلة والشارع توزع ريما وروان فترات عملهن، والهدف الأساسي اغراء الشباب. "الشاب الذي أمامي أحاول أن أسحبه، أحاول أن أغريه ليأتي إلي ونذهب إلى شقته أو فندق" تقول روان وتوافقها على ذلك ريما التي بدورها تتعامل عبر الهاتف أحيانا حيث تعطي رقمها للزبائن الذين يعودون إليها عند الحاجة.

لكن ما هي الأسعار المعتمدة وكم عدد الزبائن في اليوم الواحد؟

الإجابة جاءت موحدة "أربعين إلى سبعين دينار" أضف إلى ذلك ان الحد الأدنى لزبائن اليوم الواحد هو ثلاثة، أي أن الفتاة الواحدة تجني يوميا أكثر مما أجنيه كصحفي بعد دفع الضرائب.

كيف تتوقين؟ سؤال طرحته على الفتاتين، لكني لم أسمع جوابا يعطي إنطباعا ان أي منهن تفقه في وسائل الوقاية شيئا، " ليس شرطا أن أستعمل أدوات وقاية" تقول ريما بشكل حاسم، ما يشعرك بأن لديها ما تقوله في هذا المجال. ثم تضيف" المهم ان يكون الزبون نظيفا، لكن هذا لا يكون إشتراطا حيث أن البعض لا يرضى على نفسه هذا الشيء لأنه يكون في الحرام"، لتكتشف أن السؤال ومضمونه لم يجدا لهما طريقا إلى قاموسها