"انتهاكات" لغوية فادحة لـروّاد "التواصل" الاجتماعي تهدد المحتوى العربي



تحتّل اللغة العربية مكانة مرموقة لدى متحدّثيها من عرب ومسلمين ورمزية دينية للمسلمين كونها لغة القرآن الكريم، كما تحتّل المرتبة الخامسة عالميا من حيث عدد المتحدثين بها؛ فهناك ما يقارب مئتين وستة مليون شخص مُتحدّث بها كـلغة أم، وأربعين مليون مُتحدّث كلغة ثانية، بحسب التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الصادر عن منظمة اليونسكو. 

 

 إلا أن اللغة العربية تشهد حضورًا هزيلاً، وضعفًا عامًّا في الشابكة وتحديدًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث جاءت بالمرتبة السابعة عشر دوليا في تصنيف حضور المحتوى العربي بنسبة لا تزيد 0.6 %من إجمالي المحتوى على الشابكة، وعلى الرغم من أن الأرقام والإحصائيات لعدد مستخدمي الشابكة في منطقة المتحدثين بالعربية، في الشرق الأوسط وصلت لنسب مرتفعة مقارنة بمناطق أخرى في العالم، حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط 182 مليوناً بنسبة ٧١٪؜ من مجموع السكّان، و١٣٦.١ مليوناً منهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة ٥٣% من مجموع السكّان.  وذلك بحسب الدراسة التي أجرتها شركتا Hoot Suite وWe Are Social العالمية. 

المحتوى العربي الموجود ضعيف 

يقول أستاذ اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة أوردو التركية محمد كمال، "أن المحتوى العربي الرقمي هزيل وركيك، بل وسخيف أحيانا، ومن أبرز التحديات التي تواجه "العربية" الكتابة بالعاميات الدارجة، ونحن لا نستطيع أن نجبر الناس على استخدام اللغة الرسمية أو الموحدة أو الفصيحة لغةً للتواصل اليومي أو التواصل الشبكي بقدر ما نقدم توصيات للحالة، لكن بعض العاميات في طبيعتها وقواعديتها يجعل من المحتوى العربي متواضعا، لأن العامية يقتصر فهمها على أهلها، بينما لا يستطيع أن يفهمها العربي من منطقة أخرى أو متعلمو اللغة العربية من الناطقين بغيرها، واللغة العربية الفصحى لا مكان لها اليوم على وجه الأرض تستخدم فيه لغة للحديث اليومي، بخلاف اللغات الأخرى، فإن كان أهلها يستخدمون عاميات خاصة بهم في مناطقهم وعائلاتهم الصغيرة إلا أن هناك لغة يتكلم بها الجميع عندما يلتقون من فئات مختلفة بينما نفتقر نحن إلى ذلك.



 

وتؤكد الكاتبة لينا العطيات على الطرح السابق، مضيفةً أن المحتوى الموجود يساعد ويحفز على الطرح الشعبي العامي الذي لا يمت للعربية بصلة نحويًا وإملائيًا. 

 

الصحفي أحمد حسن الزعبي ذهب إلى ما أبعد من هذا وأضاف أن غالبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يساهموا في تشويه اللغة العربية واضعاف حضورها، حيث نلاحظ عدد كبير من "المنشورات والتغريدات" تفتقر إلى أدنى مستويات الانضباط واحترام اللغة نحويًا وإملائيا، فكيف إذا كانت هذه الأخطاء الفادحة تُمارس من حملة الشهادات العُليا، يتساءل الزعبي ؟.

الفئات الأكثر تشويها بالمحتوى العربي الرقمي

 يرى الكثير من المهتمين والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، أن اكثر الفئات التي تُضعِف المحتوى العربي الرقمي على تلك منصات، هم الشباب، كونهم الفئة الأكثر استخداما لها، وخاصة ما يعرف بـ المؤثرين عليها.

وبدوره أشار عضو مجمع اللغة العربية الدكتور سمير استيتية، إلى أن خطورة مستوى المحتوى العربي -لغويًا وفكريًا- تأتي من الذين لا يحظون بمستوى ثقافي رفيع يتأثرون إيجابا أو سلبا بمن لديهم ثقافة عالية وتأهيل علمي جيد . وليس الخوف ممن لديهم إيجابيات يؤثرون فيها بسائر الناس تأثيرا مقبولا سواء على المستوى اللغوي أو الفكري، ولكن الحذر  يجب أن يكون ممن لديهم توجهات مشبوهة فأولئك يدمرون أفكار الناس ولغتهم التي هي وعاء تراثنا. واضافة إلى الذين يستمرئون الكتابة بالتعبيرات الهابطة واللغة الممزوجة بتعبيرات عامية وكلمات أجنبية يستهينون بمقدرات الأمة. وهذا توجه خطير يعمل على تدمير البناء الحضاري والثقافي واللغوي للعرب والمسلمين. 

من جانبها عبّرت  مديرة دائرة التواصل الاجتماعي في موقع موضوع دوت كوم، -أحد المواقع الذي يُعنى برفد العالم الرقمي بالمحتوى العربي بشتى المجالات- الناشطة عبير أبو طوق، عن استياءها من بعض من يُطلق عليهم لقب "المؤثر" ويستخدمون اللغة بشكل مُسيء لها، ولا يحققون أي اضافة، على العكس فهم يساهمون بتشويه اللغة بأخطائهم النحوية والإملائية، بقصد أو بدون، ونلاحظ هنا ظهور لغة تواصل جديدة لا تمت للعربية الأصيلة بأية صلة. 

 

وتتفق هنا مع أبو طوق، مديرة مركز الشفافية الأردني الناشطة هيلدا عجيلات، قائلة:" للأسف المحتوى العربي الموجود على مختلف أدوات التواصل الإجتماعي ضعيف جداً، وخاصةً لدى فئة الشباب، فنجد في الكثير من الأحيان أخطاء في التعبير وفي الإملاء أيضًا، وكأنهم لا يفرقون بين أحرف اللغة العربية".



 

وتتابع عجيلات أن -الطامة- على حد تعبيرها أن هذه الأخطاء لدى العديد ممن يدعون أنفسهم "مثقفون" أو "ناشطون" فتجد الأحرف منقوصة أو مشوهة. والغريب في الأمر هو خلط بعض مصطلحات اللغة الإنجليزية باللغة العربية والتي أحياناً أكتبها بنفسي مثل كلمة "بليز" بدلاً من لو سمحت، وذلك لسهولة كتابتها ولمحدودية المساحة لدى منبر تويتر مثلًا. 

حلول ومقترحات 

للنهوض ودعم المحتوى العربي الرقمي يؤكد خبير مواقع التواصل الاجتماعي ثامر عوايشة أنه ومن خلال رصد المهتمين باللغة العربية لحالها في العالم الرقمي، يتطلعون وبكل حرص لدعم وإثراء المحتوى العربي وزيادة حضوره، حيث هناك العديد من المحاولات الجادة والمساهمة بذلك، ونحتاج لعمل جماعي ومنظم كأفراد ومؤسسات وجهات حكومية وغيرها للنهوض باللغة العربية ووضعها على برّ الأمان في العالم الرقمي. 

 

ونوّهت مديرة برنامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في مركز الفراء الدولي للغة العربية الاستاذة سارة زهير أن بداية الحلول لدعم اللغة العربية يكمن في ايجاد دعم مادي للمؤسسات المهتمة باللغة العربية لتتمكن من الترويج لها وللثقافة الغنية التي تحملها، عن طريق إقامة مسابقات موضوعاتها مستقاة من الثقافة العربية عبر مراحلها التاريخية موجهة للشباب، تنتهي بتقديم المكافآت المجزية للفائزين والمشاركين. والتركيز على فئة الأطفال بتقديم أنشطة موجهة لهم: (مسرحيات، ورشات صناعة دمى، ورشات كتابة قصصية تفاعلية) وكلها تقدم بالفصيحة، وكذلك استمرار وتكثيف الجهود لتثبيت أسس هويتنا العربية ابتداء بالأطفال وانتهاء بنا.

 

واضافت أبو طوق على ذلك، يجب دعم اللغة العربية، كلٌ حسب طريقته وخبرته ومجال اختصاصه وشغفه، لنساهم في تعزيز ارتباط الأجيال الحالية والقادمة باللغة الأم، فالمبادرات التي تتم هنا وهناك هامة إن كانت مستمرة وليس هدفها الظهور في الإعلانات ومواقع التواصل الإجتماعي فقط، نريد مساهمات حقيقية، فعالة، ثرية وجادة لتحقيق التواجد الذي نطمح له للغة العربية عبر شبكة الإنترنت.

 

قوانين  ومبادرات

في ظل هذا التوافق وبناءً على الأرقام والاحصائيات التي تؤكد ضعف المحتوى العربي الرقمي وتحديدا على منصات التواصل الاجتماعي، فقد ظهرت العديد من الجهات والتي تبنت مهمة النهوض باللغة العربية والتمسك بها كهوية لمتحدثيها، مثل مبادرة "ض" في عدد من البلدان العربية ومبادرة بالعربي، اضافة إلى بعض التشريعات التي أقرتها بعض الجهات المعنية بذلك عربيا ومحليا، كقانون حماية اللغة العربية الذي أقره مجمع اللغة العربية الأردني، ودعم المجمع للعديد من المبادرات التي من شأنها النهوض اللغة العربية في العالم الرقمي

أضف تعليقك