انتبهوا أيها السادة: المسألة ليست فقط نزاعا عشائريا

الرابط المختصر

من الطيبة في محافظة إربد إلى عجلون تطور خلاف شخصي وأسري إلى نزاع عشائري مسلح وعنيف، مات فيه مواطنون ودمرت ممتلكات، وحرقت بيوت ومحلات تجارية وأطلقت نيران كثيفة.

الخلاف والشجار ليس أمرا جديدا، فما الجديد الذي يحول الشجار إلى نراع عنيف وقتل وتدمير؟ المسألة ليست فقط خلافا عائليا وعشائريا، ولا يمكن رد الجرائم التي وقعت إلى مجرد خلاف عشائري، لأنها خلافات قائمة وموجودة منذ زمن بعيد، ولكن حالة جديدة جعلت الأمر خطيرا ولافتا للاهتمام إلى درجة تدعو لنقرغ جرس الخطر!

لا يمكن مواجهة وإدارة الخلافات التي تقع كل يوم بجملة من الاحتياطات والإجراءات التي تمنع تحول كل شجار إلى نزاع مسلح، وتطبيق القانون والأنظمة يفيد بعد وقوع الفأس في الراس لكنه لا يمنع بكفاءة عالية وقوع الجريمة، صحيح أن تطبيق العدالة بحزم يردع المخالفين ويساعد في انضباط الناس، ولكن يبدو أن ثمة حالة عامة ومرضية من الغضب والاحتقان تدفع الناس إلى تجاهل القوانين والعواقب وعدم إدراك المسؤولية عن الأفعال.

ثمة حالة من التوتر والاحتقان نراها كل يوم بالجملة في العمل والحياة اليومية والشارع والأسواق، وتؤشر قراءة الصحف والمواقع الإلكترونية على حجم كبير من الجرائم والمشكلات التي تقع كل يوم ناشئة عن خلاف بسيط!

وربما يكون من القصور أيضا النظر إلى حالة الاحتقان والتوتر السائدة على أنها مجرد ظاهرة أو حالة يجب مواجهتها ببرامج العلاج والتذكير والحملات الإعلامية والتوعوية. صحيح أن ضغوط الحياة اليومية والظروف الاقتصادية تنشئ حالة اجتماعية صعبة، ولكن البلد والناس كانوا على الدوام في حالة أزمة وصعوبات اقتصادية، ولكنا نحتاج إلى نظرة تشمل السياسات الحكومية، ونبحث عن حالة الوفاق الاجتماعي والسياسي، ونتفحص الإنجازات والوعود الحكومية وما طبق منها وأنجز وكيف طبق وأنجز، ونلاحظ مدى مسؤولية الحكومات المتعاقبة ولا نخص حكومة محددة عن حالة الاحتقان والأزمات القائمة.

شخصيا أعتقد أن الحل يبدأ لدى الحكومة لأن الأزمة تبدأ عندها، وما نراه من توترات وشجارات عشائرية وعائلية وطلابية وسلوك متوتر وغير سوي في قيادة السيارات إنما هو تعبير عن الأزمة بين المواطنين والحكومة، وعن شعور بالقهر والفشل، وعندما تبدأ الحكومة بترشيد الإنفاق وتوجيهه وتفعيل أداء المؤسسات لخدمة المواطنين وتحقيق احتياجاتهم ومصالحهم، وعندما تنجح المؤسسات الحكومية التعليمية والصحية والاجتماعية وغيرها في تقديم خدمات ذات مستوى جيد، وعندما يعاد توجيه الموارد العامة لإنفاقها في أوجه صحيحة وعادلة وتستهدف الفئات الاجتماعية المحتاجة لها فإن الحكومة ستنشئ حالة من الشعور بالأمان والراحة، ولكن غياب هذا الشعور واستصحاب الظلم في توزيع الموارد العامة وإدارتها يغيب الشعور بالأمان والعدل، وهو ما يجعل الناس لا يحترمون القوانين ويجعلهم في حالة استفزاز ورغبة في الشجار، فربما تكون تلك الأزمات غير السياسية تنفيسا أو شعورا بالأزمة السياسية.