امرأة تبحث عن ذاتها بعيدا منها: لا تكمل تعليمها لتبني أسرة

الرابط المختصر

"أولويتي في الحياة أن أرعى طفلي جيدا لما أنجبه، وأن يأخذ كل الحنان والتربية حتى لا يتشحطط في الحضانات".

هكذا رتبت وفاء (20 عاما) أولوياتها في الحياة، وتابعت تقول: "زوجي راشد أولويتي الثانية".

- وما هي أولويتك الثالثة؟

"لا أدري.. لا أولوية ثالثة عندي.. لا أعرف ماذا أريد أن أفعل لنفسي. أهم شيء عندي راشد اذا كان مبسوط بشغله وحياته يعني أكون أنا نفس الشيء، يعني أنا هو".

كثيرا ما نسمع بين عائلات من مختلف الثقافات والطبقات عن أهمية التعليم للمرأة. وهذه "الهتافات"، إن صحّت التسمية، جزء من حياة الفتاة، تلازمها طوال حياتها، وترتفع وتيرتها عندما تنتهي من الثانوية العامة، وتقترب من المرحلة الجامعية.

لو توقفنا لبرهة وجيزة وبحثنا في دافع الفتاة الأساسي للتعليم، لوجدنا اختلافا بين شخص وآخر، وهذا أمر طبيعي. والطبيعي أيضا اختلاف دوافع الشخص نفسه من مرحلة إلى أخرى.

وفاء لم يكن لديها دافع لإتمام الدراسة، وتقول: "لم ارغب بإكمال دراستي لأنني لا أحب الدراسة أبدا ولا أحب القراءة وليس لدي طول بال لذلك. لم أتابع الدراسة أو العمل بسبب انشغالي في التحضير للزواج، فترة الخطوبة وتجهيز البيت. أنا الآن حامل، ولن أتمكن بسبب حملي من العودة إلى العمل".

د. نجوى عارف، مستشارة أسرية، ترى أن دوافع المرأة في التعليم تعود إلى أسلوب التنشئة، "لأننا نعلّم الفتاة ان مهمتها في الحياة هي إسعاد الآخرين فقط. إسعاد الأب وإرضائه وطاعته وإسعاد الأم والأخوة ومن ثم الزوج والأولاد، ولا نعلمها ان تحب نفسها وماذا تريد، وإنما ما يراد منها: ان تكون ناجحة ومتعلمة وتدرس تخصص مرغوب في سوق العمل وان تتزوج حتى لا يحكي احد أنها تأخرت في الزواج أو "عانس". نعطيها دائما قائمة من الطلبات والقوانين التي يجب ان تتبعها طوال حياتها. لم نعلمها ما الذي تريده هي، وان تضع نفسها في المرتبة الأولى".

لا دافع واضح

فتيات اخترن إكمال الدراسة ليس تلبية لدافع، وإنما لأن الأمور تمشي هكذا: مدرسة ثم جامعة. ببساطة وبدون تفكير، انتظارا لقدوم الزوج. وفتيات أخريات أتممن دراستهن تلبية لمتطلبات صورتهن الاجتماعية.

الطالبة التي تدرس في الجامعة حاليا، مريم، تلخص هذه الفكرة إذ تقول: "المجتمع بدو هيك والأشخاص المحيطين من حولي متعلمين مش معقول أكون أنا مش متعلمة".

إن كان التعليم روتينا ومطلبا اجتماعيا، فإن اختيار التخصص لن يكون ضمن الاولويات المدركة. فهو شهادة وحسب. والوظيفة الاساسية ستكون زوجة وأم، كما تقول نداء (33 عاما): "ما كان عندي دافع أو هدف واضح، يمكن لأني كنت صغيرة ولست مدركة أهمية التعلم. أهلي دفعوني لأن ذلك الوقت هو أحسن فرصة لمتابعة التعلم. وكان أفضل بديل في الحياة انه وبعد التوجيهي أكمل دراسة الجامعة، بغض النظر ماذا سيحصل بعد ذلك".

بعض تلك الفئات، وبعد انخراطها بالجو الجامعي، تمر بعملية تحول في إدراك ما يدور من حولها وادراك للذات ولمفاهيم الحياة. وهنا يصبح للعملية التعليمية دافع مغاير لما بدأ به. تماما كما تغيرت وجهة نظر نداء بعد دخولها الجامعة. "العلم ضروري كتجربة إنسانية، كعلم ومعرفة وليس كشهادة. بالعكس الشهادة آخر شيء، ولما يختار الشخص أن يتعلم لا يكون الهدف هو الحصول على فرصة عمل أو الزواج. العلم مهم بحد ذاته".

سلاح للمرأة.. عند الحاجة

العلم سلاح.. سلاح.. الكل يقول سلاح. هل يتعلق الأمر بفقدان الإحساس بالأمان؟ التأكيد دائما على أن العلم سلاح للمرأة تعبير لم يأت من فراغ. فهي نشأت على أنها فريسة وبحاجة إلى سلاح تستخدمه عند الحاجة. قد يكون العلم سلاحا فعالا، لكنه أيضا متعة وغنى للشخصية.

تقول هبة: "الشهادة سلاح في يد البنت وفي هذه الأيام أي إنسان غير متعلم ليس له مكان في المجتمع. لازم على أي شخص أن يحمل شهادة، وخصوصا البنت".

والأمر يتكرر عند ديمة: "الدراسة تثقيف وسلاح للمرأة. إذا لم تشتغل فيه من الممكن أن تحتاجه في المستقبل". سماح أيضا تأتي على ذكر السلاح وتقول: "سلاح للمستقبل. إن صار شيء لا سمح الله تكون موجودة". وزينة تظل في نفس المنطقة، وتقول: "الشهادة سلاح في يداي. إذا صار لي شيء لا سمح الله في المستقبل". وسمر لم تخرج في قولها من ذات الإطار وتقول: "الدراسة سلاح بين يديك، وخصوصا هذه الأيام، لأن الأزواج فاشلين!".



الأعباء الاقتصادية المتزايدة وعدم الإحساس بالأمان والاستقرار المعيشي ساهم في تحديد دوافع المرأة الأردنية في التعليم، وهذا مرتبط بالتنشئة القائمة على أنها بحاجة دائمة الى حماية، فإما الأب او الأخ او الزوج. أما الشهادة فتكتسي أهميتها في حال غياب مصادر الحماية الذكورية.



تقول عارف: "الغالبية العظمى من فتياتنا في المجتمع الأردني تكتسب (التعليم) اكتسابا ولهذا يعتبر سلاحا، وقد يكون موجها ضدها، لان الرجل عندما يريد ان يتزوج يطلب امرأة عاملة وتشعر أنها إذا أرادت ان تكون مرغوبة في المجتمع يجب ان تكون امرأة عاملة ومنتجة، فلم يعد تجهيز البيت مثلا من مهمة الرجل وحده".

كثير من الفتيات يتجهن للتعليم مدفوعات نحو الحصول على وظيفة لتحسين مستوى معيشة اسرهن او لتلبية متطلبات "الزوج المناسب".

توضح عارف أنه قد تفرض على المرأة "المشاركة في تكاليف المعيشة حتى تعيش وتتزوج ولا يقال أنها "عانس" أو تتأخر في سن الزواج. أيضا أهلها يتدخلون، أي "كثّر خيرنا انه خليناك تتعلمي وتشتغلي في المقابل لازم تساعدي في البيت".

"مهن أنثوية"!

هناك ضوابط عديدة تحكم اختيار التخصص بالنسبة للفتاة، ما أفرز نمطية في اختيارها لمهنتها بناء على ساعات الدوام الأقل لتتلاءم مع واجباتها كزوجة وأم، فتصبح مهنة مثل المعلمة أو الموظفة الحكومية هي أكثر المهن التي تطمح إليها غالبية الفتيات.



سوق العمل في بعض المهن يفضل الذكور على الاناث، لأحكام تتعلق بعدم قدرة النساء على القيام ببعض المهن مثل هندسة الميكانيك والكهرباء، أو لمواقف الأهل السلبية من بعض المهن التي قد تتطلب ساعات متأخرة من العمل، مثل التمريض. وهنا يأخذ موقف الأهل من تحديد الفتاة لمهنتها دورا محوريا، إذ أن لهم الحق في التدخل في اختياراتها، على أساس أنهم الأقدر عل تحديد مهنتها. وتبقى هناك استثناءات، مثل سامية التي تقول: "اخترت التخصص رغما عن أهلي الذين تقبلوا الأمر بعدها".أما سمر فقالت: "أهلي كانوا يريدون تخصصا أخر لكنني درست القانون بناء على طلبي".



وتلفت عارف إلى وجود نمطية في اختيار التخصصات، وترفض تسمية "مهن أنثوية" التي ابتدعها المجتمع، وتعتبرها تسمية خاطئة، لأنها غير موجودة أصلا. "لكن الظروف الأسرية المناسبة ووجود عائلة متفهمة يساعد في الخروج عن هذه النمطية، لكنها تبقى نسبة ضئيلة في المجتمع. على أن النسبة الأكبر تدرس ما يريده الأهل وسوق العمل الأقرب إلى بيتها من ناحية المواصلات وبالتالي تحرم من هذه المتعة لأنها بعيدة ولا يجوز ان تتغرب وان تبتعد عن مراقبة الأهل وكأن الفتاة يجب ان تكون مراقبة وإلا فأنها ستنحرف وهذا شيء بعيد جدا عن الحقيقة".

وتضيف: "الفتاة التي غرزنا فيها الأحلام وعلمناها أن تعمل لنفسها أهداف سوف تكون بعيدة عن الانحراف، لأنه سوف يكون أمام أعينها تحقيق أهدافها".

ومحظوظة واحدة

غالبا ما تكون التضحيات من نصيب المرأة، مبررة بسعادة الأسرة واستقرارها. واستخدام مصطلح تضحيات يعطي فكرة عن إيجابية الأمر، إذ لا يترجم على انه استلاب أو تنازل عن الحقوق وإنما توازن وضبط للأمور يصب في مصلحة الأسرة. والأمثلة هنا تكاد تتكرر. وفاء تقول: "الاولوية لزوجي وطفلي". وكان لديمة وزينة نفس الرأي.

لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير عند فتيات يمكن وصفهن بـ "المحظوظات". شهلا (31 عاما) واحدة منهن. تجلس على كرسيها وإلى جانبها أمها التي كانت الداعم الرئيسي لها، وتقول: "كانت أمي تدعمني، وكان صعبا لي أن اترك طفلتي إلا عندما أضمن أحدا احن مني عليها. تقول لي أمي دائما "أينما تروحي عندك مال وجاه ونسب وأهل والأولاد، لا سمح الله يمكن كل شيء يروح، يظل علمك في رأسك لغاية ما يموت الإنسان، وهذا هو التجارة الرابحة. أينما تروحي سيكون موجود معك. العلم هو السلاح الأقوى. وعندما قررت إكمال الدكتوراه بدا وكأنة "هم وانزاح" عن قلب أمي". وتضيف: "زوجي أيضا دعمني بمحبة كبيرة ووقف إلى جانبي".



"لو ما كان هناك دعم اسري لما أكملت دراستي. لكان الوضع أصعب، ولكن بطعم أروع، لأنه في النهاية هناك وضع معين، ومهما كان صعبا يجب أن أتأقلم معه، وبعد فترة يصبح عاديا، بأن يضع الإنسان لنفسه خطة يتأقلم بواسطتها مع الظرف. وقت البيت سيكون اقل، وسيكون هناك تضحية من الجانب الأخر. لكن هذه الفترة ستكون محددة، وبعدها ستعود الأمور وتستقيم بعد ان يحقق الشخص هدفه".



وكانت شهلا انقطعت عن الدراسة والعمل لمدة سنة. وتقول عن تجربتها هذه: "أحسست أنني إذا بقيت كذلك أكثر من سنة فسوف افقد كثيرا من الأشياء، لأني سأكون بعيدة عن القراءة والكتابة والتحليل والتفكير. شعرت ان هذا الجو سيفقدني العديد من قدراتي وخبراتي ومن طاقاتي وأنه سيصبح حاجزا وغبارا على عقلي".



وتضيف: "أحلى شيء في الدراسة أنها تحسسني أن لدي مسؤوليات خاصة بي، وليس فقط بنتي زوجي وبيتي. كأنه عالم مخصص لك، مثلما لزوجي عالمه الخاص به المختلف عن عالم البيت، أريد ان يكون لي خصوصية ومجتمع لي علاقة به".



وإضافة إلى حبها للدراسة تعتبر شهلا قرارها إيجابيا لسواها من أفراد عائلتها. "أنا ادرس من اجل أولادي، حتى أكون مصدر فخر وعطاء لهم. إذا كنت أريد ان اجلس محاطة بأربع جدران ولا درس أو اعمل لأني ربة بيت، لن يبقى عندي أي مخزون استطيع من خلاله مساعدة أولادي، وسوف أتراجع إلى الوراء خطوة خطوة، وسوف يكون هناك فجوة بيني وبينهم. ولكن إذا درست وتعلمت، فسأكون على نفس الخط مع أولادي، وقادرة على العطاء أكثر واحتك بالمجتمع بشكل اكبر".

الاستقلال وتحقيق الذات

هنالك شريحة لا باس بها من الفتيات لديها وعي وإدراك واضح لدافع التعليم وما تصبو إليه من تحقيق للذات وحرية واستقلال تؤمن لها إمكانية اتخاذ القرارات بدون التعرض للضغوط، وخصوصا في الجانب الشخصي من حياتها.

وعن دوافعهن إلى التعليم، تقول سمر (33 سنة): "بعد التوجيهي تتحمس الطالبة لدراسة الجامعة لأنها تحقق الذات". وتقول نورة "أريد أن ادرس لأبني مستقبلي". أما دينا فتقول: "درست لاثبت ذاتي أولا، وأحس أن لي وجود وقادرة على خدمة المجتمع من خلال دراستي وشهادتي وقادرة أن أحقق شيء".

وتؤكد نسرين "حتى اعتمد على نفسي والشغل يطور الانسان". كما وذكرت سامية " ابني شخصيتي واتثقف كي أتعلم وتجربة الحياة الجامعية مختلفة لأنها تصقل الشخصية ، والعمل مكمل للجامعة، ويجب ان اصقل كل المهارات التي اخدتها في الجامعة. والعمل عالم مختلف غير عن الجامعة والعمل يعطي خبرة اكتر والشخصية تتغير وأيضا للمردود المادي. أنا أحب الاعتماد على نفسي".

وتقول مي: "دخولي الجامعة بحد ذاته وسيلة للتعلم من الحياة واخذ الخبرات وبعدين الشغل". وقالت هدى (37 عاما): "الكل المفروض يحسن حالوا في العلم والمعرفة".

تعلو الأصوات المؤيدة لضرورة متابعة المرأة الأردنية تعليمها. في المقابل هناك من ينادي بإعطاء أولوية التعليم للذكور على الإناث، على أساس أن الذكر هو من يبني الأسرة وان رعاية الفتاة المتزوجة لأسرتها لا تحتاج الى شهادات. وهناك من يذهب بعيدا معتبرا تعليم الفتاة خسارة، لان المردود المادي من عملها في المستقبل سيكون من نصيب الزوج.

د. نجوى تقول: "مهما كانت النية التي من اجلها تتعلم الفتاة تكون النتيجة جيل من الفتيات المتعلمات، والمهم في المجتمع ان لدينا فتيات وأمهات متعلمات بغض النظر عن هدف تعلمهم، والفتاة المتعلمة أفضل من الفتاة الجاهلة لأنها اقدر على التعامل مع ظروف الحياة واقدر على ان تربي أولادها والتعامل مع الناس. والنتيجة المهمة هي ان لا يكون عندنا أمرة جاهلة يسهل التأثير عليها تعريضها لمواقف سيئة في حياتها".


أضف تعليقك